هل يحتاج العلم إلى تجديد خطابه ؟؟

من أهم وأخطر الفوارق بين الدين والعلم أن الدين يحتاج من آن لآخر أن يجدد خطابه بينما العلم لا يحتاج أبدا إلى مثل هذا الشىء .
لماذا ؟
لأنه ببساطة شديدة ينظر الدين إلى نفسه باعتباره كاملا لا ينقصه شىء بينما ينظر العلم إلى نفسه معتبرا نفسه ناقصا يكتمل بمرور الأيام والعقود والقرون .
لامانع لدى العلم أن يعتقد ذات يوم أن الذرة لا يمكن أن تنقسم ثم يكتشف بعد قرون أن إنشطارها ممكن الحدوث …. لا مانع لديه أن يستنتج ذات يوم أن الشمس تدور حول الأرض ثم وبعد بحث وجهد يعترف بخطأه ليخرج علينا بنتيجة معاكسة تماما مفادها أن الأرض هى التى تدور حول الشمس …. لامانع لديه أن يكتشف من وقت لآخر عنصرا جديدا كان مخفيا فى الطبيعة أو تم تخليقه فى المعمل ليضاف الى عناصر الجدول الدورى فيزيدها واحدا فجدول العناصر الكيميائية ليس منزلا من السماء ولا مقدسا لا يمس ……. الأمثلة كثيرة جدا لا تعد ولا تحصى وكلها تحكى حكاية واحدة أن العلم يجدد نفسه يوما بعد يوم وأن عدد الأسرار التى كانت خافية على البشر تقل بمرور الوقت لأنها تكتشف تباعا … العلم لا يخجل أبدا من الاعتراف بالخطأ فى نفس اللحظة التى يكتشف فيها الصواب فالخطاب العلمى – ان جازت تلك العبارة – لا يحتاج إلى تجديد لأنه يتجدد من تلقاء ذاته اوتوماتيكيا بمجرد الكشف عما هو جديد والإعلان عن آخر المستجدات العلمية .

العلم جرىء جسور مقدام لا يفترض فى نفسه الكمال فإذ به يكتمل بناؤه كل يوم شبرا وذراعا ولا يتوقف عن التجارب ولا يمل من تكرار المحاولات وينزع عن نفسه دائما رداءه القديم .
اما الدين فشأنه مختلف جدا لأنه يفترض فى نفسه دائما الكمال ويفترض أن لديه الحلول لكل المشاكل فى أى عصر فماذا تكون النتيجة ؟؟ …. مآزق فقهية وتاريخية وعلمية جديدة يقع في شركها الدين كل يوم ولا يكون أمامه من حلول سوى تجديد الخطاب الذى يشبه هنا الزى العسكرى الذى يتم توزيعه على الجنود الجدد يوم التحاقهم بالجيش دون وضع المقاسات فى الاعتبار فيكون على كل جندى أن يقوم ” بتأييف ” او ” بتكييف ” زيه ليناسب مقاسه فيقوم بتقصير البنطلون وتعريض الجاكيت أو بتضييق البنطلون وتقصير الجاكيت وهكذا .
الدين لا يقبل الاعتراف بالخطأ لذلك يستعيض عنه بتجديد الخطاب فإذا اتهم أحد ما أن العهد القديم تأثر ببعض الأساطير خرج علينا المفسرون بخطاب دينى جديد ليوائم بين النص والاسطورة فيما يشبه عملية تأييف الزى العسكرى للجنود الجدد .
الدين جبان يخشى المواجهة فيلجأ إلى المنع والتحريم والحبس والرمى بتهم الزندقة والهرطقة اما العلم فلا خوف فيه أو منه ولا يخاف من زنادقة أو مبتدعين بل لعله هو يبحث عنهم لأنهم من الزاوية العلمية هم الذين سيأتون بالسبق وسيكتشفون الجديد .
العلم مربوط دائما بالمستقبل بينما الدين بالماضى وهما كلاهما منذ فجر التاريخ يلعبان معا لعبة شد الحبل حيث يمسك كل منهما بطرف الحبل بقوة فيحاول الدين أن يشد العلم للماضى بينما يحاول العلم أن يشد الدين للمستقبل .
لا يعنى العلم أن تتطابق اكتشافاته مع النصوص الدينية المقدسة فى اى كتاب ولا يخضع نفسه لها بل العكس هو الذى يحدث دائما فالدين هو الذى يحاول لاهثا أن يخضع العلم تحت سيطرته محاولا دائما إثبات أن نصوصه لا تتعارض مع الاكتشافات العلمية السريعة الإيقاع والكثيرة الكم ….. !
لست أزعم لنفسى فهما عميقا أو رؤية صائبة ولا أمانع أبدا أن يضع أحد ما يدى على خطأ فى فكرة ذكرتها او فرضا اعتقدت أنه صائب وهو ليس كذلك فالكمال لله وحده ونحن كلنا مثل العلم ناقصون .

أنطون رمسيس

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.