ماء..ماء..ماء

إذا شبع المرء.. لم يجد للخبز طعماً •

(مثل اسكتلندي)

ما بين الماء والكرفان علاقة حميمة في العوراق العظيم.

الماء الصافي حلم من احلام الف ليلة وليلة والكرفان لتطور التعليم عند الجيل الجديد.

لم يكن لهذه العلاقة ان تستمر لولا تدخل اصحاب الخير وذوي السكسوكة المحلاة،وقيل المنتقاة، قبل حوالي عشرة سنوات.

قبل هذا يمكن ان نسأل ببراءة منقطعة النظير:كيف يعيش الفرد العراقي المغلوب على امره براتب لايتجاوز 300ألف دينر شهريا (اقل من 30 دولار)؟.

يمكن للمرء الحصيف(شنو يعني الحصيف؟) ان يتخيل ان هذا العراقي يستعد في نهاية كل شهر ل”للعركة” مع امرأته التي تندب حظها بالزواج منه وتبكي لمدة 12 ساعة وهي المدة التي ينتهي بها صرف الراتب بعد استلامه من المحاسب.

هناك العشرات من الموظفين والعاملين باجر يومي في مديرية ماء ذي قارومثلهم في البصرة وبغداد ومحافظات اخرى.

نظام عمال “المياومة” او الأجر اليومي الغي منذ زمان في معظم بلاد الكفار وبعض بلاد المسلمين ولم تبق الا ذيوله في العوراق ودول الخليج.

وهاهم عمال ذي قار يبدأون بالتظاهر امام ديوان المحافظة مطالبين بتثبيتهم وزيادة رواتبهم واحتساب خدمة الساعات الاضافية درجات خطورة أثناء عملهم ، وتثبيت المتعاقدين على الملاك الدائم .

الطريف،رغم عدم وجود طرفة في الموضوع، انهم رفعوا نعشاً مخطوط عليه ” سلم الرواتب في البرلمان العراقي , مطالبين بسرعة اقرار هذا القانون”.

أحد الصحفيين الخبثاء ترك امر التظاهرة وسعى الى البحث عن صاحب فكرة “النعش”. وكما يقال ان “الذي يسأل مايتيه” فان صحفيينا عثر على صاحب الفكرة ورآه شابا لايتجاوز الخامسة والعشرين وعلم انه تخرج في كلية الادارة والاقتصاد – فرع المحاسبة – ووجد نفسه بعد التخرج يشتغل باجر يومي مقطوع في مديرية ماء ذي قار.

وحين عرف الشاب مقصد هذا الصحفي دنا منه وهمس في اذنه:

-ساقول لك سرا ارجو ان يكون بيني وبينك، اردت ان اعلق صورة باكبر حجم بدل هذا النعش، صورة للورود التي نراها اثناء اجتماع مجلس الوزراء مع قناني العصير والمياه المعدنية وفراش خاص يرش العطر الباريسي على الحاضرين بين الحين والآخر ووجدت ان تكلفة الزهور وحدها تعادل رواتب جميع العمال في هذه الدائرة لمدة سنة كاملة هذا اذا افترضنا ان المجلس يجتمع كل اسبوع مرة.اما المياه المعدنية وقناني العصير فهي بالتأكيد مستوردة لاعضاء مجلس الوزراء الموقرين فقط.

ولكن احبابي في العمل نصحوني بعدم تعليق مثل هذه الصورة مخافة ان يقطعوا ارزاقنا بجرة قلم.

نقطة نظام: الذي يريد ان يعرف ميزانية مجلس الوزراء وكم يكلف الدولة سيصاب بالصداع النصفي المزمن مع مغص كلوي حاد يستمر معه سنوات طوال(الارقام موجودة على الفيسبووصادرة من الرقابة المالية).

هذه الميزانية ايها السيدات والسادة تعادل رواتب موظفي جميع عمال الأجر اليومي لمدة 5سنوات ان لم تكن اكثر قليلا.

اختفى فجأة هذا الشاب فيما سمع الصحفي احدهم يشكو همه الى مراسل احدى الصحف”كيف يمكن لمواطن لا يملك سكن خاص ويسكن بالإيجار مسؤولا عن عائلة ان يعيش براتب يقدر 300 إلف دينار وبساعات عمل تمتد احيانا الى 14 ساعة دون ان تحتسب أي ساعات عمل أضافية”.

السؤال الملح اين مصير قانون سلم الرواتب الجديد وماذا يفعل اعضاء البرطمان الذين انتخبهم اولاد الملحة؟.

اما الكرفان التعليمي فهو تطور جديد لايعرفه حتى اليابانيون والذي يزور مدينة البصرة هذه الايام سيرى الكرفانات وقد حلت محل المدارس المعروفة عند البشر.

ومادام التعليم يجري في الكرفان فان الوسائل التعليمية المرافقة ستكون كرفانية هي الاخرى فالالواح الخشبية”السبورة” بدخانها الطباشيري مازالت سيدة الموقف اما اجهزة الحاسوب”الكمبيوتر” والمختبرات فهي نكتة واحد مجنون عاش طويلا في مستشفى “الشماعية”.

هل يوجد ماء صالح للشرب في هذه الكرفانات؟لا طبعا.

هل توجد حمامات نظيفة وصحية؟ لا طبعا.

هل توجد ساحات رياضية؟اوه انك بطران.

هل توجد مكتبة؟ ولك انت صحيح بطران.

هل توجد ممرضة تعني بصحة الطلاب وتفحصهم دوريا؟عجيب، اكيد انت مخبل.

هل ابدت نقابة المعلمين استياءها من هذا الوضع؟ نعم، نعم، هلهولة لهذه النقابة خصوصا حين يقول المتحدث باسمها”هذا الامر لا يمكن السكوت عليه وعلى وزارة التربية وتربية المحافظة الالتفات إليه بعين الجدية”.

يعني شلون عين الجدية؟دخيل النقابة انا.

ولا يتدثر نقيب المعلمين في البصرة جواد المريوش بالسكوت بل يقول متباكيا”من المعيب ان نتحدث في اغنى محافظة في العراق عن وقوف البعض امام السبورات ويمسك بقطع الطبشور امام التلاميذ ليدون الواجبات المدرسية “.

عيني جواد شنو شغلكم ؟بس استلام رسوم الاعضاء والشكوى من غرور مدير تربية المحافظة وبيروقراطيته الطاووسية…؟

ولم يسكت مدير تربية البصرة مكي محسن مهوس بل رد بالقول ان “التربية لها عمل دؤوب وحركة متواصلة في موضوع التخصيصات المدرسية وقد قامت بشراء مستلزمات كثيرة من خلال التخصيصات المالية بعد زيارة وزير التربية الاخيرة الى البصرة”.

يعني لولا زيارة السيد الوزير كان بقيتو بدون تخصيصات مالية؟!

سبحان الله.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.