ضعف قوانين الدولة أمام قوانين العشيرة // ظاهرة النهوة

قبل أيام شهد قضاء الشرقاط لحادثة حرق لفتاة نفسها بسبب إرغامها على الزواج من أبن عمها دون أن تربطها به أي عاطفة elnahwa, حيث لا تزال الكثير من المناطق الجنوبية في العراق والأرياف خاصة متمسكة بالكثير من الظواهر العشائرية المنغلقة على عاداتها وتقاليدها والمتخلفة عن مسيرة التطور بقرون عديدة, ومن ضمن هذه التقاليد هي ظاهرة النهوة , هذه الظاهرة تستحق الوقوف عندها ودراسة أسبابها لما تخلّفه من سلبيات ومآسي على النساء .
أن يحرق الإنسان نفسه ويطوى بسهولة في ذاكرة النسيان وكأنه لم يكن هو حدث يستحق ويستوجب الوقوف أمامه طويلاً وتأمل أسبابه.
تُحرق أعمار غالبيتنا يومياً بشكل وبآخر , لكن أن يصل الحال بالبعض منّا في أن يحرق نفسه بيديه ليتخلص من معاناته فهنا تكمن قمة المعاناة والألم , أن يستخدم وسيلة غاية في البشاعة لينتقم من نفسه بسبب شعوره بالعجز الذي يشل تفكيره أمام جبروت التخلف (ان صح التعبير) الذي يهدم ويحاول أن يسلب منه إنسانيته , فهو مشهد في غاية القبح ويُظهر لنا مدى انحدار وتخلف هذه العقول وليبقى دم المرأة مهدوراً بدون ذنب ارتكبته سوى إنها ولِدت بهذه المجتمعات المنغلقة على ذاتها .
من ضمن الحقوق الكثيرة التي أعطاها الموروث للرجل هي حقه في النهوة ¸وهي حق الرجل في أن ينهي على بنت عمه فيما لو كان راغباً بها ,وأن لم يكن راغباً فمن حقه أيضا أن ينهي عليها وحسب قناعته ليجعلها شبه وقفاً لا يقترب من خطبتها أحد , وتكون له بجسدها وبأحلامها وطموحاتها إن وجدت وسط هذا المحيط !, وربما يستغل هذا الحق كفعالية لاستعراض قوّته وكرد اعتبار لرجولته وتعويض نقصه , أو تحقيق رغبته وساديته , وفي حالة عدم انصياع الرجل المنهي عليه وتزوج من المنهي منها فسيقوم الناهي بإرسال عشيرته وإطلاق النار على الزوجة وربما الزوج أيضا ويتم قتلهما بدم بارد !.
ابنة العم ملكاً صرفاً لأبن عمها , وبمثابة الأسيرة له مدى الحياة ,وربما يعتقها الموت بحرق نفسها للتخلص منه ,أو تُقتل من قِبل الأب أو ألعشيرة فيما لو خالفت أوامرهم , والحقيقة هي مقتولة .. مقتولة , سواء فلتت من قبضة ابن العم أم لم تفلت , فأن فلتت فستكون حياتها بلا صوت مسموع وبلا رغبات سوى لتلبية رغبات زوجها, فهي بحكم المقتولة أيضا , وأن حاولت الفلتان فمصيرها سيكون القتل أيضا .
وكذلك المنهي عليه سيكون بحكم من أهدرت دمائه , وأحيانا يخرج الناهي بصفقة تجارية يساوم عليها بطلبه لمبلغ من المال لمن يتقدم من أملاكه وهي ابنة العم , فهكذا هو امتلكها وصارت من حقه يفعل بها ما يشاء !.أما عن رأي الفتاة في اختيار شريكها فالأمر ليس بذات أهمية والأهل أدرى بمصلحتها كما يظنون .
فلا يزال الكثير من العائلات محكومة بقوانين الغابة (العشيرة) وبموروث مطلق لا يقبلوا الشك فيه ولا حتى لمحاولة تغييره منذ مئات بل وآلاف السنين, وبقائهم أسرى لأعراف كانت تعمل بها العشائر لبساطة الحياة آنذاك ولا زالوا دون تفكير في مدى صحة ما ورثوه ,ولا تزال غالبية الزيجات تتم دون رؤية أحدهما للآخر إلا في يوم الزفاف , يعيشون سوية وينجبون الأبناء دون أن يضعوا بعين اعتبارهم أية قيمة للعقل والتفكير , بل ما يعنيهم هو تلك الأجساد الآدمية ولتلبية رغباتها فقط, وأبنائهم على نفس نهجهم , وهكذا تدور بهم الدوامة وتدور وترجع إلى نفس النقطة.
للأسف لا زالت القوانين ضعيفة أو شبه معدومة ولا يوجد قانون يحمي الأرواح من تلك العادات والتقاليد البالية التي مازال يتمسك بها البعض الكثير بسبب فشلهم في الاندماج بالجديد .
فأين القوانين من كل ما يجري ؟وكيف لقانون الغابة في أن يعلو على قوانين الدولة ؟

About فؤاده العراقيه

كاتبة عراقية ليبرالية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.