نزيف الثلج …والمنفى

ينزف الثلج في بلادنا برداً وفقراً ودماً . وهنا في منفانا الجميل ننزف حزناً وحسرة ،
على ما آلت اليه حالة أوطاننا . وكيف إبتلع العنف الراهن ،المستقبل . وحول البشر الى وقود لألهة مغيبة في حرب مأزومة مشبعة ، برائحة النفط والمصالح .
كيف لا تحزن .؟ والصورة القاتلة للشرق تطرق ذاكرتك عبر مختلف وسائل الميديا .فوجئنا بحجم العنف والقتل العشوائي . صدمتنا وعرتنا الصورة . فالأنظمة بلغت سن اليأس السياسي ، بيد أن القوى المعارضة لم تبلغ سن النضج السياسي . توهم البعض أنهم قبضوا على التاريخ والمستقبل معاً . من خلال بعث الماضي الذي لم يكن أكثر من كلام . فتحول التراث الى خطاب أثري إبتلعته رؤى مغايرة للعصر ، توهمت أنها هي المستقبل . في الوقت الذي قتلت فيه الفرح والانسان معاً. قوى جيشت العواطف وصحرتها ، وحالت دون إستثمار موسم الربيع ، بل وأدته . على من تراهن ..؟!
****** ****** ******
للمرة الاولى تنهال كافة اللعنات على ويتحول رمز السلام والمحبة الى ناقل للبرد والجوع والموت في شرقنا المنكوب بأنظمته ومعارضيه .
وشئ مأساوي حقاً ، ان يتحول رمز الفرح الى رمزاً للموت والبرد والجوع معاً. وتجري عملية تشويه لصورتة المحببة للأطفال . ماذا بقي لأطفالنا ..؟
ففي هذا الشرق تتحول كافة الطقوس الى أصدق شاهد غائب عن الحالة المآساوية لشعوبنا في هذا الزمن الماضوي الذي يغلب عليه . وتتحول حوارات المنفيين واللاجئين الى مراسيم عزاء للفرح . وإجترار ذكريات الماضي ، والسؤال عمن تبقى حياً . ولم يبتلعة بحر ما أو مكان تيهه الجديد. وليس الحلم بديمقراطية قادمة على حد السيف .
ترى عندما تغيب ثقافة الفرح ..ماذا سيتبقى للإنسان . ؟
هل قادم الأيام يمكن لها أن تنهض خالصة من أذيال الماضي . وهل الذاكرة يمكن لها أن تحلق خارج تراكمات الصورة الراهنة ..؟ ثم ذاكرة الأطفال ..؟! معارك وقذائف وقتلى بالجملة …. وفيضانات. ومراكب غرقى ، وهواجس وأحلام وآمال وخيبات .
ونحاول التغلب على آلام الغربة واللجوء القسري بالكلام . ودائماً الغربة ومشاعر الحنين تفتح الشهية على الكلام . لكن أي كلام ..؟ كلام لا يوفر أحداً من رب الثلج الى رب الموت.
عاش جيلنا رعب أكثر من حرب واحدة . ورعب القهر والفقر والإستبداد . تعرفنا على معنى ان تكون لاجئاً بلا وطن . ولم تغادرنا صورة مخيمات اللجوء والوعود بالعودة . حتى < كرت > الإعاشة أحطناه بإطار وعلقناه على الجدار كشاهد على نكبة ساهمت بها ذات القوى التي تساهم الأن بقتل الفرح . بيد أنه لا عودة حصلت وضاع ما تبقى مما تبقى لك . ولم يبقى سوى الذاكرة تحتفظ ببعض الصور المهشمة بسبب الرحيل والتهجير الدائم . صورة كيس الطحين ، ووابور الكاز وبطانية التضامن الأمريكي مع الشعب الفلسطيني. صورة تطرد صورة لكي تحل محلها وليس لكي تنهيها من الوجود . . وتمسكنا بايديولوجية تستحضر أرواح الماضي كما في جلسات تحضير الأرواح في فيلم سينمائي قديم ؟، بيد أن تحقيق تلك الأيديولوجية عبرت عن حالة فصامية ومنفصلة عن الواقع . ولا زال الجيل الحاضر يعيش ذات الحالة إضافة الى رعب ممثلي وعاظ السلاطين . الذين إحتكروا لأنفسهم مبدأ الحقيقة والصواب على أساس الإقتناع الذاتي .ومارسوا جميعاً أنظمة واحزاباً وديانات عجائبية خارج التاريخ وصاية على عقل الفرد . الحاكم ورجل الدين وقائد الحزب أو الجماعة جميعهم بائعي كلام .
ترى ماذا لو إستنطق الأطفال وعامة الناس ما رأيهم بكلمة < ثورة > …؟ لاسيما في تلك البلدان التي تعتاش على ما ينتجه الأخرين أو في بلدان التغيير من السئ الى الأسوء ..؟!
يخيل لي أن النتيجة ، والجواب أصبح معروفاً . فهي النتيجة التي أرادها الفاعلون الأقليميون في المنطقة ، وأدت الى تحول في أدوار الفاعلين الصغار..؟ الباحثين عن وهم الجنة التعويضية كبديلاً عن بؤس واقعهم . لكي تبقى المنطقة أسيرة مفهوم الراعي القطيعي . لأن سياسة القطيع لا تحتاج إلا الى راع وحمار وكلب .
لذا عندما يتوقف القتال بين ممثلي الفاعلين الإقليميين ، سينتهي هذا الإله الذي يمارس فيه القتل تحت رايته . وما هو مستقر في الأذهان من ثوابت. وتوأد سياسة القطيع ، منذ الزمن الذي تحول فيه الراهن الى مغارة للماضي .فيما تعيش الشعوب الاخرى زمن الصورة والمعلوماتية. وزمن إعادة النظر في معنى الموت ذاته.
ما نخشاه حقاً هو تآكل هذه المجتمعات بسبب ما يمكن اعتباره صداماً ثقافياً بين الماضي والمستقبل .وتحوله الى سلسلة من الصراعات تدفع مجتمعاتنا نحو مزيد من الانفجار الكارثي وتفتت الجغرافية وتنهي حالة التنوع الأثني .
****** ****** ******

مسكين الثلج .. هنا احتفلنا به . أنتظره الأطفال ككل عام . إحتفلنا به في جاليتنا الفلسطينية في اليونان . والجاليات العربية الأخرى . فرح الأطفال . بيد أن قلوبنا كانت مع أطفال بلادنا اللاجئين في مخيمات الذل في الاردن ولبنان وتركيا والعراق . وفي سجون البلدان < العربية > الأخرى ومع الأطفال المهجرين داخل بلادهم . وتمنينا أن تكون أخر الحروب والمآسي . حتى اصبح شعار حق العودة الفلسطيني مطلباً وشعاراً عربياً. حق عودة كافة اللاجئين والمهجرين والمنفيين الى بلادهم .
< بابا نويل > أو أيوس فاسيلي ، لم يهبط من مدخنة المنزل حاملاً هداياه للصغار . بل إن الصغار في العديد من المدن اليونانية قدموا هداياهم ، لتوزيعها على الأطفال المنكوبين بأنظمتهم ، وأحزابهم التي أخفقت في معركة الحفاظ على الهوية والوطن والإنسان معاً. وخلفت حالة مريعة من القهر النفسي . والإحساس بالعجز واللاجدوى. وصورة سوداوية لمفهوم التغيير.

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.