كاتب تركي: ما أحلى الموت فداء لتركيا.. ولكن هل تستحق عفرين ان نموت من أجلها

أتاتورك

اومت اوزكرملو: كاتب تركي
“ما أحلى الموت فداء للوطن”؛ كانت تلك القصيدة القديمة التي كتبها الشاعر الغنائي الروماني هوراس مصدر إلهام في الكثير من الأفلام والشعر الغنائي والشعر المحمس للحرب على مر السنوات بما في ذلك قصيدة ويلفريد أوين الشهيرة (دولسي إت ديكورام إست)، وهي جملة لاتينية مستلهمة من كلمات قصيدة هوراس ترجمتها “ما أحلى أن”.
كان أوين قتل على الخطوط الأمامية قبل أسبوع من نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد كتب في قصيدته يصف مشاعر الألم واليأس خلال هجوم بالغاز بهذه الكلمات:
لو أن آذانك تصغي في كل رعشة
حشرجة الموت والدم المتفجر من رئة أنهكها الزبد
مشهد مؤلم كورم سرطاني، مرير الطعم مثل الطعام المجتر
قروح على ألسنة بريئة لا دواء لها عند البشر
يا صاحبي أنت لن تقُص بكلامك المعسول
على الأطفال المتلهفين حكايات مجد قد أفل
تلك الكذبة القديمة: ما أحلى أن
تموت من أجل الوطن
من الحقائق الثابتة أن الشعور الوطني يوحد المجتمعات، وحتى الأكثر استقطابا، لفترة مؤقتة في أوقات الأزمات. كما أننا نعرف أن الساسة الذين يستنفدون جميع الخيارات المحلية الممكنة يميلون إلى السعي وراء مشروعات دولية من أجل تعزيز حظوتهم بالتأييد الشعبي. والتاريخ الحديث مليء بأمثلة من هذا القبيل، وقد كنت كتبت عن حرب الفوكلاند/المالفيناس في مقالي السابق. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك الأزمة إيميا/كارداك في عام 1996 التي أثارها قوميون يونانيون ووضعت تركيا واليونان على شفا حرب.
بيد أن التأييد الشعبي لهجوم تركيا على منطقة عفرين شمالي سوريا، والذي جاء ضمن سلسلة من التدخلات التركية ضد حزب العمال الكردستاني الانفصالي أو خلال التوغل التركي السابق في سوريا بداية من عام 2016، كبير جدا. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التأييد يأتي في وقت تقبع فيه سمعة الحزب الحاكم بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عند أدنى مستوياتها على الساحتين الداخلية والدولية.
وتركيا ليست ضمن تحالف دولي هذه المرة، كما أن المجموعة التي تستهدفها لا يعتبرها المجتمع الدولي جماعة إرهابية. ومن الصعب التكهن بشكل رد فعل قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران على حملة طويلة الأمد تشهد تزايدا مطردا في عدد الضحايا في صفوف المدنيين.
كما أنه من غير الواضح ما هي الجماعات التي يتألف منها حلفاء تركيا السوريون، الجيش السوري الحر. وهناك بالفعل تقارير تتحدث عن أن بعض الجهاديين المدرجين على القوائم السوداء من قبل الولايات المتحدة يقاتلون في صفوف الجيش السوري الحر.
إذا، فما هي أسس تحالف بلدي “مصح أو مخطئ” هذا؟ دعونا نلق نظرة عن كثب على بعض الأطروحات التي أثيرت لتفسير هذا الأمر.
الأطروحة الأولى مباشرة للغاية وتتمثل في أن الفرد بحاجة إلى تأييد هذه العملية ودعمها وببساطة من باب الوطنية (إن لم تكن القومية).
وبحسب تغريدة لاحد الخبراء الاتراك في العلاقات الدولية “أدعوا الله أن يحفظ أرواح كل من عرضوا حياتهم للخطر فداء للوطن، فإن مواطني العالم الذي لا جذور لهم والذين يخشون فقدان مكانتهم الفكرية بإظهار أي قدر من الوطنية لا يمكنهم فهم هذا الأمر.”
على الجانب الآخر، يشير الخبير ذاته أيضا إلى آراء مصطفى كمال أتاتورك لتفسير سبب ضرورة الحرب في بعض الحالات. يقول أتاتورك “لا أحبذ جر الأمة إلى حرب لهذا السبب أو ذاك”. يقول أيضا “الحرب يجب أن تكون ضرورية وحيوية… يمكننا خوض الحرب ضد من هم عازمون على قتلنا، لا لكي نموت. متى لم يكن هناك خطر على بقاء الأمة تكون الحرب جريمة قتل”.
إذا دعونا نسأل: هل تشكل عفرين خطرا داهما على تركيا؟ هل هاجمت وحدات حماية الشعب الكردية السورية الأراضي التركية؟ هل لدينا أي تقارير استخباراتية تتحدث عن أنهم يخططون لفعل هذا؟
إذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا لم تُعلن هذه المعلومات أمام الرأي العام التركي. ألم تتلق قوات حماية الشعب تدريبها وتسليحها من الولايات المتحدة؟ ألا يقاتلون ضد تنظيم الدولة الإسلامية بدعم أمريكي؟ الأهم من ذلك، هل تشكل وحدات حماية الشعب تهديدا أكثر خطورة على تركيا من تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على الحدود الجنوبية لتركيا لبعض الوقت؟ وعلى عكس وحدات حماية الشعب، ألم يرتب تنظيم الدولة الإسلامية لهجمات إرهابية داخل الأراضي التركية؟ ألم يخسر الكثير من المواطنين الأتراك من أصول كردية أرواحهم في تلك الهجمات؟
أثار خبير آخر في العلاقات الدولية يكتب بصفة دورية مقالات في إحدى الصحف الموالية للحكومة أطروحة مشابهة. ففي إشارة إلى القانون الدولي والأدب الأكاديمي، قال الخبير إن العملية تحظى بحماية بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تشير إلى الدفاع عن النفس وحق الدولة في مكافحة الإرهاب. بيد أن القرار الذي تحدث عنه يعطي ضوءا أخضر لمثل هذا التحرك عندما يكون هناك هجوم منظم ضد دولة ما؛ وحتى مع توافر تلك الظروف، ينص القرار على أن التدخل يجب أن يكون “متناسبا” مع حجم الاعتداء.
وكما ذكرت آنفا، وإلى حد علمنا، لم تتعرض تركيا لهجوم من عفرين. ولو أن ذلك حدث، فإن تركيا تقصف عفرين ومحيطها منذ وقت مضى وإلى الآن. ومسألة كيف تشكل محاولة لغزو منطقة في دولة أخرى في انتهاك لوحدة أراضي تلك الدولة ردا متناسبا فيها نظر بكل تأكيد.
وهناك وثيقة أخرى يشير إليها هذا الخبير- قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب – بها قائمة تضم مثل تلك المنظمات. ووحدات حماية الشعب الكردية ليست مدرجة على هذه القائمة. بل إن وحدات حماية الشعب هي في واقع الأمر تحارب بعضا من الجماعات المدرجة على تلك القائمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض العناصر داخل الجيش السوري الحر، مثل جبهة النصرة، مدرجة على تلك القائمة. وأعتقد أن هذه الحقيقة وحدها تظهر كيف أن مشروعية العملية مسألة فيها نظر.
ومن الممكن القول إن “نظرية الحرب العادلة” التي يشير إليها الخبير ذاته لا تنطبق في حالة عفرين. من الممكن اعتبار الضربات الجوية التي يشنها الجيش التركي على جبل قنديل في العراق، حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني، “عادلة” وفق قانون مسوغات الحرب. لكن مهاجمة ميليشيا لم يسبق لها أبدا أن اعتدت على تركيا على أساس ارتباطها بحزب العمال الكردستاني فقط لا يمكن تفسيرها على أنها سبب عادل. وإذا كانت هذه هي الحالة، فإن النظرية ذاتها ستبرر مهاجمة تركيا لدول مثل سوريا وإيران كانت قد دعمت حزب العمال الكردستاني في الماضي (بل وحتى إيطاليا واليونان اللتين استضافتا لفترة وجيزة زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان عندما أُجبر على مغادرة سوريا أواخر تسعينات القرن الماضي). ونظرا لأن تركيا لم تهاجم تلك الدول لدعمها حزب العمال الكردستاني، يبدو واضحا تماما أن الهدف من هذه العملية مختلف.
والجزء الآخر من نظرية الحرب العادلة، وهو السلوك الصحيح في وقت الحرب (قانون وقت الحرب)، أيضا فيه نظر. صحيح أن تركيا قالت إن الحملة لن تستهدف المدنيين، لكن الأرقام التي يتحدث عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقرا -حتى إن تجاهلنا ما تتحدث عنه وحدات حماية الشعب الكردية – تشير إلى رواية مختلفة.
وإذا كانت العناصر السورية التي تقاتل نيابة عن تركيا تضم إرهابيين جهاديين مطلوبين، ما هي ضمانات عدم حدوث أي مذابح في ميدان المعركة؟ إذا كانت هذه فعلا حرب عادلة، فلماذا هناك كم هائل من الضغط على وسائل الإعلام؟ لماذا تم حجب موقع خريطة الحرب الأهلية السورية
( syriancivilwarmap.com )
الذي يعرض صورا ملتقطة عبر الأقمار الصناعية للحرب الدائرة في سوريا؟ لماذا يتم اعتقال كل من يتجرأ ويتحدث عن السلام؟
والأهم من ذلك، لماذا لا يناقش خبراء العلاقات الدولية هذه القضايا على الإطلاق؟
إنهم لا يناقشون هذه القضايا لأنهم يقرون ضمنا بأن هذه العملية هي “من أجل الوطن”. بيد أن هذا هو السؤال نفسه الذي يحتاج لمناقشة. ولنسأل بالكلمات التي قالها أتاتورك، هل هذه الحرب “ضرورية أو حيوية؟” هل نقاتل من كانوا يريدون قتلنا دفاعا عن أنفسنا؟ أم إن هذا كله لأن الإرادة السياسية التي تحكم البلاد تحت حالة الطوارئ قررت ذلك؟ هل نفعل أي شيء غير الدعاء لمن كُتب عليهم القتال بينما ننعم نحن بالنوم الآمن في فُرشنا؟ هل، على سبيل المثال، نسأل أنفسنا إذا ما كانوا بحاجة إلى وضع أرواحهم في طريق الأذى أم لا؟ هل هذه الحرب عادلة كما يقول خبراء؟ وإذا كانت حربا من أجل وطننا، فلماذا لا يرتدون لباسهم العسكري وينضمون للقتال في عفرين؟

المصدر أحوال تركية

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to كاتب تركي: ما أحلى الموت فداء لتركيا.. ولكن هل تستحق عفرين ان نموت من أجلها

  1. س . السندي says:

    ١: تبرير أقبح من ذنب ، ما أقدم عليه المعتوه اردوغان لا يبرره لا منطق ولا قانون ، وقد أجاد الكاتب في تحليل الأسباب ؟

    ٢: لو أخذنا بمنطق المعتوه أردوغان نفسه في مشروعية الدفاع عن النفس ، إذن من حق السوريين ألان قصف القوات التركية الغازية لحدودها خاصة وهى تظم بين مرتزقتها جبهة النصرة والكثير من الدواعش المتخفين ؟

    ٣: وأخيراً …؟
    ما أقدم عليه المُلا المزيف أردوغان في عفرين حماقة لا تغتفر ، ولن يكون ثمنها أقل من رأسه أو تركيا ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.