مجازرسيفو #العثمانية ضد #مسيحيتركيا عام 1915

#مجازر_سيفو #العثمانية ضد #مسيحي_تركيا عام 1915

تحدث الكاتب والناشط الثقافي السيد صباح ميخائيل برخو من قناة تلفزيون سورويو نبذة عما حدث في أحداث الإبادة الجماعية والمجازر الدموية التي نفذها العثمانيون بالتعاون مع بعض قبائل كردية في تركيا .
بدأت مجازر سيفو الكبرى فعليا في 15 حزيران 1915، وهي من نتائج الحرب العالمية الأولى والمؤامرات السياسية الدولية التي راح ضحيتها الشعب المسيحي في تركيا من الأرمن والآشوريين والسريان واليونانيين المقيمين على أرض الإمبراطورية العثمانية منذ آلاف السنين . والاشوريين والسريان هم بقايا شعب الأمبراطورية الآشورية التي امتدت من شمال العراق وعاصمتها نينوى مرورا بأراضي تركيا الحديثة وامتدت غربا إلى مصر والسودان وقبرص .
تأسست الإمبراطورية العثمانية على دماء خلفائها المسلمين الذين كان يستلمون الحكم بعد أن يقتل الخليفة الأب ابنائه ليعطي الخلافة لأحدهم . ويغدر الأخ بأشقائه بالجملة ليحرمهم من وراثة الحكم، ليكون أحد ابنائه هو من يرثه الخلافة وليس أحد أشقائه الذي قد يغتصب الحكم منه بالقوة . وتاريخ الخلفاء العثمانيين معروف جيدا بهذه الجرائم العائلية البشعة . وبذلك استلم قيادة هذه الدولة مجموعة من القتلة و السفاحين الدمويين . وهذه السمة الدموية انتشرت بين السياسيين وقادة جيش الإمبراطورية العثمانية . وأصبح القتل الجماعي للطوائف والشعوب الغير مسلمة علامة مميزة للحكم العثماني. ولهذا لجأ العثمانيون الى سياسة ابادة وتهجير تلك الشعوب التي لا تنتمي عرقيا و دينيا الى الشعوب العثمانية من أراضيهم و ممتلكاتهم وبيوته .
في الحرب العالمية الأولى عام 1915 حصلت ابادات جماعية وتهجير للمسيحيين بالجملة على يد قوات الجيش العثماني بتعليمات من وزير الدفاع العثماني ، وبتشجيع من ألمانيا حليفة تركيا العثمانية في الحرب ومن ورثهم من الأتراك . قامت الدولة العثمانية على العنصرية العرقية والدينية التي من أركانها محاربة الشعوب الأخرى التي لا تنتمي الى العنصر المسلم العثماني والمقيمة بقربها أو معها على تلك الأرض .
في مطلع القرن التاسع عشر صدر المرسوم المسمى (خط همايون) الذي اعتبر جميع سكان الأراضي التركية العثمانية هم مواطنون من درجة واحدة، أي متساوون بالحقوق والواجبات . وقدمت سلطات الدولة العثمانية نفسها على أنها دولة حقوق ومواطنة لكل الشعب . وأصدرت مجموعة قوانين منها حرية الصحافة والنشر والمعارضة . لكن الدولة العنصرية التي تجعل الدين والشريعة الإسلامية هي الأساس في دستورها وتشريعاتها وقوانينها، لابد ان تنمو من خلالها التفرقة الدينية والعنصرية وتعكسها على القوانين والممارسات اليومية في المجتمع .


كان الأرمن والآشوريون والسريان والكلدان المسيحيون مواطنين عثمانيين وجزء من الشعب العثماني المقيم على أرض هذه الإمبراطورية . ومن الطبيعي أن تكون القوانين في الدول العنصرية شكلية في مظهرها ومختلفة في التطبيق في جوهرها .
شنت الحكومة العثمانية حملة ابادة شاملة وتهجير قسري ضد المسيحيين المقيمين على الأرض التركية بسبب تشكيك الدولة بموقف المسيحيين من الولاء للحكومة العثمانية المسلمة وهي تخوض حربا ضد الإنكليز وقد تتعاطف الدولة السوفيتية المسيحية الأرثذوكسية مع المسيحيين فيكونوا الطابور الخامس مع السوفييت والإنكليز ضد الحكومة العثمانية . وهكذا لعبت السياسة والتآمر الدولي ضد مصير مسيحيي تركيا، فشنت الحكومة العثمانية حملة شرسة للقتل الجماعي و سياسة التخويف والتهجير والإعدامات ضد المسيحيين رجالا ونساء واطفالا الذين كانوا يقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف مواطن مسيحي تركي . وشارك بعض عشائر من أكراد تركيا مع الجيش العثماني التركي في حملات الإبادة والقتل واغتصاب الفتيات والنساء وإغراق المسيحيين بالجملة في مياه الأنهار والبحيرات وقطع الرؤوس للرجال . كما تم تهجير مئات الالاف من اولئك الهاربين من بيوتهم مشيا على الأقدام تائهين في سفوح الجبال والصحاري قطعوا خلالها آلاف الكيلومترات للوصول الى مناطق آمنة مثل مدينة حلب في سوريا، ومنهم من اتجه الى بعقوبة في العراق، وآخرون لجئوا الى مدينة اورميا الحدودية في إيران لطلب اللجوء والحماية والأمان . وقد مات الكثير منهم في سفوح الجبال وفي الطرقات الجبلية والصحاري جوعا وعطشا مرضا وخاصة كبار السن، وتركوا من غير دفن على الطرقات. ومن وصل حيا كان منهكا ومريضا ومرعوبا مصابا بورم الأقدام ويعاني من ضربات الشمس المحرقة ، فاقدا لجزء من اهله واولاده أو الوالدين ، كل يريد ان ينجو بنفسه وينقذ حياته .
تلك المآسي وحالات الرعب والموت الجماعي، تركت آثارها المدمرة على نفوس أبناء الجيل الأول من عاش تلك المجازر المرعبة، انتقلت ذكريات تلك المآسي الى الأبناء من الجيل الثاني من تلك العوائل المنكوبة منهم من فقد الأب والأم والأخوة والأخوات قتلا او موتا بالطرقات الجبلية بسبب الجوع والعطش والمرض أثناء الهروب الجماعي، أو ضياعا في طرق الهجرة المرعبة.
هذه حكاية حكاها لي المرحوم والدي الذي عاش تلك المأساة بنفسه مع عائلته التي كانت تسكن مدينة (وان) التركية كان عمره عشرة سنوات عندما بدأت حملات الإبادة والقتل الجماعي للمسيحيين بكل طوائفهم الآشورية الأرمنية والسريانية والكلدانية كإحدى إفرازات الحرب العالمية الأولى . وكان يتذكر كل ما مر بهم من مآسي اثناء هروبهم وهجرتهم سيرا على الأقدام وفوق العربات التي تجرها الدواب لكبار السن منهم . قال لي وهو يتحدث بحسرة :
كنا نسير ليلا ونهارا من غير معرفة بالطرق الجبلية و لا ندري الى أين نتجه ، طرقنا وعرة و لا نحمل معنا الا اليسير جدا مما توفر لنا ان نحمله على أكتافنا وظهورنا أو على الحيوانات من الطعام والماء. كلما اتجهت مقدمة الرتل الى طريق ما، تتبعه البقية دون هدى ولا نعرف ان كان ذلك الطريق سيؤدي بنا الى مكان آمن أو بلدة تحمينا . من يتخلف من العائلة عن المسير بسبب التعب أو الجوع او المرض تتركه عائلته و تستمر في سيرها ، و يبقى هو وحيدا في الجبال ولا يعرف مصيره ميتا أو حيا. كنا نرى العجائز والشيوخ متروكين أو جثثا مرمية على سفوح الجبال وفي الصحراء . ومن له القدرة على السير يواصل مسيره ولا ينظر خلفه.
تشتت العوائل فمنهم من اتجه إلى مدينة أورميا الإيرانية كعائلة والدي، وهو وجد نفسه مع بقية المهاجرين تائها في مدينة بعقوبة في العراق . وعاش بعيدا عن والديه وإخوانه الذين سكنوا واستقروا في اورميا وهو عاش وحيدا في العراق بلا أهل . وكل منهم لا يعرف مصير بقية أفراد عائلته لتفرقهم وبعد المسافات وصعوبة التواصل والسفر في ذلك الزمن والحرب على أشدها وقد احتل البريطانيون العراق، وانشأت الجيش البريطاني مخيمات لإسكان المهجرين والهاربين في بعقوبة و وفروا لهم الطعام والماء والحماية.
كان السفير الأمريكي في تركيا شاهد عيان على تلك المجازر العثمانية والهجرات القسرية الجماعية ، وكتب شهادته في كتاب . كما اعترفت فرنسا بوقوع هذه المجازر الجماعية العنصرية ، وتعيد ذكرها في البرلمان الفرنسي كل عام، وهذا ما يغيض الحكومة التركية وتستنكره، ولا زالت تنكر وقوع مثل هذه المجازر والإبادة الجماعية لتفادي الإدانة الدولية و انتقاد المجتمع الحر لتاريخها الدموي.
يجب ان لا ينسى احفاد اولئك الذين تعرضوا للإبادة الجماعية ومن فقد بعضا من أهله في تلك المجازر الرهيبة وتهجر من أرضه وفقد ممتلكاته في تركيا ما حدث لأهليهم في مذابح سيفو أي (السيف التركي) لأكثر من مليون ونصف مسيحي من طوائف مختلف على أراضي احتضن ترابها آبائهم وأجدادهم . وعلى المثقفين تخليد ما حدث ونشره لتعرف الأجيال الجديدة دموية العهد العثماني و ما ارتكبوه من مذابح ضد أهاليهم الآمنين وهم لا دخل لهم في حرب او سياسة . وعليهم نشر الكتب والمقالات التي تخلد ذكرى تلك المآسي والجرائم العثمانية وإبادة الشعوب والأعراق التي لا تجد من يحميها . فالشعب الآشوري الآن مشرد بين الكثير من دول العالم والعائلة الواحدة مقسمة بين دول القارات المختلفة .
ان المجازر الجديدة التي ارتكبتها عصابات داعش الإجرامية في سهل نينوى ، قد أعادت التاريخ الى الوراء مجددا، فقد هجرت هذه العصابات الإجرامية باسم الله والدين ، نفس ما ارتكبه اجدادهم في الجزيرة العربية في القرون المظلمة وما أعاد ارتكابه من احفادهم العثمانيون في تركيا ضد المسيحيين ، وساهمت عصابات داعش في عام 2014 في تهجير المسيحيين الآمنين من مدينة الموصل وسهل نينوى وقتلوا في مجازر رهيبة الشعب الايزيدي في سنجار واغتصبوا وباعوا بناتهم سبايا في أسواق النخاسة الإسلامية بالدولار الأمريكي . وها هم مسيحيو العراق بكل طوائفهم مهجرين في العديد من بلدان المهجر مشتتين ، العائلة الواحدة يسكن أفرادها في دول متفرقة . وهذا ما حصل لي ولأولادي واخوتي واقربائي كلٌ يعيش بعيدا عن الآخر في الدولة التي قبلتهم كلاجئين فيها بعد ان ضاع موطن الآباء والأجداد والتاريخ والذكريات وتركنا قبور آبائنا أمانة في احضان تراب الوطن .
صباح ابراهيم
5 / 9 / 2023

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.