افتراض عن ايران تاريخياً

ايليا الطائي

من الثابت ان اسم ايران الحالية جاء من باب التغليب لا اكثر ، والتغليب في اللغة هو ترجيح أحد المعلومين على الآخر وإطلاقه عليهما ، وقيدوا إطلاقه عليهما للاحتراز عن المشاكلة ، مثاله الأبوان يطلق على الأب والأم . وبالعودة الى موضوع ايران! تاريخياً ظل اسم فارس
(Persia)
الاسم الشائع تاريخياً لدولة إيران في العالم والعالم الغربي . حتى عام 1935 وتحديداً في عيد النوروز ، حيث طلب رضا شاه بهلوي من المندوبين الأجانب استخدام مسمى إيران كاسم رسمي في المراسلات الرسمية . ومنذ ذلك الحين فإن استخدام مسمى “إيران” أصبح أكثر شيوعا في العالم الغربي والعالم اجمالاً . وهذا التغيير شمل المسمى الوصفي لمواطني إيران حيث تغير من مسمى “فارسي” إلى “إيراني”. وأعلنت حكومة محمد رضا شاه بهلوي (ابن رضا شاه بهلوي) في عام 1959 أنه يمكن استخدام كلاً من الكلمتين “فارس” و “إيران” بشكل رسمي بالتبادل . إلا أن الموضوع لا يزال قيد المناقشة اليوم .
في عهد الملك الساساني خسرو الاول انوشيروان (531–579م) قسمت الامبراطورية الساسانية الى اربعة اجزء ، وحسب ما يأتي :
1- اواختار وهو اقليم الشمال ويضم كل من اذربيجان وارمينيا وجورجيا اضافة الى مدن اخرى .
2- خراسان وهو اقلم الشرق : ويضم مدن ( هراة ونيسابور وطوس وبلخ ومرو وجرجان)
3- نمروز وهو اقلم الجنوب (فارس) .
4- خورواران وهو اقلم الغرب ويضم كل العراق الحالي (اشور / حدياب / بابل / ميسان اضافة الى ميديا وعيلام وباقي اجزء الجزيرة الفراتية وصولاً الى نصيبين . (المصدر :
Ancient Persia And Iranian Civilization / Huart Clement) .
وبالتحديد ان مدينة حلوان كانت تقع ضمن حدود هذا الاقليم (خورواران) ، وحلوان قبل ان تعرف بهذا الاسم كانت تعرف باسم


(Aylan)
، وبما ان صوت (ل) في البهلوية يقلب الى (ر) ، فتقرأ ايضاً بصيغة
(Ayran)
، ومنها جاءت تسمية خورواران اي بلاد اران ، وحلوان حسب الرسومات الاسلامية كانت تقع ضمن اقليم العراق الساساني ، بدليل انها ثقافياً كانت خاضعة للثقافة الشرقية لا الفارسية . وحتى المصادر الاسلامية كانت تضعها ضمن خرائط العراق كما في خريطة الاصطخري للعراق (الصورة رقم 1) .
وعلى الرغم من وجود العاصمة الساسانية قطيسفون ضمن حدود هذا الاقليم ، الا ان هذا اقليم (خورواران) كان يتكون من خليط من السكان كان العنصر الفارسي يشكل الاقلية ، فشكل الكشد (الكلد) والاراميين النسبة الاكبر في هذا الاقليم ، وكانوا من الطبقة الفلاحية ويتحدثون الارامية ، وكذلك عرف هذا الاقليم بكونه مسكن للعوائل البارثية الارستقراطية وكذلك بالنسبة للعوائل الفارسية الاخرى ، وعرف هذا الاقليم ايضاً بوجود عربي كبير اضافة الى وجود فئة غامضة دعيت بالمصادر القديمة (الطيايي / التازي) وحسب رسائل ايشوعياب الحديابي فإنه يميزهم عن العرب ، ومناطق تواجدهم كانت هي مدن غرب الحيرة ، اما في الحيرة نفسها فكانت الغالبية للتنوخيين واللخميين مع العلم ان المصادر الاسلامية صنفت التنوخيين من النبط ، كذلك وجدت جاليات يونانية بكثرة في هذا الاقليم ومعظمهم من الاسرى الذين اسروا خلال الحملات الساسانية على الاراضي السورية البيزنطية .
اما عقائدياً فكانت النسطورية هي الغالبة على سكان هذه المقاطعة وكانت مدينة نصيبين هي مركز النسطورية الى جانب الحيرة وقطيسفون بشكل متأخر ، وهؤلاء النساطرة كانوا على وفاق مع الملوك الساسانيين لسبب سياسي وهو ان الدولة الساسانية سمحت لهم بممارسة حرياتهم بسبب الاختلاف العقائدي مع مسيحيي الشام وبيزنطة ، حيث تم اعتبار النساطرة هراطقة من قبل الكنيسة الغربية ، اما المناطق المحيطة بمدينة بابل التاريخية فكانت اليهودية تشكل النسبة الاكبر من ناحية عدد الاتباع ، اما في جنوب هذا الاقليم فكانت المندائية والافكار الغنوصية الى جانب اليهودية في ميسان هي الشائعة ، مع وجود نسطوري كبير .
كذلك لو نلاحظ العملات الساسانية التي ذكرت كلمة ايران ، نراها كتبت بخط فهلوي ولكن اللفظ ارامي وليس فارسي ، كما في عملة اردشير الاول (224–242م) (الصورة رقم 2) ، حيث ظهرت عليها كتابة :”اردشير ملكان ملكا ايران” ، وتعني “اردشير ملك ملوك ايران” ، وصيغة ملك موجودة في اللغات الشرقية وتقابلها بالفارسية والفهلوية صيغة (شاه) ولذلك لو كانت هي لغة فارسية او بهلوية كان يجب ان تكتب (شاهنشاه) وتعني (ملك الملوك) .
كذلك في عملة خسرو الثاني (590 – 628م) (الصورة رقم 3) نجد نفس الاشارة تظهر ، خسرو يصف نفسه على العملة “خسرو ملكان ملكا ايران” ، اي “ملك ملوك ايران” ، ويمكن ملاحظة اللفظ الارامي للعبارة مع كتابتها بخط فهلوي .
وان الغرض من هذه العبارة على ما يبدو هو ان الملوك الساسانيين كانوا قد راعوا الوجود الارامي في اقليم خورواران او (خوروايران) مع اقلية فارسية فيه ، ولذلك استخدموا خط فهلوي مع لفظ ارامي للعبارة التي دونت على العملة .
الاشكالية الاخرى في موقع ايران الحالية هي مدينة طهران ، ومن الثابت انه اسم حديث ، وطهران الحالية قامت على المدينة التاريخية (الري) ، وللري عملات كثيرة قبل الاسلام وبعده ، ويقال انها تقع جنوب طهران الحالية ، والمشكلة في اسم طهران مازالت قائمة عند الفرس نفسهم ، فذكروا تفسيراتٌ كثيرةٌ حول تسميتها بهذا الاسم ( تهران ) ، ولكن أكثر التفسيرات اعتماداً كان تفسير مجمع اللغة والأدب الفارسيين ، وكان تفسيرهم للاسم يقول بأن اسم تهران بالأصل مكّن من كلمتين هما (ته) وتعني هذه الكلمة (تحت) ، والكلمة الاخرى (ران) التي تعني (الأرض المنسبطة) ، وفسَروا أنَ السبب في تسمية المدينة بهذا الاسم هو احتوائها على الكثير من الأماكن التي تصلح للاختباء من المهاجمين لها ، وبذلك يكون معنى اسم المنطقة تهران هو (تحت الأرض) . ولو صح افتراضي اعلاه على ان ايران التاريخية ، فمدينة طهران هي سامراء وقصبتها ماحوزة وليست طهران الحالية ، لأن مدينة سامراء عرفت بالعهد الساساني باسم (طيرهان) (المصدر : كتاب (من تراثنا اللغوي القديم للدكتور طه باقر) ، وعلى ما يبدو ان الاسم تعرض لتصحيف ، وهذا ما هو شائع في العالم القديم . وهذا ما يفسر اهمية المدينة اسلامياً خلال العهد العباسي . مع العلم ان اسم سامراء هو الاسم الاصلي للمدينة لأنه ذكر في المصادر المسمارية منذ العهد السومري .

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.