هل أضحت ايران حُبلى بأحداث وتحولات مصيرية؟

فاجأ الإيرانيون العالم على مشارف العام الجديد 2018، بحراك شعبي مثير ورفع شعارات خالية من اللون الديني ومن الإشارة حتى إلى الرموز الدينية المعارضة كما جرى في كل مراحل الحراك الشعبي في عهد الجمهورية الاسلامية الإيرانية. فشعار “مردم را ذله كرديد، اسلام پله کردید”، أي ” لقد أذللتم الشعب، وحولتم الاسلام إلى سُلّم تتسلقون عليه”، هو شعار يطرح لأول مرة وتعبير عن مطالبة المتظاهرون بفصل الدين عن الدولة والتخلي عن تسييس الدين. ومن المفارقة أن ينطلق هذا الحراك الشعبي في نفس يوم تفجر الحراك الشعبي عام 2009 احتجاجاً على تزوير انتخابات الرئاسة، وتم قمع ذلك الحراك آنذاك من قبل حكام التطرف الديني في إيران.

الشعب الإيراني يبحث عن الحلول
يتميز هذا الحراك الشعبي الإيراني الحالي، شأنه شأن غالبية الانفجارات الشعبية في تاريخ إيران الحديث بطابع المفاجأة والعفوية وغير المتوقعة والتي تميزها عن غالبية الانفجارات الشعبية في العالم. فهذا الشعب قد “يمهل، ولكنه لا يهمل”، ولا يتحمل ولا يصبر طويلاً على الهوان والذل. لقد شمل الحراك الأخير غالبية المدن الايرانية الرئيسية، وبدأت شرارته عندما قدمت الحكومة الميزانية السنوية إلى مجلس الشورى الاسلامي والتي قضت بتقليص أو حذف فقرات من نفقات الإعانة الاجتماعية وزيادة ميزانية الدفاع والأجهمزة الأمنية بمقدار 60%، إلى جانب زيادة نفقات المؤسسات الدينية. وبدأ الحراك في مدينة مشهد الدينية، وهي تعد معقل للتيار الديني، ليطال المناطق التي تعرضت إلى الدمار والضحايا الكبيرة جراء الزلال الذي وقع في غرب إيران يوم 12 تشرين الثاني 2017 بقوة وصلت إلى 7.3. ثم انتقل الحراك تدريجياً إلى ما يزيد عن 20 مدينة رئيسية ليمتد بدرجة محدودة إلى العاصمة الإيرانية طهران.
بدأ الحراك الشعبي على خلاف ما سبقه في عهد الجمهورية الاسلامية خارج العاصمة. فهي لم تبدأ في طهران، وهي التي تحتضن الطبقة الوسطى الإيرانية، وتبقى ضمن حدودها كما جرى في السابق، بل انتشر في سائر المدن الإيرانية في أيامها الأولى. وهذا مؤشر على الطابع الطبقي للفئات المحرومة من الشعب الإيراني التي تقطن هذه المناطق. ويعكس هذا الانتشار الجغرافي حقيقة أن الشعب الإيراني بمختلف مناطقه يتعرض إلى نفس المشاكل الخطيرة التي تكرست في ظل نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية.

الشعب الإيراني اصرار على التغيير
وعلى الرغم من الطابع المفاجئ وغير الموقوت للحراك، إلاَ أن لهذا الحراك جذوره ومسبباته. فلم يؤد الاتفاق النووي الايراني مع الدول الست إلى فتح الباب أمام معالجة الركود الاقتصادي الايراني ورفع الجزء الأعظم من اجراءات الحصار الاقتصادي ضد إيران. وجاء الهبوط الحاد في اسعار النفط ليضيف عاملاً مؤثراً آخراً في تدهور الحالة الاقتصادية وتصاعد مشاعر الاستياء خاصة عند الفئات المحرومة. ولم يستطع الرئيس الجديد حسن روحاني (الاصلاحي) في ظل هذه الظروف إتخاذ أية خطوة للحد من الآثار السلبية للوضع الاقتصادي المتدهور. فهو لم يتمكن من معالجة وتغيير الطابع الريعي والتجاري للاقتصاد الإيراني وإصلاح النظام المصرفي الفاسد. ولم يستطع الرئيس الإيراني تحقيق أي من وعوده اثناء حملة الانتخابات الرئاسية حول مكافحة الفساد و الغلاء و الاختلاس والبطالة والفقر وضمان الحريات العامة والالتزام بالقوانين وإجراء إصلاحات في المؤسسات الأمنية والقضائية والعسكرية والمساواة بين الرجل والمرأة في العمل والكف عن سياسة التمييز المذهبي. فقد وقف الجناح الأكثر تطرفاً في الحكم سداً مانعاً أمام تحقيق أي قدر من الاصلاحات التي وعد بها حسن روحاني الناخب الإيراني. ولذا وليس من قبيل الصدفة أن يرفع المتظاهرون شعار “إننا نادمون”؛ أي ندمهم على التصويت لصالح حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية. وسار البعض إلى حد أبعد وأعلن عن عدم إيمانهم بجدوى إجراء الانتخابات في ظل ولاية الفقيه وتحكم المرشد بكل مفاتيح السلطة والثروة. وهذا يؤشر إلى تغيير جدي في وعي المواطن الإيراني، خاصة لدى الفئات المحرومة في المجتمع والتي كانت تمثل القاعدة الرئيسية للنظام الحالي.
ولقد حذر العديد من أركان الحكم من مغبة عدم حل مشاكل البلاد، وأشاروا إلى احتمال مثل هذه التحولات المفاجئة. فقد أشار النائب في مجلس الشورى الاسلامي محمود صادقي إلى “أن تجاهل واقع الاستياء الذي يحيط بالمجتمع يشكل خطراً وخيماً على المجتمع، وحذر من الأجواء البوليسية التي تسود في المجتمع الإيراني”. أما السيد محسن رناني، الباحث السياسي والاقتصادي الاسلامي والمدافع عن الجمهورية الإسلامية فإنه “يحذر من التمسك بالسياسة الفاشلة للحكم، وضرورة إجراء تغيير في الخطاب والسياسة وإعلان المصالحة الوطنية والعفو العام عن السجناء السياسيين وأحترام الأقوام الإيرانية غير الفارسية والمواطنين الإيرانيين من غير الشيعة، وتجنب الفوضى التي اقترنت بالثورة الإيرانية”. ويؤكد المحلل الإصلاحي الإسلامي سعيد شريعتي “أن الاستياء من حكومة حسن روحاني هو أقل بكثير من مشاعر الاستياء الذي يعم المجتمع أزاء الحكم بأجمعه. فالمحور الرئيسي لمطالب الشعب يتركز حول رفع القدرة الشرائية لأفراد المجتمع، وهم الذين يشكلون الجزء الأعظم من السكان. فحسب وزارة الرفاه الإيرانية فإن 40 مليون نسمة من الإيرانيين يستلمون الإعانة المالية النقدية من الدولة، ويضاف إلى ذلك ملايين العاطلين عن العمل، وهؤلاء جميعاً يشكلون القوة الأساسية لحملة الاحتجاج. أما الطرف الآخر من المحتجين فهم الفئة التي تطالب بالأساس بحرية الانتخابات ورفض أساليب الإكراه التي يتبعها الحكم. وتمثل الفئة الثالثة المحتجون المثقفون الذي يطالبون بحرية التعبير وإلغاء الرقابة على النشاط الثقافي والفكري وحرية الانتقاد السياسي”.
لقد أشار كاتب هذه السطور في مقال له نشر بعد الانتخابات الرئاسية، إلى أن رئيس الجمهورية ليس لديه أية صلاحية في اتخاذ أي قرار دون الرجوع إلى المرشد الأعلى الذي يمسك بيده بكل مفاتيح المؤسسات الأمنية والقضائية والسياسة الخارجية والإعلام، وهو الذي يتمتع بدعم الجناح الأكثر تطرفاً في الحكم. فالرئيس حسن روحاني لم يستطع حتى إطلاق سراح أحدى الصحفيات الايرانيات التي اعتقلت بتهمة واهية. فالرئيس الإيراني يتعرض دائماً إلى التهديد بالإزاحة من قبل ولي الفقيه الذي يلوح على الدوام بحادث عزل أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية الإسلامية من قبل ولي الفقيه آية الله الخم. فالقانون الأساي الإيراني يبيح لولي الفقيه عزل رئيس الجمهورية.
إن الحراك الراهن وخلافاً للتحركات الشعبية السابقة عندما التزم المتظاهرون بشعارات مطلبية محددة، قد تجاوز الأمر الآن لتطرح لأول مرة شعارات تمس جوهر ومستقبل النظام الحاكم من قبيل شعار” لا نريد الجمهورية الاسلامية” و شعار “استقلال ، حرية ، جمهورية إيرانية”، بدلاً من الشعار الذي يرفعه الحكام “استقلال، حرية، جمهورية اسلامية”. وبلغت الشعارات حداً بحيث رفع المتظاهرون شعار يمس المرشد الأعلى مثل “الموت لخامنئي”، إضافة إلى تمزيق صوره. بالطبع إن كل دوافع هذا الحراك الشعبي الواسع الآن يعود إلى عوامل داخلية بالأساس، وليس إلى مؤامرات خارجية وأموال يهدرها هذا الطرف الإقليمي أو ذاك ، كما يدّعي الجناح الأكثر تطرفاً في الهيئة الحاكمة الإيرانية. وقد ادعت صحيفة كيهان الناطقة بأسم الجناح المتشدد في الحكم أن ” مصدر الاحتجاجات يعود إلى تل أبيب وواشنطن والرياض، وإن جميع المشاركين في الحراك هم حلفاء لهؤلاء”. هذا بالرغم من أن هذه الأطراف تكثف كل جهودها من أجل اغتنام أية فرصة لخلق المصاعب أمام هذا النظام.
إنه لمن اللافت للنظر إن هذا الحراك قد انتقل بسرعة البرق إلى عشرين مدينة إيرانية، وهي ظاهرة نادرة الحدوث في التاريخ السياسي الإيراني. إذ لا يوجد أي مركز أو تجمع سياسي يوجّه المتظاهرين، فليس لدى المتظاهرين من “سلاح” سوى الإمكانيات التي توفرها تكنولوجيا المعلومات وأدوات الاتصال الحديثة التي بادرت السلطة الحاكمة في الساعات الأخيرة إلى تعطيل عملها. لقد تجاوزت شعارات المشاركين في الحراك ما طرحه المتظاهرين في التحركات السابقة وتحولت إلى شعارات ضد النظام برمته وبكل أطرافه وبسياسته الداخلية والخارجية. وهكذا رفع بعض المتظاهرين شعار “اصلاح‌ طلب، اصولگرا، دیگه تمومه ماجرا”؛ أي ” انتهت لعبة الاصلاحي والمتطرف إلى غير رجعة”. وكما جرى التركيز على السياسة الخارجية للنظام كشعار “سوریه را رها کن، فکری به حال ما کن”، أي “اترك سورية وفكّر بحالنا” و ” نه غزه، نه لبنان، جانم فدای ایران”، أي “لا غزه ولا لبنان، روحي فداء لإيران”. هذه الشمولية بالشعارات تعكس بدون شك حجم الغضب المكبوت والمتراكم عند الشعب الايراني ضد نظام الحكم في ايران خلال اربعين سنة من تسلط التطرف والاكراه الديني على رقاب الإيرانيين، بحيث تجاوز المتظاهرون طرح شعارات مطلبية أو إصلاحية فقط، بل طالت لتشمل إزالة النظام بكل تفاصيله.
ومما يجلب الانتباه هو أن هذا الحراك لم يطل المناطق القومية مثل كردستان وآذربايجان وبلوجستان وعربستان، مما يدل على الفجوة الأثنية التي تفصل مكونات الشعب الإيراني. فالمكونات القومية لم تتلقى أية إشارة من جانب هذا الحراك الشعبي لمطاليبها كي يدفعها إلى الإندماج بهذا الحراك المشترك كشمول هذه المناطق بتوزيع عادل للثروة وتأمين الحريات الديمقراطية وأحترام الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية والتخلي عن سياسة التهميش ضد هذه المكونات القومية والمذهبية.
في خضم هذه التطورات السريعة التي تشهدها الجارة إيران، ينبغي الإشارة إلى ردود فعل أطراف الحكم والقوى السياسية داخل إيران وخارجه واصطفافها، إضافة إلى ردود الفعل الإقليمية. فأطراف الحكم غير موحدين في موقفهم تجاه التعامل مع هذا الحراك الشعبي الواسع. فلم يعلن المرشد علي خامنئي موقفه من الأحداث حتى كتابة هذه السطور، ولا يعرف سر هذا الصمت. كما يصطف الرئيس روحاني وكل الطيف الذي يدعم حكومة روحاني على بعد من التيار المتشدد في هذا الحراك خشية من الشعار الذي رفعوه حول اسقاط الحكومة. إنهم تعاطفوا في الأيام الأولى مع حركة الاحتجاج، ولكنهم غيّروا موقفهم مع رفع المتظاهرين شعار إسقاط النظام في اليوم الثالث من الحراك، رغم تأكيد الرئيس الإيراني روحاني على حق المواطن الإيراني في التظاهر السلمي حسب القانون الأساسي.
لقد أصيبت كل أجنحة الحكم بالدهشة لهذه التطورات، وقام كل طرف باستغلال هذا الحدث من أجل إضعاف منافسيه وتوجيه الاتهام له بما آلت إليه الأوضاع، وهو مؤشر على الارتباك الذي أحاط بأطراف الحكم ودليل على الإنشقاق داخل أجنحته. ويبدو أن هذا هو السبب الذي يكمن وراء تأخر الحكم في اتخاذ اجراءات بالغة الشدة ضد المتظاهرين، إضافة إلى حساسيتهم من ردود الفعل الدولية. فردود الفعل الدولية يمكنها أن تشكل عامل ردع ضد أية إجراءات قاسية من جانب الحكم ضد الحراك الشعبي.
أما على نطاق مواقف القوى السياسية المعارضة في الخارج ذات التأثير الضعيف في سير الأحداث، فقد اتخذت بعض القوى مواقف إلى جانب الشعار الأكثر شدة وهو اسقاط النظام برمته. ويصطف في هذا الموقف قوى متناقضة مثل مجاهدي خلق وأنصار الأمير رضا بهلوي، الذي يرفع أنصاره شعار “با شعارایران که شاه نداره، حساب کتاب نداره، رضا شاه، روحت شاد” أي “ايران بدون شاه، ليس فيه لا حساب ولا كتاب، رحمك الله يا رضا شاه”. كما يشاركهما في الموقف اليسار المتطرف وبعض المنظمات القومية في حلف غير معلن، وأبدوا دعمهم الكامل للحراك وشعاراته. إن بعض أطراف هذا التيار يسعى في هذا التصعيد إلى دفع الأحداث خارج إطارها السلمي لتتحول إلى مواجهات عنفية يمكن للعامل الخارجي أن يلعب دوره كما يأملون على غرار ما حدث في بعض البلدان العربية. أما التيار الآخر فهو مطلبي سلمي يسعى إلى تجنب العنف من قبل الحكم ومعارضيه، ويضم تيار نهضة الحرية ( التي اسسها المرحوم مهدي بازركان) والجبهة الوطنية واتحاد انصار الجمهورية وبعض التيارات الدينية القومية. هذه الأطراف تنظر بقلق على سير الأحداث التي قد تتطور بسرعة وينفلت الزمام وتؤدي إلى مواجهات مسلحة لا تحمد عقباها. فأية مواجهة مسلحة ستلغي أية فرصة في احتمال انتقال أطراف في الحكم إلى القوى التي تسعى إلى الاصلاح والتخلي عن نمط الاستبداد الديني وتعميق التناقضات داخل التيار الحاكم من ناحية، ومن ناحية أخرى ستشل الدور الفعال للفئات الوسطى في إحداث أي شكل سلمي من أشكال التغيير والإصلاح في الحكم، هذا إضافة إلى أن المواجهات المسلحة تمهد للتدخل الخارجي الذي سيلغي أية فرصة للتطور السلمي للأحداث وما يرافقه من آثار مدمرة على البلاد. فالمواجهات العنفية يتمناه ويسعى إليها الطرف الأشد تطرفاً في الحكم والذي يتحكم بالقوة العسكرية الكافية لحسم المعركة في المواجهة العنفية.
عند النظر إلى كل التطورات الأخيرة على الساحة الإيرانية، يبدو أنه من الصعوبة بمكان عودة الحكم إلى الأساليب التي سبقت هذا الحراك الشعبي الخطير؟ وهل ستقدم الفئة الحاكمة على خطوات لمراجعة سياساتها السابقة؟ ولكن كيف سيتم ذلك؟ وهل ستستطيع الفئة الحاكمة إخماد هذا الحراك؟ وهل سيتطور هذا الحراك السلمي حتى الآن إلى مواجهات مسلحة وعنفية في ظل انعدام أية هيئة أركان لهذا الحراك وعدم وجود ستراتيجية واضحة موحدة له؟ أسئلة كثيرة جدية سيجيب عليها تطور الأحداث في الأيام القادمة.
2/1/2018

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.