زواج على المقاس

بقلم سناء العاجي/

الأمير هاري يتزوج من الممثلة السابقة ميغان. خبر تابعه الكثيرون منذ بضعة أيام. تكاثرت التعليقات حول فارق السن بين الاثنين (إذ أن ميغان تكبر هاري بحوالي ثلاث سنوات) وحول كونها سمراء من أصول أفرو أميركية (بينما “يفترض” في زوجة أمير أن تكون شقراء!) ومن أسرة متوسطة (بينما هو أمير!)، دون أن ننسى كونها مطلقة وأما (يا للفضيحة!).
أحد الظرفاء ذهب بعيدا، إذ نشر صورة لابنة خال الأمير هاري (وهي شقراء) معلقا عليها باللهجة المغربية بما مضمونه: “لقد ترك الجبن ليتزوج من الزيتون الأسود”. هكذا بكل بساطة! إذ لا يفترض أن يتزوج شخص (وخصوصا إن كان أميرا) من امرأة أحبها وأحبته مهما كانت الفوارق بينهما، بل أن يتزوج من امرأة شقراء وبيضاء كالجبن.
علاقتنا بالزواج ما زالت مبنية، في معظم الحالات، على أسس تقليدية
لنترك جانبا البعد العنصري لهذا التعليق (لأنه يعتبر الجمال مقتصرا على البشرة البيضاء والشعر الأشقر). ألم يع هذا الشاب، وكثيرون مثله، بأن اختيار شريك الحياة بناء على شكله فقط، لم يكن يوما مصدر سعادة للزوجين؟
وكأننا بهؤلاء لا يختارون شريك حياة، بل يشترون بضاعة تتلاءم مع دفتر تحملات بشروط محددة على مستوى الشكل والنسب والماضي العاطفي.
اقرأ للكاتبة أيضا: سناء العاجي: “اغتصبوا يرحمكم الله…”
دعونا نتفادى لغات التجريح التي انتشرت على المواقع الاجتماعية، والتي تتهم الكثير من شباب مجتمعاتنا بكونهم يفتقدون الوسامة والذكاء والمكانة الاجتماعية، لكنهم يشترطون عروسا وسيمة شقراء غنية متعلمة. هذا النوع من التعليقات الانتقامية لا يختلف كثيرا، في فلسفته، عن تعليق صاحب الجبن والزيتون الأسود. كما أن هذا النوع من التعليقات يعني أن الرجل الوسيم والغني والذكي يحق له، ضمنيا، أن يضع دفتر تحملات لزوجة المستقبل مبني على شكلها ونسبها وغناها.


في المطلق، مخطئ من يختار شريك حياته بناء على هذه المعايير الخارجية. الزوجة الشقراء قد تكون سليطة اللسان والزوج المتعلم قد يكون عنيفا. الزوجة ذات الحسب والنسب قد تكون سيئة الطباع؛ والزوج الوسيم قد يكان مصابا بوسواس غيرة قهري. الزوج الثري قد يكون بخيلا، والزوجة العذراء قد تكون خائنة.
بل إن كل هؤلاء قد يكونوا أشخاصا رائعين في المطلق، لكنهم ليسوا الأنسب لنا. ليسوا من سنرتاح في حضنهم ومن سيسعدنا اقتسام أفراحنا وأحزاننا معهم.
مخطئ من يختار شريك حياته بناء على المعايير الخارجية
علاقتنا بالزواج ما زالت مبنية، في معظم الحالات، على أسس تقليدية. نختار شريك الحياة بناء على معايير مرتبطة بالشكل والثروة والنسب، إضافة إلى العذرية فيما يتعلق بالنساء. على الزوج أن يكون أطول من الزوجة، وأن يكون مدخوله بالضرورة أعلى. على الزوجة أن تكون عذراء وأن تكون أكثر وسامة من الرجل وأصغر منه سنا. اختلال معيار واحد من هذ المعايير قد يدفع الشخص ومحيطه لإعادة النظر في الموضوع برمته (فعندنا، أنت لا تأخذ قرار الزواج وحدك، بل تتدخل الأسرة والأصدقاء والجيران والعشيرة والقبيلة. حتى محل البقالة المجاور لمسكنكم قد يبدي رأيه في الموضوع!).
اقرأ للكاتبة أيضا: الشرف ليس في غشاء البكارة، بقلم سناء العاجي
الذي يحدث للأسف، أن الشخص الذي تناسب معاييره دفتر التحملات المجتمعي، لا يكون بالضرورة هو ذلك الذي سنرتاح معه في حياتنا اليومية والذي سنقتسم معه الأفراح والمخاوف والهواجس والأحلام. نتزوج شخصا يلائم دفتر التحملات المجتمعي، ويتزوج حبيبنا شخصا آخر اختاره لأنه يرد على دفتر تحملاته الخاص؛ ويعيش الجميع ليس بالضرورة في تعاسة، لكن في صورة زائفة ترضي المجتمع ولا ترضي أعماق الكثيرين.
هذا ليس تعميما، فهناك طبعا استثناءات لزيجات تقليدية نجحت بشكل حقيقي في توفير السعادة للزوجين. وهناك رجال ونساء لديهم جرأة مواجهة التقاليد للارتباط بمن يناسبهم فعليا وليس مجتمعيا فقط. لكن كل هذه تبقى استثناءات قليلة، بينما يعيش الكثيرون من أجل إرضاء صورتهم لدى الآخرين، وليس بالضرورة من أجل تحقيق السعادة الداخلية.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.