قراءة في المشهد السياسي العربي.

Bassam Yousef
بالزمان في قرانا المنفية لما ما كان في سيارات، ولا هواتف، كانوا الناس ينتقلوا مشيا على الأقدام أو على الدواب، وأكتر المضطرين للتنقل بشكل دائم كانت فئة المشايخ، فهؤلاء يعتمدون على الزكاة كمصدر لرزقهم، ويبدو – لسبب لا أعرفه – أن بعض القرى لم يكن لديهم مشايخ فكانت -عند أي طقس ديني – تضطر إلى دعوة مشايخ من قرى أخرى.
كان الفقر شديداً، وكانت الزكاة على شحّها تجعل من مستوى حياة عائلات المشايخ أفضل من مستوى حياة بقية العائلات الأخرى.
ولأن لا كرامة لنبي في قومه، أو لأن زمّار الحي لايطرب، فقد كان اعتماد المشايخ الرئيسي يتركز على الدعوات الخارجية، ومن أجل هذه الدعوات نشأت تحالفات وخصومات عميقة بين المشايخ وصلت في بعض الأحيان الى القطيعة الأبدية وحتى إلى التكفير.
اثنان من المشايخ كانا قد اتفقا على التحالف والعمل كجبهة واحدة، فما إن تأتي دعوة لأحدهما من قرية ما حتى يسأل الشخص صاحب الدعوة:
– الشيخ فلان معزوم ؟؟
فإن أجابه بالنفي كان يبادر فورا الى تزكيته والاطراء عليه ومدحه ثم يعقب ذلك بتمنياته على الداعي أن يبادر فورا إلى دعوته، وهكذا كانا يترافقان في معظم دعواتهما الخارجية .
في أحد الدعوات البعيدة والتي قد يستغرق المشي اليها ثلاث ساعات استيقظ الشيخان باكرا جدا، كانت العتمة لاتزال شديدة لكنهما قدرا أنهما سيصلان إلى هدفهما بعد شروق الشمس بقليل فالمشي بعد شروقها سيكون صعبا ومرهقا.
كان الفجر قد حلَّ وبدأ اللون الأحمر يلون قمة الجبل الشرقي عندما قررا أن يستريحا بجانب ساقية في الوادي قبل أن يواصلا طريقهما صعودا باتجاه القرية التي ترابض على قمة الجبل، غسلا وجهيهما وشربا ماء باردا وجلسا، أخرج كل منهما كيس تبغه وراح يدرج لفافته، فجأة ظهر أمامهما ثعلب صغير وعندما رآهما قفز فوق الساقية برشاقة هاربا الى الضفة الأخرى.
– شفت هالجقل … العمى بعيونو كيف نطّها للساقية؟؟!!. سأل أحدهما الآخر.
– اي بالله شفتو .. عزا يقرعو والله فرس مابتقدر تنطها لهاالنطة. رد الشيخ الآخر.
– شيخي الفرس بتقدر وحبة مسك … ولاتنسى انو بنهاية الساقية اجا دنبو بالمي. فنجر الشيخ الأول عينيه قائلا.
– هلق هنت شفت انو دنبو غط بالمي ؟؟!!.
– اي بالله شفتو .
– لا بالله – انت الصادق – ماشفتو لانو النطة تبعو اجت بعد طرف الساقية بمتر .. ودنبو بظن اقصر من نص متر!.
شفتو .. ماشفتو ..انت أعمى مابتشوف ..انت الأعمى … الله يلعن اللي بيمشي معك .. علقوا الجماعة ببعضهن.
نهض أحدهما وأكمل طريقه غاضبا، فتبعه الآخر دون أن يكلما بعض.
كان أمامهما طريقا لايزال طويلا، ومن غير المعقول أن يصلا إلى القرية متخاصمين توقف الشيخ الذي في المقدمة في منتصف المسافة وعندما لحق به الشيخ الآخر قال له:
– الله يلعن الشيطان ..هلق منشان دنب جقل بدنا نختلف ..؟؟ شو بدهن يقولوا عنا جماعة العزيمة ..بالله عيب علينا.
– اي بالله عيب .. معقول جوز مشايخ اضرب واطرح متقاتلين منشان دنب جقل مبلول بالمي..؟؟!!.
– لاتقول مبلول … العمى مقلك نط متر بعد الساقية بتقلي مبلول !!.
– ياسيدي مبلول وستين مبلول … لانط متر ولا شي ماشفت المي كيف طرطشت …؟؟
انت ماتشوف .. انت اعمى … انت الاعمي ..الله يلعنك ويلعن اللي اجا معك …
وهكذا ياسادة ياكرام فرط التحالف الاستراتيجي بسبب دنب جقل …لسنا متأكدين فيما إذا كان مبلولا أم لا .
( هذا هو حال الأمة العربية وقواها السياسية ).

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.