علم معصية الله

هل التنقيب عما يشين الناس أو التفتيش عن فعلة أو فعلتين لأحدهم… ثم تجريحه بناء على ذلك التفتيش والطعن في ذمته وضميره، أو الطعن في ثبات عقله…ثم تدوين تلك الملاحظات في كتاب أو كتب… أليس هذا كله من معصية الله؟….أليس هذا تشهيرا بالناس؟
فما بالكم وقد تعددت كتب المجروحين والموثقين وتضاربت الآراء حول هذا وذاك حتى وصلوا لما أطلقوا عليه (علم الجرح والتهديل) وطلقوا عليه (علم الرجال) فذلك هو ما قام عليه علم رواية الحديث النبوي…….
فتضارب البخاري ومسلم حول رجل يدعى عكرمة..فروى له البخاري ومنع الإمام مسلم الرواية عنه..
وتضاربا فيمن اختاراه ليرويا عنه الأحاديث…. فبينما لم يعتمد البخاري 615 رجلا من رجال الإمام مسلم في روايته للحديث لأنهم مجروحين في منطقه، فإن الإمام مسلم لم يعتمد 434 رجلا من رجال البخاري في روايته للحديث……علما بأن كلاهما عاصر الآخر وكان الإمام مسلم تلميذا للبخاري…
المرجع: كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني]
أذكر ذلك لأنه يوجد بالأزهر علم اسمه [ الجرح والتعديل ] تم به تجريح هذا وتفسيق ذاك، وتم به التمايز بين الناس فهذا صار عدل ضابط بينما صار هذا مجروحا لا نقبل منه صرفا ولا عدلا …وصار لهذا العلم كتبا متضاربة حول الرأي في هذا والرأي في ذاك …وكلها كتب معتمدة عند من يسمونهم [أهل العلم].
فهل تتم خدمة دين الله بمعصية الله…..؟.
أليست ممارسات الغيبة والنميمة والتنابز بالألقاب والهمز واللمز في الناس وتجريحهم أمورا نهى الله عنها؟….فهل تتم خدمة دين الله بمعصيته؟.
أذكر لكم ذلك حتى تعلموا بأن الأزهر بقوم بتدريس علوم الفسق ويهتم بتبجيل أصحابها….بينما أرى بأن ذلك إنما هو إفساد في الأرض بينما هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ثم تعالوا لتضحكوا من تناقض أسس تلك الضوابط والعلوم التي وضعها أهل الحديث، إذ وضعوا للتحمل والضبط طرقا [وبطبيعة ما تعودنا منهم] اختلفوا فيها.


فاختلفوا حول السِّن التي يحق فيها للمرء السماع ثم الرواية، فحدده البعض بخمس سنوات، وقال البعض سبع سنوات، وقال بعضهم أن يُفَرّق بين الدابة والحمار، وقال البعض عشرين سنة وقال آخرون عشر سنوات……
….المرجع : [الحديث الشريف رواية ودراية ص 94 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر عام 1975]؛ وراجع كتاب الباعث الحثيث ص120.
فبالله عليكم أليس هذا مخالفا لشرط البلوغ الذي اشترطوه في شرط العدالة؛ أم هو يسمع وهو طفل ويروي وهو كبير بالغ، فهل هذا له أي علاقة بسوية الإدراك.
وطرق التحمل عندهم يعني أن تقول أحد العبارات الآتية [أخبرنا، حدثنا، أنبأنا، سمعت، قال لنا، ذكر لنا] وهم يرجحون كلمة [حدثني] لأنه لو قال [حدثنا] فيعني ذلك عندهم أن السامع كان في جمع من الناس.
وطبعا لن أتعرض لباقي طرق التحمل لأني أجد أن كل هذا من الإسفاف الإدراكي طالما كان من يضبط الكلام عندهم هو من يبلغ عمره خمس سنوات أو يفرق بين الدابة والحمار، وأترك لكم الحكم أو الضحك كما تشاءون.
بل أجد بأن هذه العلوم الفضائحية هي سبب من أسباب استساغتهم لجواز نكاح البنات وهن في المهد عند أهل الزمن القديم؛ بل أجمع علماء الزمن القديم على ذلك الإفك…. فلا عجب أن تجد سماع الحديث وروايته والتعرض لدين الله والتشريع على أساس رواية من يفرق بين الدابة والحمار.
آمل أن يأت اليوم الذي يقوم فيه رجال الأزهر بتصويب فهم الآية القرءانية التي تستحثنا على التبين من الخبر… وليس التثبت من المخبر….لن التحري عن المخبر إنما يوقعنا في معصية الله الذي حرّم علينا الغيبة والنميمة…ومهانا عن التنابز بالألقاي…بينما علم الجرح والتعديل قائم على تجريح أناس وعلى تزكية أناس على أناس…وحتى تلك التزكية غفد نهانا الله عنها .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات11
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات.12
فهل يا ترى لم يعجب السلف كل هذه الآيات وغيرها وعاندوا رب العالمين ليقيموا علم الجرح والتعديل الذي شيدوا به علم الحديث….ساء ما يحكمون.
وتفعيلها والتأكد من الخبر بدلا عن نظام الغيبة والنميمة والفضيحة المسمى بعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل. فالتبين يكون بتبيان حقيقة الخبر وليس بتتبع وترصد عورات من يخبرك بالخبر.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.