هل الصلوات الخمس بدعة؟

 بقلم د. عماد بوظو/
الصلاة هي الشعيرة الرئيسية في كل الديانات المعروفة، من اليهودية والمسيحية والإسلام إلى البوذية والهندوسية وغيرها، وهي في جوهرها التوجه إلى الله في الدعاء كما هو مذكور في المعجم الوسيط في اللغة العربية.
يرى كثير من الباحثين أن أصل الكلمة عبري ومعناها الانحناء وإخضاع النفس، وفي شرح “الموطأ للإمام مالك”: صلوتا هو مكان الصلاة لليهود، وحسب المعجم الوسيط فإن الصلّاة (بتشديد اللام) هي بيت الصلاة لليهود، والأصل الآرامي للكلمة هو المرجح باعتبارها اللغة الأم للسريانية والعبرية والعربية: “الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” الحج 40. وحسب تفسير الطبري فـ “الصوامع” هي مكان اعتكاف وعبادة الرهبان، و”البيع” هي الكنائس للنصارى، و”الصلوات” هي كنيس اليهود، و”مساجد” هي مكان صلاة المسلمين، وتوضح الآية أن هذه كلها بيوت الله.
تستخدم كلمة الصلاة اليوم إما للإشارة إلى مجرد الدعاء إلى الله في أي مكان وأي صيغة وفي سبيل أي غاية، أو للدلالة على الشكل الشعائري للصلوات الذي تطور مع الزمن في كافة الديانات حتى وصل إلى صورته الحالية.
تحولت الصلاة إلى فعل استعراضي أمام المجتمع، مثل محاولة ترك آثار للسجود على الجبين
فالصلاة اليهودية تؤدى ثلاث مرات في اليوم، صلاة عامة في الصباح والمساء وصلاة غير عامة العصر، ومن الممكن دمج صلاتي العصر والمساء في صلاة واحدة، تؤدى الصلاة وقوفا ويخفض المصلي طرفه للأرض خشوعا.
واستعيض مع الزمن عن الركوع والسجود بالانحناء الجزئي للإمام ثم العودة، وبقي السجود فقط في صلاة يوم رأس السنة العبرية وعيد يوم الغفران، وتتطلب الصلاة اليهودية من المصلي أن يكون جسمه وملبسه طاهرا لذلك هناك إجراءات لغسل اليدين والوجه مع ترديد أدعية معينة، وقد تم الإعفاء حاليا من غسل الأرجل باعتبار الأحذية في هذا العصر أصبحت تقي القدمين من التلوث، ومن الممكن اللجوء للتيمم في حالة عدم توفر الماء بما يذكر بما هو موجود في الإسلام.
اقرأ للكاتب أيضا : كيف اتحد رجال الدين ضد الزواج المدني
أما الدعوة للصلاة قديما فكانت عبر النداء بما يشبه الآذان. ويستخدم صوت البوق وهو عبارة عن قرن كبش في الأحياء اليهودية المتدينة للتنبيه ليوم السبت ولصلاة الصبح في بعض المناسبات. تؤدى الصلاة اليهودية بشكل منفرد أو جماعة، ونصاب الجماعة يتحقق بوجود عشرة أشخاص على الأقل. يقود الصلاة كبيرهم على طريقة الإمام حيث يتلو النصوص الدينية ويردد المصلون خلفه، وترتل النصوص التوراتية بما يشبه التجويد في الإسلام.


أصبح من الممكن في هذه الأيام تأدية الصلاة بوضعية الجلوس ولم يعد من المطلوب خلع الأحذية كما كان الحال سابقا، وأصبح مسموحا جلوس الرجال مع النساء معا باستثناء الأرثوذكس الذين ما زالوا يفصلونهم عن بعض ويشترطون أن تغطي النساء شعرهن أثناء الصلاة، وكذلك من الممنوع أن توضع في المعابد اليهودية تماثيل أو صور إذ تنص الوصايا على “أن لا تضع لك صورا منحوته”.
وفي المسيحية كذلك الصلاة نوعان، الفردية والجماعية؛ الأولى تحررت من كثير من الطقوس والشروط وباستطاعة المؤمن أن يؤديها في أي مكان وبأي طريقة، ولا تتطلب تحضيرات قبلها وليس لها وضعيات معينة للقيام بها ولا تشترط ترديد مقاطع محددة من الأدعية أو الكتاب المقدس كل مرة، اعتمادا على القناعة بأن الله ينظر لفكر الإنسان وقلبه وليس ظاهره، وأن الله يقبل صلاته إن كانت صادرة من القلب. كما نظرت المسيحية للصلاة كعلاقة خاصة بين المؤمن والله: “ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس، الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية، وحين تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم فإنهم يظنون أنهم بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه” إنجيل متى.
ويمكن تأدية هذه الصلاة في كل وقت من النهار والليل أو قبل تناول الطعام. ومع أن الكتاب المقدس لا يحدد أوقاتا معينة للصلاة، ولكن في الماضي كان المؤمنون يصلون صباحا يعقبها ثلاث صلوات في الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة التالية لصلاة الصباح، ثم صلاة عند الغروب وصلاة النوم عند بداية الليل وصلاة منتصف الليل. ومن الممكن أن تتضمن في طقوسها الركوع والسجود حسب رغبة من يؤديها.
أما اليوم فهذه الصلوات مفروضة فقط على رجال الدين المتفرغين للعبادة، واختيارية بالنسبة لبقية المسيحيين لأن أمور الحياة والعمل قد لا تسمح بالقيام بها. وهناك الصلاة الجهورية الجماعية التي تقام في بيوت العبادة مثل أيام الآحاد والأعياد الدينية، والتي تحدد الكنيسة وقتها حسب ما ترتئي. ويجلس المصلون الرجال والنساء خلالها على المقاعد ولا تتطلب هذه الصلوات ثيابا محددة أو إجراءات وشروطا معينة لتأديتها.
ذكرت الصلاة في القرآن قرابة المئة مرة للتأكيد على أهميتها كصلة بين المسلم والله؛ وهي تشير إلى مجموعة من المعاني حسب موضعها في الآية، أولها هو التوجه إلى الله بالدعاء، وتأتي في مواضع أخرى بمعنى تلاوة القرآن: “ولا تجهر بصلاتك” الإسراء 110. كما ذكرت في بعض الآيات بمعنى الثناء: “إن الله وملائكته يصلون على النبي” الأحزاب 56؛ وهناك المعنى المحدد لشعيرة إقامة الصلاة: “وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين”، هود 114، “أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا”، الإسراء 78.
وفي سورة النور آية 58 ذكرت صلاة الفجر وصلاة العشاء بالاسم ولم تذكر أي صلاة أخرى، باعتبار النهار هو وقت العمل: “وجعلنا النهار معاشا” النبأ 11. وهناك صلاة قيام الليل المذكورة في القرآن والمقصود فيها الرسول تحديدا: “إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من اللذين معك” المزمّل، ثم خففها الله عن الرسول ودعاه لقراءة ما تيسر من القرآن بديلا عنها: ” علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من الْقرآن” المزمّل.
أما صلاة الجمعة فهي الصلاة الوحيدة المذكورة في القرآن والتي تقام خلال ساعات النهار: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (11)”، سورة الجمعة. وتوضح هذه الآية أن ترك العمل لتأدية الصلاة يتم استثنائيا في يوم الجمعة ولا يوجد أي إشارة لمثل ذلك في بقية أيام الأسبوع، وتدل الآية على صعوبة حصوله حتى في هذا اليوم نتيجة رغبة الناس بالتجارة واللهو.
خلال العقود الأخيرة سارت اليهودية والمسيحية باتجاه تعديل مظهر الشعائر الدينية بما يتماشى مع العصر
وهناك آيات في القرآن توضح أن الصلاة تتضمن الركوع والسجود، وأنها تشترط الوضوء: “إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين”، ويقول المقريزي في إمتاع الأسماع كان المسلمون يصلون مرتين في مكة قبل طلوع الشمس وبعد غروبها. وتقول سيرة ابن هشام عن مقاتل بن سليمان: “فرض الله تعالى في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة والعشي”.
اليوم يصلي المسلمون خمس صلوات هي صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، تتضمن 17 ركعة، تعتبر فرضا على كل مسلم، يضاف إليها 12 ركعة أخرى قبل وبعد هذه الصلوات تسمى السنن المؤكدة، وفوقها هناك 8 ركع أخريات تعتبر سننا غير مؤكدة، كذلك هناك صلوات أخرى مثل قيام الليل أو التراويح في رمضان وغيرها.
اقرأ للكاتب أيضا:الهوس بالجنس في بعض كتب التراث الإسلامي
وهناك ترتيب دقيق ومحدد لما يقوله المصلي عند كل مرحلة من الصلاة مثل الفاتحة والتحيات والصلوات الإبراهيمية وكلام معين يقال عند الركوع والسجود والتسليم. وطوال العقود الماضية جرى اعتبار هذا الترتيب الحرفي هو شكل الصلاة الوحيد الذي يتقبله الله، باعتباره حسب ما يقولون قد انتقل من الرسول للصحابة للتابعين جيلا بعد جيل حتى اليوم، رغم أن القرآن لا يوجد فيه ما يدل على ذلك.
فالقرآن الذي يذكر فيه الوضوء بالتسلسل والتفصيل لا يوجد فيه إشارة إلا لصلاة في طرفي النهار وزلفى من الليل، ومن دون أي شرح لكيفية أدائها وعدد ركعات كل منها، وإذا أخذنا في الاعتبار منع الصحابة الأوائل من تدوين الحديث عن الرسول حتى لا تختلط بالقرآن، ندرك أن هذه الأمور قد دخلت الإسلام في مرحلة لاحقة على يد رجال الدين في العصور الوسطى.
خلال العقود الأخيرة سارت اليهودية والمسيحية باتجاه تعديل مظهر الشعائر الدينية بما يتماشى مع العصر من تخفيف عدد الصلوات والتساهل في شروطها ومحدداتها ولم يعد الركوع أو السجود شرطا لصحتها وتم التخلي عن التشدد في الملابس وأصبح بالإمكان الصلاة جلوسا على المقاعد.
وفي نفس الفترة زاد عدد الصلوات الإسلامية وأصبحت أكثر طولا وازداد التدقيق على الجزئيات الثانوية فيها، وأصبحت الصلاة في حالات كثيرة تكرارا آليا لكلمات وحركات لا يتم التمعن في معانيها والغاية منها، وانعكس هذا التشدد على مظهر وملابس الرجال والنساء باتجاه ما يعتقدون أنه مماثلا للعصور السالفة، من إرخاء الذقن وحف الشارب إلى الجلابية والعباءة. وتحولت الصلاة إلى فعل استعراضي أمام المجتمع، مثل محاولة ترك آثار للسجود على الجبين. وكل ذلك لم يكن موجودا قبل بضعة عقود فقط. زاد التركيز على المظاهر والقشور على حساب الجوهر ومقاصد الشريعة، ولكن محاولات إيقاف عجلة الزمن لن يكتب لها النجاح، ولذلك بدأت مؤخرا بعض المحاولات خصوصا عند المسلمين في الغرب لمناقشة بعض هذه المسلمات مثل السماح بالصلاة المختلطة بين الرجال والنساء أو حول إمامة المرأة في الصلاة، وغيرها من المواضيع التي كان التعرض لها صعبا قبل سنوات قليلة.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.