هلوسة فوق ركام سوريا

 النهار اللبنانية:  موناليزا فريحةmonalisa

عندما زار الاخضر الابرهيمي دمشق في كانون الاول 2012، اختصر بشار الاسد اجتماعه معه بعدما “تجرأ” الموفد الدولي والعربي على مفاتحته بإمكان عدم ترشحه للرئاسة مجدداً في انتخابات 2014. وها هو عاد اليها أمس بعدما أقر تقريبا بحق مضيفه في الترشح لولاية جديدة سنة 2014، وإن يكن نسب ذلك الى رأي مقربين منه. قال الديبلوماسي الجزائري بصراحة: “كان الاسد منبوذا وصار شريكا… بشار لم يسقط قط، وليس من سبب يدفعه الى التفكير في ذلك”.

يخال المرء وهو يقرأ مقابلة الابرهيمي مع مجلة “جون أفريك” أن الزمن عاد الى الوراء لا سنتين ونصف سنة، عندما كان الاسد لا يزال ممسكا ببلاده طولا وعرضا بقبضة من حديد، وإنما سنوات، وتحديدا الى مطلع الالفية،عندما علق الغرب آمالا كبيرة على “الرئيس الشاب” و”طبيب العيون الآتي من بريطانيا” في انفتاح واصلاح في سوريا. يعتقد الممثل الدولي والعربي أنه يمكن الاسد “أن يساهم بشكل مفيد في الانتقال بين سوريا الماضي، وهي سوريا والده، وسورياه، وما اسميه الجمهورية السورية الجديدة”، متناسيا أن هذا الرئيس شريك أساسي في حرب أودت بأكثر من 120 الف قتيل.
تنبع خطورة كلام الابرهيمي، لا من كونه يمثل تحولا في موقف الممثل الدولي والعربي، وإنما تبدلا في المناخ الدولي العام حيال سوريا، بعدما كانت دول كبرى قبل أقل من شهرين على وشك توجيه ضربات عسكرية للنظام السوري. والاخطر من التحول نفسه ذريعته المتمثلة في تخلي الرئيس السوري عن ترسانته الكيميائية، وقت يعزز ترساناته الاخرى من الاسلحة التقليدية ودعم روسيا وايران والعراق و”حزب الله”.
ما يحصل في سوريا أبعد بكثير من الاسلحة الكيميائية ومؤتمر سلام قد ينعقد وقد لا ينعقد. في سنتها الثالثة، تكاد الحرب تحول مناطق القتال أرضا جرداء. الظواهر الغريبة التي أفرزتها المعارك تحول الاخبار الواردة من سوريا أشبه بقصص الرعب. “حرب التجويع” التي يشنها النظام السوري دفعت كثيرين الى أكل القطط والكلاب. كل هذا لن يتوقف بمجرد تجريد النظام من غاز السارين. “المنع المنهجي” للمساعدات الطبية والانسانية عن جزء كبير من السوريين لن ينتهي باتلاف غاز الاعصاب. التملق للأسد وتنصيبه شريكا في مرحلة انتقالية قبل ضمان أية تنازلات يزيدان ارباك المعارضة وتشتتها. بدء سحب البوارج الاميركية من قبالة الشواطئ السورية، “بعدما أنجزت مهمتها” يزيح عن صدر نظامه التهديد بالضربة العسكرية نهائيا.
كان يمكن الولايات المتحدة ابقاء بوارجها في المنطقة وتهديد النظام السوري بضربة عسكرية اذا لم يسمح بايصال المساعدات الى السوريين المهددين بالجوع والامراض في مناطق محاصرة قرب دمشق، لكنها ارتأت عوض ذلك الاكتفاء بنداء فارع لجون كيري يناشد “العالم التدخل سريعا”! في مقابلة الابرهيمي كما في مقال كيري في “الفورين بوليسي” كثير من الهلوسة فوق ركام سوريا.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.