سنكتب على أبواب الأزهر ذات يوم : ( هنا كان يُدرّس الجهل ) :ـ

سنكتب على أبواب الأزهر ذات يوم : ( هنا كان يُدرّس الجهل ) :ـfkrhur1

يقول أستاذنا الراحل العفيف الأخضر : التعليم الديني مضاداً لغرائز الحياة المتجذرة عند الأطفال والمراهقين والشباب.هذه الغرائز التي لا ترضى عن تحقيقها بديلاً؛ولأن هذا التعليم يسبح ضد تيار الحقبة التاريخية، الذي ينسف كل يوم المزيد من المحرمات الدينية الغبية .
الإيمان حسب ما هو معلن من قبل غالبية المتدينيين هو تجربة ذاتية يخوضها المرء لوحده تنتهي به إلى الإيمان ، وبالتالي فإنه لا يحق لأحدهم ـ إستنادا لهذا التعريف للإيمان ـ تشكيل تلك التجربة أو التدخل فيها بالنسبة لفرد آخر بإسم التعليم الديني وبالتالي التشويش على تجربته الذاتية ، وإلا فقدت التجربة مضمونها من حيث كونها تجربة وجدانية ذاتية وإستحالت إلى محض تلقين أو بالأدق غسل دماغ .فطالما أن الإيمان تجربة ذاتية أساسها الشعور الداخلي او حتى فطرة كما يزعم بعض المتدينيين فلماذا التعليم الديني والتلقين الأبوي للأطفال والمؤسسات التي ترعى الإيمان وتبشر به وتدعو إليه وتدافع عنه بإسم الجهاد أو القتل المقدس والعقل مصمم مسبقا على القبول بالإيمان والنفس مهيأة فطريا على خوض تجربة الإعتقاد الإيماني ؟

إن وجود هذا الكم الهائل من المؤسسات التعليمية الدينية لهو أكبر دليل على أن الإيمان الديني شأنه شأن أي فكرة مكتسبة صاغها بشر عاديون تحتاج إلى الدفاع عنها وحمايتها بالمنطق أو بالقوة أو بغسل الأدمغة ، وليست فكرة ذات مصدر خفي ولا هي هبة من السماء مغروسة في وجدان الإنسان مجبولٌ على قبولها طوعاً أو كرها .
عموماً ليس فقط إستنادا إلى ذاتية الإيمان وتجربته نُطالب بمنع التعليم الديني في المدارس ، ولكن لأسباب كثيرة أهمها السادية في التعاليم الدينية التي تجعل من التعذيب والحرق بالنار والضرب بالمقامع والتعرض للسع الحيات والعقارب عقوبات عادلة ومنصفة بل وحكيمة ، ناهيك عن التمييزالذي ينتج عن التعليم الديني بين الأطفال في المدارس وبالتالي الإسهام في تكوين الوعي سلبيا وتنمية الشعور الطائفي أو المذهبي ، فضلاً عن عدم وجود دين يخلو من المذاهب والقراءات والتأويلات المختلفة التي تجعلنا نتساءل بأي حق تنتقي وزارات التعليم مناهج التعليم الديني ومقرراته المدرسية وبالتالي البت في قضايا خلافية دينية وتدريس رأي من وضعوا تلك المناهج والمقررات للطلاب والتلاميذ بوصفها التأويل الصحيح للدين ولتعاليمه والضرب بعرض الحائط باقي الإجتهادات الموجودة لدى مختلف مدارس ومذاهب الفكر الإسلامي ؟.

ثم هل من حق الاباء والأمهات تلقين دينهم لأبناءهم بوصائية ؟ ، بمعنى هل الأبوة تمنح حق الوصاية الفكرية أو حق الأبويين في غسل دماغ أبنائهم بمعتقدات تم غسل أدمغتهم بها وهم صغار ؟
لكل ذلك فالدين بنظري يفترض أن يُتعلم كمادة معرفية ، أي أن يتم تدريس جميع الديانات المتعلقة بتاريخنا وتاريخ الأمم التي حولنا و بحسب فهم أتباعها لها دون أن يتم دمغها بالمحرفة أو اللا سماوية ، أي أن يتم نقل الدين كمعرفة دون إلزام بممارسات أو طقوس إيمانية بعينها ، ويُفضل بنظري التركيز بدلاً من التعليم الديني على تدريس العلوم الطبيعية والتطبيقية وذلك لدرجة يقينيتها العالية وفوائدها في حياتنا اليومية والمستقبلية بدلا من تدريس الدين المختلف عليه وبالتالي تعزيز الإنقسامات والتطرف والنرجسيات والهويات الدينية الضيقة القاتلة ، علينا أن نُدرِّس تلك العلوم التي تنطلق من قوانيين حتمية تنفي إماكنية يد خفية أو كائنات سماوية تتدخل لخرق تلك القوانيين والمساهمة بالتالي في مزج العلم بالخيال أو بالفرضيات الخيالية الغير مدعمة علميا ولا منطقيا و التي تسهم في نزع روح البحث العلمي عن الطالب .

ومثلما يوضع العلم جانبا عند القيام بالطقوس التعبدية فيتوجب أن يوضع الدين جانبا عند القيام بالعملية التعليمية إلا فيما يتعلق بدارسة الظاهرة الدينية وصفياً أو معرفيا ، فتلقين الأطفال أفكارا أو معارف غير مُتيقّن من صحتها ولا نملك برهان على صوابها بوصفها أفكار صائبة ومُتيقّن منها جريمة عظمى في حقهم
ولكن للأسف الشديد نرى التعليم الديني السائد عندنا هو التعليم الطقوسي التعبدي ، حيث يدرس الإيمان وليس الدين كمادة معرفية ، وحفظة القران وأبناء ( المجاهدين ) الذين قتلوا في حروب الجنوب بإسم الجهاد ضد الكفار الجنوبيين يُضاف إلى نسبتهم درجات إضافية في الشهادات المؤهلة لدخول الجامعات لا لشئ إلا لحفظهم ايات من القران أو لأن ابائهم قضوا في الجنوب بعد أن تم إغرائهم بمضاجعة الحور العين لو ماتوا هناك ، وذلك بغض النظر عن قدرات هؤلاء المُضاف إليهم الدرجات في المواد الأكثر أهمية فيما يتعلق بقبولهم بالجامعات لا سيما الكليات العلمية ، وأكثر من ذلك نجد الدين لا يُدرّس فقط كإيمان وطقوس ، بل ويتم الزّج به في كتب العلوم والتاريخ بل ووصلت السذاجة بوزراة التربية والتعليم عندنا أن تفتتح مقررات الرياضيات بايات قرانية .

ختاما فإنه للتأكد من مدى بشاعة جريمة التعليم الديني فإنك كمسلم على سبيل المثال بالتأكيد تستاء عندما تجد أطفالاً مولودين لأبوين مسيحيين يُلقنون بأن المسيح هو إبن الله ، إنه ذات مقدار الإستئاء الذي يشعر به المسيحي عندما ينظر إلى أطفالك المسلمون وأنت تلقنهم أن المسيح لم يصلب . ولم يضحي من أجل خطايانا ، وهو ذات الإستياء الذي يُصيبنا عندما نرى إلى جميع هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يتم تلقينهم كل تلك الأفكار دون أن يتم إقناعهم بها منطقيا أو عقليا ، وإنما يتم إقناعهم بها بسلطة الأبوة وآلية التكرار منذ الصغر فقط لا غير ..
ولكن رغم ذلك فإن عالمنا لم يعد كما كان بالسابق ، تغير الكثير رغم أننا لا زلنا نقبع في التصنيف كدول عالم ثالث أو كمجتمعات متخلفة تحيا على هامش الحضارة الكونية ، بعد أن صار العالم مجرد شاشة صغيرة تصل بين قرية متناهية في الصغر تقع على حواف إحدى أرياف بلدان العالم الثالث وبين أضخم المدن الصناعية في أوروبا ، ولم يبعد من السهل الحفاظ على تلك الحواجز الثقافية التي يتمترس خلفها دعاة المحافظة على الهوية والخصوصية والتراث والتاريخ الملحمي للأمة ولدينها ، صار بإمكان الجميع أن يتخطوا ويتجاوزوا تلك الأوهام التي مُلئت بها أدمغتهم منذ الصغر والتي تتحدث عن اخر شرير شيطاني متآمر كلي الشر ، مقابل ذات ملائكية طيبة نقية كلية الخير ، فالجميع بإمكانه أن يتعرف على مجتمعات العالم وثقافاتهم وتاريخهم وأديانهم بواسطة محركات البحث مثل غوغل أو بواسطة الموسوعات الشبكية مثل ويكيبيديا .

لم تعد هناك نقاط معتمة يسهل ملأها بالأساطير والأوهام والأكاذيب ، فالنقاط المعتمة صار المجتمع العلمي ـ الذي بات يحظى بثقة جميع الناس ـ بدلا من ملئها إعتعباطا يعترفون بعتمتها ويسعون لتسليط ضوء المعرفة والعلم والمنطق عليها ، بات هناك إنفجار معلوماتي يحدث فقط بكبسة زر أو بلمسة على سطح شاشة حول أي علامة إستفهام ، لم تعد النقاشات حتى في قاع المجتمع ذات الطابع السطحي كما بالسابق يتشبث كل طرف برأيه لدرجة العنف المادي ، وإنما باتت تنتهي بإقتراح من أحد ( الأجاويد ) يقول به : ” دعونا ندخل الانترنت”
لذلك أعتقد بانه في المستقبل المنظور سيصبح للتعليم الديني التقليدي فاعلية هامشية جدا في حياة الأجيال الراهنة والمستقبلية ، وغالبا ما ستنتهي تلك الفاعلية مع الوتيرة المتسارعة للتقدم التكنلوجي وثورات الإتصالات لذلك فانا متفائل للغاية وتجدني أردد دائما عبارة الأستاذ محمود محمد طه : سيأتي زمان تُوضع فيه على باب الأزهر خشبة مكتوب عليها (هنا كان يدرس الجهل)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

محمد ميرغني – مفكر حر

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to سنكتب على أبواب الأزهر ذات يوم : ( هنا كان يُدرّس الجهل ) :ـ

  1. س . السندي says:

    ماقل ودل … لكل ذي عقل ؟

    ١: كيف ستنهض امة لازال من يقودونها يقولون ان الشمس تدور حول الارض وليس العكس ، وأننا نتبع القران وليس العلم ، والمصيبة نحن في القرن 21 ولازال الكثيرين هذا الدجل مصدقين ؟

    ٢: المصيبة الكبرى ليس في هؤلاء المشعوذين والدجالين المفلسين ، بل في سكوت النخب المتعلمة والمتنورة عن قول الحق والحقيقة ؟

    ٣: ان ما ينقص امة اقرأ ليس فقط شلالات المعرفة بل الشجاعة في قول الحقيقة ، ومن دون هاتين الركيزتين يستحيل على امة الصمود والبقاء مادام العم كوكل يدخل كل بين وخباء ؟

    ٤: مصيبة المصائب خريخ غار حراء يدعي شهادته من السماء ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.