كيف حل “حافظ الأسد” أزمته مع “رفعت” على حساب الاقتصاد السوري؟

assfamilyسامر كعكرلي: أورينت نت

في نُظم الاستبداد لا يمكن لأي تشريع أو قانون أن يصدُر إلا إذا كان يصب في مصلحة المُستبد، وفي مصلحة استمرار استبداده، وهكذا هي قوانين وتشريعات سوريا في ظل حكم حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار الأسد، وفي ضوء هذه الحقيقة يجب أن يتساءل المتابع ما هي مصلحة النظام عندما أصدر المرسوم التشريعي رقم /10/ لعام 1986، والذي سمح بموجبه للدولة بمشاركة القطاع الخاص لإقامة مشاريع زراعية مشتركة مع العلم بأن شركات القطاع المشترك لم تكن من ابتداع البعث فقد أجازت المادة الخامسة من القانون رقم /99/ الصادر عام 1960 مساهمة الدولة في شركات التنمية الإقتصادية، إلا أن فترة التأميم البعثي ما بين عامي 1964 و1967 أصدرت حكومات البعث قرارات تأميم بحق حوالي 90 % من تلك الشركات.

صراع حافظ الأسد ورفعت!
بدايةً لنلقي الضوء على الواقع الإقتصادي في الفترة التي رافقت إصدار المرسوم وهي فترة الثمانينات من القرن الماضي، فقد كانت سوريا في هذه الفترة تمر بأسوء كارثة اقتصادية مرت عليها، وذلك لعدة أسباب، منها سوء إدارة الدولة، والرشوة والفساد التي انتشرا في مفاصلها، وسوء التخطيط، وعدم الاستثمار الأمثل لموارد الدولة أو استثمارها بطريقة اللصوصية لصالح الأسرة الحاكمة، ويضاف لذلك الحصار الإقتصادي المطبق على سوريا في تلك الفترة، ولكن وفي رأي إن السبب الحقيقي لتلك الأزمة الإقتصادية والذي يتغاضى عنه كثير من الدارسين الإقتصاديين السوريين هو نزاع الأخوين حافظ ورفعت الأسد اللذان اختلفا على تقاسم التركة بعيد مرض حافظ الأسد، وقد جاء حل هذه الأزمة على حساب الإقتصاد السوري المنهك بسبب سياسة الإفقار التي مارسها حافظ الأسد على السوريين، فقد تجلى حل أزمة الأخوين بسرقة ذهب سوريا واحتياطيها من العملة الصعبة من قبل رفعت الأسد ثمناً لموافقته على الخروج من سوريا وتركها لأخيه!

وقد نشرت (اليونايتيد برس) الأمريكية، تقريراً مفاده بأن الاقتصاد السوري في حالة حرجة وخطرة تهدد الاستقرار السياسي فيها، هذا على المستوى الإقتصادي العام، أما على المستوى الزراعي فقد كانت هذه الفترة حرجة جداً بالنسبة لنظام الحكم، وذلك بسبب الإنخفاض الرهيب بمخزون سوريا من القمح,الذي يعتبر لقمة الشعب والذي في حال فقدانه سيهب في وجه الطغيان، وقد وصل الأمر إلى أن مخزون سوريا من القمح والطحين لا يكفي سوى لعدة أيام ، الأمر الذي استدعى تدخلاً حكومياً طارئاً تجلى بنقطتين الأولى موافقة اللجنة الإقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء على اقتراح وزير الإقتصاد حينها والمتضمن خلط القمح بالشعير بنسبة 20%، والثانية بتحويل أحد السفن المحملة بالقمح والمتوجهة لأحد البلدان المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط إلى الموانئ السورية وذلك بواسطة أحد السماسرة السوريين. وفي هذا الصدد لا أعتقد أن وزير الإقتصاد السوري كان ليتجرأ على هذا الإقتراح دون ضوء أخضر من حافظ الأسد شخصياً، حيث لا يتم تداول القمح في سوريا إلا عبر مكتب خاص في القصر الجمهوري وتابع لحافظ الأسد بشكل مباشر.

الركوب على أكتاف القطاع الخاص!
وفي ظل هذه الظروف رأى النظام بأنه على الدولة مشاركة القطاع الخاص السوري في عملية التنمية الزراعية فتم إصدار المرسوم التشريعي رقم /10/ لعام 1986مع العلم بأن القطاع الخاص الزراعي كان يستحوذ على أكثر من 97% من الناتج المحلي الزراعي حيث بلغ الناتج المحلي الناتج عن قطاع الزراعة الخاص في عام 1985 /109323/ مليون ليرة سورية، بينما بلغ الناتج المحلي الناتج عن قطاع الزراعة العام لنفس العام /3186/ مليون ليرة سورية. ومن المبررات التي سيقت في مرسوم الإحداث أن الدولة في هذا المرسوم تهدف الى:

– تجسيد وتطبيق مبدأ التعددية الإقتصادية وزج طاقات القطاع الخاص في عملية التنمية.
– زيادة مساحة الأراضي الزراعية عن طريق استصلاح الأراضي القابلة للزراعة.
– زيادة المساحة المروية، وذلك بإنشاء مشاريع الري الحديث المتطور.
– إقامة المشاريع الزراعية وذلك بإدخال تقانات وطرق الزراعة الحديثة.
– إيجاد فرص عمل جديدة.

هذه المبررات هي المبررات المعلنة لذر الرماد في العيون، ولكن في حقيقة الأمر، أراد حافظ الأسد أن يشارك القطاع الخاص الموالي له في تثبيت حكمه، بعد زلزال فقدان الطحين، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى امتصاص المدخرات المالية للأسر السورية التي تضع الليرة فوق الليرة لتؤمن مستقبلها ومستقبل أولادها في بلد تم إغلاقه عن عمد في وجه الإستثمارات والبنوك ، مما أجبر الناس على توفير أموالهم ومدخراتهم في منازلهم أو عن طريق تكديس المصاغ الذهبي.ولتحقيق هذه المآرب أوعز حافظ الأسد لبعض رجال الأعمال الموالين لحكمه من أمثال صائب نحاس أن يبدؤوا بتأسيس شركات زراعية مشتركة ، تكون فيها حصة الدولة ممثلة بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لا تقل عن 25 % من رأسمال تلك الشركات، كما أوعز لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بأن تشارك تلك الشركات مشاركة عينية من خلال أراضي أملاك الدولة التي تديرها هذه الوزارة مع احتساب سعر هذه المساهمة بشكل رمزي لتسهيل اقامة هذه الشركات. هذا بالإضافة لما احتواه المرسوم التشريعي للشركات التي قد تُحدث بموجبه من إغراءات مثل الاستثناء من أحكام وقف وحصر الاستيراد، ومن أحكام أنظمة القطع والاستيراد المباشر من بلد المنشأ، وإعفاءات جميع مستورداتها من كافة الضرائب والرسوم المالية والبلدية والجمركية، وإعفاء أسهم الشركة وأموالها وأرباحها من كافة الضرائب والرسوم مهما كان نوعها وطبيعتها خلال السبع سنوات الأولى.

وبدون مراعاة أبسط الأسس العلمية لإنشاء الشركات من حيث تقديم دراسات الجدوى الفنية والإقتصادية والدراسات الهيدرولوجية والتسويقية صدرت قرارات رئيس مجلس الوزراء بتأسيس سبعة شركات هي نماء – غدق – البركة – الشام – القلمون – السنابل – الربيع. تعثرت شركتان هما الربيع والسنابل فحُلت الأولى ودُمجت الثانية مع شركة بركة.

وجاء طرح أسهم تلك الشركات ببصيص أمل لكثير من الأسر البسيطة التي تبحث عن استثمار لأموالها المخزنة على شكل مصاغ ذهبي لحمايتها من غدر الزمان، ولاعتقاد تلك الأسر بأن الشركات الشريكة مع الدولة لا يمكن أن تخسر وهي فرصة ملائمة لاستثمار الأموال بها لأنها تحت رعاية الدولة الشريك الأساسي بها، ،وبدأت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بتخصيص تلك الشركات بأراضي أملاك الدولة، لقاء مساهمتها بنسبة 25% كما نص مرسوم الإحداث ،وبلغت المساحة المخصصة لتلك الشركات /71909.4/ دونم أي ما نسبته /0.11%/ من مجمل أراضي سوريا القابلة للزراعة، وتم حساب سعر المتر المربع الواحد لتلك الشركات حوالي / 285/ قرشاً سورياً.

القطاع الخاص يحاول… ولكن!
وحاولت الشركات جاهدة العمل ضمن ظروف اقتصاد منهار ولكن يؤخذ على تلك الشركات أنها لم تحاول العمل وفق تقنيات العصر الحديث ولا أقصد هنا مكننة العمل الزراعي، أو استخدام الري الحديث لأن هذه الأساليب يمكن لأي مزارع سوري أن يستخدمها ، بل أقصد بتقنية العصر الحديث إدخال أنماط جديدة من الزراعات حيث كان من المفروض على هذه الشركات– لا سيما شركة نماء التي أسستها نقابة المهندسين الزراعيين ومساهميها من المهندسين الزراعيين التي أجبرتهم النقابة على شراء أسهم عند الانتساب لها – أن تدخل مجالات زراعية جديدة لا يتمكن الفلاح البسيط من تجربتها أو الدخول بها، فلم نرى على سبيل المثال تلك الشركات تقوم بتجريب ادخال أصناف جديدة أو تبني أفكار جديدة ذات قيمة اقتصادية فجُل عمل تلك الشركات كان مشابهاً لما كان يقوم به المزارع السوري منذ سبعة ألاف سنة حيث اكتفت تلك الشركات ببذر بذار القمح و انتظار ما تجود به السماء لتحصد محصولها، وحتى نكون منصفين كان هناك بعض المحاولات لتطوير عمل تلك الشركات حيث قامت شركة الشام بإقامة بيت زجاجي بتكلفة وصلت لحوالي مليون دولار أمريكي خصص لزراعة الأنسجة، وحاولت شركة بركة إقامة مشروع لإنتاج بذور الخضراوات الهجينة، ولم تنجح بذلك كما دخلت شركة غدق في مجال الصناعات الغذائية عندما أقامت مجمع للصناعات الغذائية الذي وللأمانة كان إنتاجه من النوعية الجيدة إلا أنه ومع ذلك تسببت خساراته التي بلغت عام 2008 /368/ مليون ليرة في تراجع عمل الشركة.

إلا أن تلك التجارب التي قامت الشركات بها والتي كان من الممكن في حال نجاحها أن تضعها في قائمة الشركات الناجحة لم تلق الرعاية الكافية من حكومات البعث المتتالية وذلك بسبب أن مبررات إحداثها من أزمة في القمح و انهيار اقتصادي وشيك قد زالت، ولذلك لم تعد هذه الشركات تشكل أهمية للنظام فأدارت حكوماته ظهرها وتركتها تصارع وحدها لأجل بقائها، ومن مبدأ عدم مبالاة هذا النظام بمصير مواطنيه البسطاء الذي باعوا مدخراتهم ليساهموا في تلك الشركات، بدأت حكوماته تضع إما -عن قصد أو سوء إدارة- العقبات أمام تلك الشركات، فعلى سبيل المثال وخلافاً لمرسوم الإحداث لم يسمح لتلك الشركات بتصدير إنتاجها من الخراف المنتجة حصراً في مشاريعها وإنما أجبرت على بيع إنتاجها محلياً بأسعار تقل كثيراً عن الأسعار الخارجية، مما فوت عليها تأمين القطع الأجنبي لتأمين مستلزمات الإنتاج.

كما تم تعطيل تزويد تلك الشركات بالطاقة الكهربائية وجرى تقنين حفر الآبار لها، ولم تشق الطرق الزراعية اللازمة للوصول إلى أراضي الشركات، وبذلك بدأت تلك الشركات بالتراجع والخسارة ولم يعد بإمكانها توزيع أرباح على المساهمين اللذين وضعوا ثقتهم بها، وبالرغم من الطلبات المتكررة لتلك الشركات لمساعدتها للتغلب على واقعها إلا أن تلك الطلبات اصطدمت بروتين حكومي قاتل فتم تشكيل اللجان التي انبثق عنها لجان أخرى وانبثق عن تلك اللجان لجان أخرى وهكذا دون تقديم الحلول العملية لها، فأصبحت تلك الشركات فريسة لإعلام مسيس من قبل مؤسسات نظام تشبيح مثل الإتحاد العام للفلاحين واتحاد الغرف الزراعية لتنال ما تناله من تهجم واتهامات بالتقاعس.
هذا ما يمكن تسميته انتهازية المستبدين ولو أدت تلك الانتهازية لضرر في مصلحة المواطنين أو في اقتصاد الوطن الذين من المفروض عليهم وبحسب الدستور الذي هم وضعوه أن يكون حامي مصالحهم.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.