أخشى أن أتحول إلى مسلم متعصب

gazairaqتصدير: خذ حذرك وأنت تقاتل الوحوش حتى لا تصبح واحدا منهم.”نيتشه”.

طوال عمري وأنا حريص على أن لا أصبح واحدا مثل أولئك المسلمين الذين يصادرون الحريات العامة ويفضلون حكم الديكتاتورية والاستبداد على حكم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, يقطعون رقاب الناس من أجل أن ينكحوا طفلة في السماء, يقتلون الرجال من أجل أن ينكحوا بناتهم القاصرات, يبيعون الدنيا من أجل آخرة وهمية لا توجد إلا في مخيلاتهم, يفضلون السلطة الروحية على السلطة الزمنية,هؤلاء يصادرون الحريات ويرفضون كل من ليس على دينهم وحتى الذين على دينهم يكفرونهم, أنا أخشى على نفسي بأن أكون في يوم من الأيام واحدا من أولئك الناس فأعتدي على غيري وأجبره على الدخول في ديني عنوة وغصبا وكرها بحد السيف, أنا لا أقصد بأن لا أكون مسلما بالمعنى الذي يفهمه الناس وإنما أقصد أن لا تكون أفكاري في البيت والعائلة مثل أفكار غالبية المسلمين المتشددين فالتيار أقوى مني وقد جرف غيري معه وأنا حريصٌ بأن لا يجرفني التيار إلى الجماعات الإسلامية, ربما قضيت ردحا طويلا من عمري وأنا ملحد لا أومن ولا بأي ديانة وأخيرا توصلت إلى فكرة أنه من الواجب عليّ أن أكون ملتزما أو منتسبا إلى الدين, ولكن أي دين؟ أمامي أديان كثيرة وعليّ أن أختار واحدة منها, فاخترت الدين الذي لا يخالف الإنسانية ولا توجد في داخله أفكار ربما أنها ستؤذي غيري, دين يحترم المساواة بين الجنسين ويضمن الحرية الشخصية, ويفصل الدين عن الدولة والسياسة, دين لا يلغي الدولة ودولة لا تلغي الدين, دين يحترم الدولة ودولة تحترم الدين, دينٌ يمنح الناس حريتهم وأناس يمنحون غيرهم حرية الاختيار في الدين والمعتقد, فأنا مثلا لو كنت مسلما ملتزما بتعاليم الإسلام فإنني حتما قد أوذي زوجتي وأولادي وأقاربي, كما يؤذوني هم, أنا ألاحظ بأنهم جميعهم من الألف إلى الياء يتدخلون بي وبطريقة حياتي, يريدون مني بالقوة أن أومن بما يؤمنون به وأن تصبح عقليتي عقلية ساذجة وسطحية كما هي عقليتهم , ولا يتركون أحدا بحاله, يتدخلون بتفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة ولا يميزون بين حرية الدعوة إلى دينهم وبين حرية الاختيار, فهم يتدخلون ليس في السياسة وحسب , وإنما بالفن وبالموسيقى, وأنا أطالب أيضا بفصل الدين أيضا عن الفن والثقافة والأدب والفلسفة بكافة مذاهبها, وعلى فكرة لا يمكن للفلسفة وللفنون أن ترتقي إلا إذا ارتخت أو تراخت الأديان لها, فالحياة الفنية والأدبية والفلسفية لا يمكن لها أن تنتعش في أجواء دينية متعصبة, يجب أن تتراخى الأديان شيئا فشيئا حتى تنتعش الفنون السينمائية والأدبية والفلسفية والتمثيلية, والإسلام بمجمله دين لا يقبل مثل المسيحية بأن يتراخى أمام الفنون الفلسفية والاجتماعية والثقافية بشكلٍ عام, الدين الإسلامي يفرض قيودا واهية وكبيرة على الفنون بل ويقيدها.

وأنا طوال حياتي حريص على نفسي بأن لا أكون مسلما ملتزما بالإسلام 100%, فهذا الدين لو التزمت به فلن أبدع أبدا ولن تقرئوا لي شيئا عن الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ, فحين كتبت مقالاتي في الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ, كنت حريصا كل الحرص أن أتحرر من الدين الذي يشل حركة الفنون, أنا في معركة وأقاتل أناسا يؤمنون بأن الفلسفة حرام والسينما حرام والفنون حرام, وكنت كما قال نيتشه حريصٌ على أن لا أصبح واحدا من الذين أقاتلهم.

ولكن كيف سأصبح واحدا منهم؟

المعنى هنا ما زال غير مفهوم, ولربما يعتقد الغالبية بالمفهوم العام للجملة وهو أن أصبح مسلما متزمتا, وهذا هنا يبدو أنه نصف الإجابة, أما الإجابة بالكامل فمعناها أن لا أقاوم الشر بالشر, أي أن لا أفرض قيودا على غيري وأجبرهم بالقوة أن يصبحوا مثلي, حريص كل الحرص أن لا أدعو غيري للإيمان بالذي أومن فيه بالقوة, وهنا المشكلة وهي أن لا تصبح عقليتي مثل عقلية أولئك المسلمون الذين يقاتلونني.

أنا أخشى على نفسي من أن أصبح في يومٍ من الأيام واحدا من أولئك المسلمين الذين يحرمون كل ما هو غير مرغوب به من وجهة نظرهم, أشياء كثيرة في هذه الحياة أكرهها ولكنني لا أكره أولئك المختلفين معي فكريا, بل أصلي من أجل أن يغمرهم الله بالنور وبالعقلانية وبالمنطق, أخشى على نفسي في يوم من الأيام أن أتورط وأصبح انتحاريا أو شريرا أو معتوها , أخشى على نفسي من أن أحمل السلاح وأطلب من غيري أن يلتزم بما أنا ملتزمٌ به أو أن أقول له: سأقتلك وآخذ زوجتك أو ابنتك سبية لي وملك يمين لي , أخشى أن أقول لغيري: إما أن تؤمن بما أومن به وإما أن تدفع لي الجزية وإما أن أقطع رأسك, أخشى أن تتلوث أفكاري ومعتقداتي, فأنا توصلت للفكر الإنساني الطويل بعد أن قرأتُ عشرات الكتب والمشاريع الضخمة الخاصة بالفكر العربي والشرقي على وجه الخصوص وحصلت على ثقافة واسعة تؤهلني لأن أحب غيري وأحترم معتقدات غيري, فعلى الرغم من أنني من عائلة مسلمة وأهلي كلهم متدينون يصومون ويصلون ويعتمرون إلا أنني لم أتأثر بثقافتهم الدينية بل انتهجت نهجا علمانيا توصلت من خلال هذا الفكر للحرية, فأنا أحترم كل إنسان في بيتي وأحترم دينه ومذهبه ولا أتدخل في حياة غيري رغم أنهم يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة بحياتي, وأخشى على نفسي أن أصبح واحدا منهم أي أن أتدخل في حياتهم وطريقة ملابسهم وأكلهم وشربهم وصلاتهم, أنا أطلب من الجميع أن يحترموا حريتي وهم لا يحترمون هذا المبدأ وأخشى على نفسي أن أكون واحدا منهم لا أحترم ما يؤمنون به.

الضغوط من حولي كثيرة وأهمها أن أولادي الآن أصبحوا يافعين وعقليتهم عقلية إسلامية بحتة بفعل تربية أمي وزوجتي لهم وهم بدئوا يتدخلون بي وبما أكتبه حتى أحيانا أجدهم فوق رأسي وأنا أكتب حيث يسألونني:ماذا تقصد يا بابا بكلمة(علمانية) أو بكلمة(الحرية) فأجيبهم بما أعرفه فيعارضونني ويقولون لي: لا لا يجوز إن الدين عند الله الإسلام, هؤلاء يشكلون بالنسبة لي ضغطا عصبيا كبيرا وكثيرا عليّ وأفكر بأن أهرب بهم وأهاجر إلى أماكن بعيدة لا يصلها المد الإسلامي.

اليوم في الحياة العصرية لا أحد يتدخل بأحد إلا المسلمون, هم وحدهم من يقيد الحريات العامة, فنجد مثلا أن الدين الإسلامي ضد العلمانية وضد الليبرالية وضد الشيوعية وضد الاشتراكية وضد الفن والأدب وأخلاق المجتمع الكتلي الصناعي, ضد مؤسسات المجتمع المدني وضد لباس المرأة والتبرج وضد حرية التفكير والاعتقاد وهذه أمور خطيرة جدا تعيق تقدم المجتمع المدني المعاصر, في حين أن المجتمع المدني المعاصر ليس ضد أحد, بل يطلق الحرية للجميع.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.