الگــواويــد

muf78 (3)احمد حسن العطية

قد يكون عنوان المقالة صادم لك سيدي القارئ وقد تتهمني بالبذاءة ولكني اقصد هذه البذاءة لان قواميس اللغة التي اعرفها أصبحت شحيحة بالكلمات التي استطيع أن اصف بها الذي يحدث في العراق حيث الواقع أكثر بذاءة سيدي القارئ من كل الذي تعرفه قواميس الرذيلة لدى بني البشر , في العراق يحكم أناس أرذل من كل الكواويد الذي عرفهم التاريخ , الإنسان يقتل كل يوم ويسرق كل يوم وتتم المتاجرة به في كل لحظة ,كل شيء ملوث , كل شيء يمشي إلى فساد , لا تستطيع الكلمات أن تصف الحال الذي يعيشه العراقي كل يوم , ولا تستثني الهموم والبذاءة احد ,فالكل يعيش في ماخور يباع ويشترى فيه حق العراقي , فهذا يعلم وهذا لا يعلم انه ليس سوى سلعة يتاجر بها سياسيو هذا البلد ,

القواد في اللغة مصطلح مشتق من كلمة قود والتي تعني في اشتقاقها ومترادفاتها اللغوية المشي أمام الدابة اخذا بقيادتها , والقوادة مصدر فاعلة ويقال قواد على وزن فعال للمبالغة ويراد الساعي بين الرجل والمرأة للفجور ,

هنا أريد أن أسوق بعض الأمثلة الطريفة على واقع الحال في منتصف القرن المنصرم ودور الكواويد والكحاب في خدمة المجتمع والحفاظ على سلامة وامن البلاد حيث أني أتصور أن الكواويد اشرف من سياسي الصدفة وسراق الأموال والمتاجرين بحياة العراقيين .

يورد الدكتور معتز يحيى عبد الحميد في بحثه (من تاريخ البغاء والقوادة في بغداد ) ما نصه :

في عام 1938 عندما فاض نهر دجلة وكسرت سدة ناظم باشا من ناحية الوزيرية وراحت المياه تتدفق في الشوارع ، والمعتاد في مثل هذه الحالات أن تقوم الشرطة بتجنيد الناس فيما يسمى بعمل السخرة لدرء الفيضان وتقوية السور. في هذه الأثناء دق تلفون معاون شرطة السراي عدنان محيي الدين وطلب منه مدير شرطة بغداد بتعبئة الناس فورا لوقف تدفق المياه. اسقط المعاون عدنان حاكية التلفون من يده فقد كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وآوى الناس لبيوتهم نائمين وخلت الشوارع من المارة. فمن أين يأتي بالسخرة ؟ وجد الحل بعد أن هداه فكره إلى محلة واحدة ما زالت تعج بالناس وبالنشاط على قدم وساق وهي محلة الكلجية. اقتاد المعاون ثلة من أفراد الشرطة وهرع إلى أزقة الكلجية وكوك نزر.. حيث جمع كل من وجده هناك من القحاب وزبائنهن وحشرهم في سيارات الشرطة وهرع بهم إلى محلة الكسرة، وهناك انكب الشباب بحفر الأرض وملء أكياس من الجنفاص بالتراب وحملت القحاب الأكياس على ظهورهن لردم الكسرة وإيقاف تدفق المياه حيث واصلن (الشيل والحط) حتى آذان الفجر. ولقد أسهمن حقا في سد الثغرة وإنقاذ العاصمة من الغرق ولولاهن لاجتاحت مياه الفيضان الجوامع والمساجد والبيوت في الوزيرية . وبعد صلاة الفجر عادت بهم سيارات الشرطة الى الكلجية.. كل إلى بيته. وفي اليوم التالي بعث أمين العاصمة رسالة شكر وتقدير لكل القحاب والقوادين الذين ساهموا بالعمل الشعبي لدرء الفيضان عن بغداد .

وكان ببغداد في الأربعينيات فندق في محلة السيد سلطان علي مطل على نهر دجلة اسمه فندق متروبول يقوم على إدارته فتى اسمه ( صادق حنا ) وكان صادق يحضر فتيات جميلات من اوروبا باعتبارهن فنانات وينزلهن في فندقه ويتقاضى مبالغ عن زيارة الزائرين لهن. وغضب عليه ارشد العمري وكان آنذاك امين العاصمة وكان ارشد عصبيا وشتاما فاحضره وصرخ فيه: (ولك صادق بغداد لا تتحمل قوادين اثنين.. فإما أنا وإما أنت!) هكذا كان الامر يدار في أربعينات القرن العشرين فأمين العاصمة يتدخل حتى في الحفاظ على الأخلاق العامة وأنت سيدي القارئ قارن بين الأمس واليوم .

هنا أريد أن وضح أمرا فهمته من قراءة بعض نصوص القانون (قانون العقوبات العراقي )

يتم محاسبة القواد وفق قانون العقوبات العراقي بالاعتماد على المادة 399 وكل النصوص التي يتم العمل بموجبها تدور حول معنى الاستغلال من كسب المومس , فالقواد يكون متحكما ,مستغلا ,متاجرا ,بأعراض الناس ,يمتص دم فريسته ,ويبتز مالها, ويحلل لها حياة الرذيلة , ويستحوذ على ما تكسبه بشتى الطرق , فهنا القواد يستغل مومس واحدة أو أكثر فما بالك سيدي القارئ بسياسي يستغل شعب بأكمله , ويسرق ويتاجر ويبتز شعب بأكمله .

مع الاعتذار لكل الكواويد لمقارنتهم بسراق المال العام والمتاجرين بحياة العراقيين

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.