يا الهي كم كنا فقراء لكننا كنا بشر طيبون وسعداء

Bassam Yousef
 نبشت معركة ” المطابخ ” التي تدور رحاها على صفحات “الفيس بوك” في ذاكرتي قصصاً وذكريات كثيرة، ليس لجهة الطعام وأنواعه، بل لجهة أخرى مختلفة تماماً.
في عام 1967 كان عمري ست سنوات، عدنا من القنيطرة التي كنا نعيش فيها بعد أن أهداها حافظ الأسد لاسرائيل في حرب حزيران المشؤومة.
في تلك الحرب أصيب والدي وأحيل إلى التقاعد وبعدها استقر في القرية.
لا يمكنكم أن تتخيلوا كم من الفقر كان في قرانا … عندما حاولت أن أتذكر ماذا كنا نأكل في تلك الفترة دهشت … نعم أنا الذي عشت تلك الأيام دهشت كيف كنا نعيش؟؟.
من الطبيعي أن يكون الطعام المألوف في أي منطقة هو ما تنتجه أولا، وربما يكون ماتنتجه فقط في المناطق التي لاتزال غير نشطة تجاريا كما كانت قرانا حينها… كان البرغل مادة طعامنا الأساسية، وربما ستضحكون ان قلت لكم أننا كنا نأكل البرغل بالخبز … لم نكن نعرف الأرز حينها، وعندما بدأ يصل الى قرانا فإنه وصل الى بيوت قليلة ميسورة.
لن يخطر في بالكم أننا كنا نرى أغلب الفواكه والخضار نادرا، ففي مناطقنا لم تكن هذه المزروعات معروفة ولم يكن من وسيلة للحصول عليها الا اذا كان احد ما صدفة في جبلة .
كنا نزرع البصل والثوم وكنا نخزن التين اليابس ونحول الحليب الذي يتوفر بكثرة في فترات قصيرة الى لبن لنصنع الشنكليش واللبنة المدعبلة والكشك .
حتى المكدوس لم يكن معروفا وكانت ايام الصيف حافلة ب”تراكتورات” تبيع العنب “بالسحارة” كنا نصنع منه مربى العنب، وتبيع التمر با”لزنبيلة” هكذا كنا نسميها وكنا نشتري الدبس بالتنكة .
لن تصدقوا أننا لم نكن نعرف مواقد الغاز حتى في السبعينات، كانت بوابير الكاز أو مواقد الحطب هي وسيلتنا الوحيدة للطبخ، … أذكر في منتصف السبعينات أن عائلة واحدة في قريتنا كانت تستعمل الغاز وان صاحب البيت كان يبدل جرة الغاز من جبلة … اي انه سيسافر سفرة شاقة ليحضر جرة الغاز، كانت نساء القرية تغار من هذه المرأة التي لديها غاز وتسخر منها وكانت اشاعات مثل ان الغاز لاينضج الطعام بشكل جيد … اتذكر انني تحايلت كي يرافقني ابن هذه العائلة لأرى الغاز.
عندما قلت لامرأة كانت تزورنا انني رأيت الغاز نفخت وقالت : والله يا ابني هاد بطر … ودفع مصاري ع الفاضي .. الغاز هوا بتصدق انو في عاقل بيطبخ ع الهوا ..ماتواخذني يا ابني والله اللي بدو يطبخ ع الهوا بياكل هوا … وأطلقت ضحكتها المجلجلة.
كنا نشوي البطاطا في جمر التنور … ونشوي البيض أيضا بعد أن نلفه بشيء رطب ورقة مبللة بالماء مثلا.
كان فطورنا دائما في موسم التين والعنب تينا وعنبا فقط … يذهب احد ما الى الكرم قبل شروق الشمس ليملأ السلة ثم يعود .. وكنا كالعادة نتحلق حول طبق القش المليء بالعنب والتين وارغفة الخبز لنتناول فطورنا.
كثيرا ما كانت وجبة أحدنا رغيفا من الخبز يمكنك أن تحملها وتدخل أي حاكورة زرعت بالبصل … لايهم من هو صاحبها .. تملأ رغيفك بورقات البصل الخضراء ثم تدرجها لتصبح وجبتك جاهزة ..
كانت علبة السردين مهرجانا … وكنا ننتظر المناسبات الدينية لكي نتذوق اللحم، كنا نتحلق حول الدست الذي تسلق فيه الذبيحة حاملين اوعيتنا كي نحصل على ماء اللحم المسوق.
كنا فقراء نعم … يا الهي كم كنا فقراء لكننا كنا بشر طيبون وسعداء.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.