الحب المستحيل بين حلفاء حزب الله

بقلم حازم الأمين/
أيهما أحب إلى قلب حزب الله، حركة أمل أم التيار الوطني الحر؟ ميشال عون أم نبيه بري؟ الجواب على هذا السؤال ليس بديهيا، ذلك أن حسابات معقدة تنتظر الباحث عن إجابة عن هذا السؤال، لا سيما وأن الحب الذي نتحدث عنه مصدره قلب تثقله الايديولوجيا، وتعكر صفوه مصالح ثقيلة لا تبدأ بلبنان ولا تنتهي في اليمن. والسؤال اليوم يكتسي طابعا ملحا، إذ أن طرفي الاشتباك اللبناني، أي أمل والتيار الحر، يطلبان بإلحاح نصرة الحزب لحسم وجهة الصراع، بعد الأزمة التي تسبب فيها شريط مسرب يظهر فيه وزير الخارجية جبران باسيل وهو يصف بري بـ”البلطجي” ويتوعد بـ”تكسير رأسه”.
بري هو الشريك الشيعي لحزب الله، والذي ما كان للحزب أن يقبض على تمثيل الشيعة اللبنانيين من دون مساعدته. وبري ليس شريكا للحزب بقدر ما هو مكمل لوظائفه، فالحزب تمكن من الاحتفاظ بالرئاسة الثانية في لبنان من دون أعبائها، وبمعنى ما فإن بري كان واجهة تمثيلية للحزب تقي المنصب من تبعات المقاطعة الدولية للحزب، ذاك أن الرئيس ليس قياديا ولا عضوا فيه، وفي نفس الوقت تولى مواجهة أي عاصفة تستهدفه.
إقرأ للكاتب أيضا: حنين غدار وقيس الخزعلي وستيفن سبيلبرغ
بري بالنسبة لحزب الله فرصة لا تعوض. وفي أكثر من مناسبة أبدى الحزب استعدادا لدفع أكلاف باهظة للحفاظ عليه. فرئيس مجلس النواب موقع لا يصلح لأن يشغله حزب الله مباشرة، اذ أن ذلك سيكون عبئا على الحزب وعلى لبنان، وبري، وبما أنه ليس عضوا في الحزب، لم يكن طوال رئاسته المديدة للمجلس غير مدافع ومعزز لفكرة تفشي الحزب في الدولة وفي قراراتها. في حرب تموز مثلا اختفى حزب الله عن جبهات التفاوض وتولى بري تمثيله في عمليات المفاوضة المعقدة، فكان الحزب مقاتلا وكانت الدولة من وراءه تفاوض. وصحيح أن هزيمة الحزب في تلك الحرب كان سيعزز فرص بري في تصدر الطائفة، إلا أن بري لم يبد أي رهان على هذا الاحتمال.
حزب الله في العلاقة مع بري يعرف الحدود بين دفعه للتصدر وبين احتفاظ الحزب بالقرار الفعلي، لا سيما إذا ما تعلق الأمر بالحروب الكثيرة التي يخوضها الحزب باسم الطائفة الشيعية.
لا يبدو أن الاشتباك بين حليفي الحزب في لبنان في وقته. وهذا يعني أنه سيلجمهما وسيستجيبان، فهما يدركان أن حسابات الشقيق الأكبر فوق خصومتهما
لكن الخدمات التي أداها رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره لحزب الله لا تقل أهمية عن الخدمات التي أداها بري، وإن اختلفت نوعيا عنها. ويمكن القول بسهولة إن ميشال عون تولى حماية الحزب في أكثر من محطة كان يمكن فيها أن يوجه خصومه ضربات موجعة له كانت ستقوض نفوذه. فالغطاء المسيحي الذي أمنه العونيون لحزب الله مكن الأخير من الصمود في وجه رياح عاتية استهدفته. في حرب تموز/يوليو 2006 غامر العونيون مغامرة كبرى في وقوفهم إلى جانب الحزب في وقت كان الأخير محاصرا بالحرب الاسرائيلية من جهة وبخصومة داخلية مثلها تيار المستقبل السني ووليد جنبلاط الدرزي والقوات اللبنانية المسيحية.
يحفظ حزب الله لميشال عون هذه المغامرة التي كان من شأنها أن تطيح بالعونيين في حال هزمت اسرائيل حزب الله، وقضت على نفوذه. وبعدها انقض حزب الله على وسط بيروت فاحتله وأعلن اعتصاما فيه بمشاركة العونيين. ودفع العونيون أكلاف احتلال الوسط التجاري للعاصمة من رصيدهم السياسي المسيحي، وصاروا جزءا من مشهد ميليشيوي احتلالي. وكل هذا كان على مذبح تحالفهم مع الحزب، وصولا إلى الذروة عندما وقفوا إلى جانب الحزب في هجومه على بيروت في السابع من أيار/مايو عام 2008، مع كل ما يعني ذلك من انزلاق إلى الموقع الميليشيوي الذي صورت العونية نفسها نقيضه له.
إقرأ للكاتب أيضا: واشنطن عادت إلى سورية.. وأنقرة ترد في عفرين
حزب الله اليوم متنازع بين موقعي حليفين لهما معه كل هذه الديون، وهو إذ حاول تسديدها في المحافظة على عون وبري كل في موقعه، رئيسا للجمهورية ورئيسا للبرلمان، يعرف تماما أن إدارة التوازن بين رجلين لا يكنان ودا لبعضهما بعضا، أشبه بمهمة والد يرعى خصومة نجليه، اللذين لن يخرجا في نهاية المطاف عن الطاعة.
حزب الله يمر بمرحلة دقيقة. الاسرائيليون استأنفوا الحديث عن مخاطر على الحدود مع لبنان، وسورية على مشارف تحول يتطلب من الحزب إبقاء حديقته الخلفية (لبنان) مستقرة. لا يبدو أن الاشتباك بين حليفي الحزب في لبنان في وقته. وهذا يعني أنه سيلجمهما وسيستجيبان، فهما يدركان أن حسابات الشقيق الأكبر فوق خصومتهما.
الأرجح أن الخصمان يتسابقان اليوم قبل أن يبلغ الشقاق بهما إلى مستوى الاصطدام بمصالح الحزب. حتى الآن يبدو أن جبران باسيل على رأس السبق. يرفض الاعتذار من بري على كلمة “بلطجي” التي وصفه بها، ونال إعجابا مسيحيا بقدرته على الصمود في وجه رئيس المجلس، أما الأخير فكل ما بوسعه فعله، هو مشاغبة في الشارع، في وقت هو عاجز عن دفع وزرائه للاستقالة وتعطيل الحكم.
حزب الله لا يريد تعطيل الحكومة، فالأخيرة تتولى اليوم تصريف الكثير من مصالحه. وينتظر الحزب محطات، لا يساعده فيها مأزق سياسي تسبب فيه حلفاؤه.
إذا لا وقت لهذه الترهات اليوم.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.