نحو مضاعفة نصيب ( أولاد الحرام ) بالميراث : ـ

schwar_schriv

ارنولد شوارزنيغر الممثل المعروف ومحافظ ولاية كاليفورنيا يعترف بأبنه الغير شرعي(بالحرام) مع انه زوج ماريا شرايفر وهي متدينة كاثوليكية وابنة عائلة كينيدي الرئاسية الاميركية

يحتفي الخطاب الديني بتحرير الإسلام للناس من جاهلية التفاخر بالأنساب والأحساب ، والإرتهان إلى الأعمال التقيّة عند تقيِّم الإنسان إستناداً إلى الآية القرآنية ( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، وذلك إستناداً كذلك لما جاء في الأثر النبوي ( لا فضل لعربيٍ على أعجميٍّ إلاّ بالتقوى ) . ولكن سرعان ما يتم الإلتفاف على هذه النصوص من قِبل المحتفين بها أنفسهم على وطئ ضربات الفقه وطيات التراث المتراكمة بالمخيال الجمعي للمسلميين ، ذلك التراث الذي إستحال إلى بستان ينضح بالمتعدد والمتناقض من النصوص التي يُمكن لأيّ صاحب غاية أو مراد أن يجد ما يُدعِّم غايته ومراده بواسطة تلك النصوص التي يعج بها بستان التراث ذاك . حيث نجد مصطلحات مثل ( إبن السفاح ، إبن الزنا ، إبن الحرام ) قد أخذت حيِّزاً واسعا في الفضاء الفقهي التراثي الذي لايزال فاعلاً في وجدان الغالبية الساحقة من أفراد المجتمعات الإسلامية ، بل وما يزال فاعلاً على مستوى تشاريع تلك المجتمعات القانونية ، وذلك على الرغم من الآية القرآنية أعلاه ، ففي الوقت الذي وسّع فيه القرآن من من مظلة المستحقين للإرث لتشمل الفقراء والمساكين في قوله : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) نجد الفقهاء قد ضيّقوا تلك المظلة ليُقصوا منها حتى إبن المتوفى ( إبن الزنا ) !

.فالدين الذي يفخر أتباعه بأنّه أتى ليُحرِّر الناس من عنجهيّات النسب ونرجسيات الأعراق إستحال على أيدي أتباعه أنفسهم إلى دين يمنح الحقوق ويغتصبها بناءً على هذا النسب الذي يُزعم في محضر الإحتفاء به أنّ الإسلام همّشه وأقصاه ، فالإنسان المولود من غير ( عقد زواج ) يُسمى بإسم إبن الحرام ، رغم أن لا ذنب له في هذا ( الحرام ) حتى يلتصق به إلتصاقاً إسميّاً أبوياً لا فكاك منه ،و يُحرم بموجبه من الميراث ، بل ويشتط البعض من الفقهاء ويذهبون إلى منعه من الشهادة والصلاة بالناس وإخراجه من أرومة العدول إلى أرومة المجروح فيهم ، بل وإتهامه بأنّه كالبهيمة بلا روح ولا أمل في صلاحه كما ذكر المفكر الإسلامي المعروف ( محمد أبو القاسم حاج حمد ) في كتابه ( تشريعات الأسرة في الإسلام ) والذي قال فيه :
(( من المنطق توالي نصوص القرآن المجيد المكنون الكريم فالله يخبرنا بحقيقة أنّ إبن الزنا لا تُوهب له الرُّوح ، فغالباً ما تكون قد سُلبت نعمة الرُّوح من والديه لحظة الزنا وإن كانت الرُّوح فيهما من قبل ، فلا يزني الزاني إن كان مؤمناً بروح إلاّ و تكون الرُّوح قد فارقته كما تكون قد فارقت الزاني لحظة الزنا فكيف يكون الأمر تجاه ثمرة الخطئية ؟ ))

هكذا نجد أبو القاسم حاج حمد ـ أحد أبرز المفكرين المجددين بساحة الفكر الإسلامي المعاصر وأكثرهم إنتاجاً معرفياً ـ يحكم بإسم القرآن والله على الإنسان المولود بدون ( عقد ) زواج بأنّهُ إبن وثمرة خطئية وأن لا روح فيه بمنتهى البساطة ، بل ويذهب ( حاج حمد ) إلى أبعد من ذلك ويصفه ـ أي إبن الزنا ـ بالفاجر ويُشببهه بالبهيمة كما سنرى لاحقاً . وإمعاناً من المفكر ( حاج حمد ) في إحتقار ( ابناء الزنا ) يُلحق بأرومتهم إبن نوح الذي شقّ عصا الطاعة على والده كُفراً بنبوته ، ويستدل ( حاج حمد ) على هذا باية بالقرآن تقول : ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين * فخانتهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئا وقيل إدخلا النار مع الداخلين ) حيث يقول ( حاج حمد ) في تلك الآية : (( وقال الله عن تلك المرأة المنسوبة لنوح أنّها ( عمل غير صالح ) وقال الله إمرأة نوح ولم يقل زوجة نوح ، وواضح أنّ تلك المرأة لم تتوب إلى الله حتى يتطهر رحمها فتنموا فيه نطفة التوبة { وقيل ادخلا النار مع الداخلين} )) .

ويواصل المفكر الإسلامي ( حاج حمد ) عملية الإستدلال بالقرآن ليُبرِّر رؤيته الدونية ( لأبناء الزنا ) فيستحضر الآية التي تقول : ( ذرِّية من حملنا مع نوح إنّه كان عبداً شكورا ) فيقول ( حاج حمد ) بشأنها : (( وهنا الإشارة إلى من هم مع نوح لا إلى نوح نفسه )). ليُدعِّم قوله بأنّ أبناء الزنا ـ كالإبن المنسوب لنوح ـ حسب زعمه ـ لا خير يُرتجى ولا عمل صالح يُنتظر منهم ، ويورد في ذات السياق ـ أي ( حاج حمد ) ـ آية أخرى تقول : ( اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرِّية آدم وممن حملنا من نوح ومن ذرِّية إبراهيم ) حيث يقول ( حاج حمد ) في قراءته لتلك الآية : ((فهنا الذِّرية من آدم ومن إبراهيم ، أمّا نوح الذي يأتي بينهما فالإشارة ليست إليه ولكن إلى مّمن حملنا مع نوح )) . ثم يورد (حاج حمد ) بعد ذلك آية صرّحت بشكل مباشر بالإشارة إلى ذرِّية نوح والتي تقول : ( ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذرِّيتهما النبوّة والكتاب ) ، ليقول بأنّ تلك الآية لا تتناقض وما ذهب هو إليه من أن لا ذرِّية لنوح ، وأنّ الإشارة هنا إلى أنّ نوح هو الأب الثاني للبشرية ( بعد آدم ) .

ما يُريد ( حاج حمد ) قوله هنا هو أنّ إبن الزنا هو عاصيٍ بالفطرة حتى ولو ترعرع في كنف الانبياء والأتقياء كإبن نوح ، وما حرصه على تأوُّل الآيات أعلاه على أنّها آيات تنسب ( إبن نوح المُفترض ) إلى غير نوح نوح إلاّ لتسويغ وجهة نظره المتعلِّقة بدونية ( أبناء الزنا ) من الناحية الدينية في إبتزال أخلاقي من ( حاج حمد ) للكيفية التي يُتعامَل بها مع نصوص وتوظيفه لها على نحو أقل ما يوصف بأنّه توظيف براغماتي بل و إنتهازي . .
ولكن و وبغض النظر عن مدى صحّة قراءة ( أبو القاسم حاج حمد ) لتلك الآيات وتأويله لها ، وبغض النظر عن هل إبن نوح هو إبن زنا ولا علاقة بيولوجية له بنوح أم لا ، هل لمفكِّرنا تبرير ( منطقي ) أو ( أخلاقي ) أو (عقلاني ) لموقفه هذا من ( أبناء الزنا ) بعيداً عن التبرير الديني ، إذ من حق ( حاج حمد ) النظر إليهم على أنّهم شياطين أو خبث لا روح طيبة به ، لكن ليس من حقه إضطهاد حقوقهم القانونية كالميراث وغيره بناءً على رؤيته الميتافيزيقية تلك ، فهم أمام القانون بشر حتى ولو كنت أنت تنظر إليهم بمنظارك الديني كبهائم ؟، لذلك فهو ـ أي حاج حمد ـ مطالبٌ بأنّ لا يكتفي بالحُجّج الدينية بل يجب أن يُبرِّر لنا منطقياً وأخلاقياً هذه النظرة الدونية منه تجاه ( أبناء الزنا ) وحرمانهم من الميراث بل والإيحاء بإستحقاقهم للخسف كما يوحي إستحضاره لآية ( وقال نوح رب لا تذر على اللأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجراً كفارا ) .

يُجيب ( حاج حمد ) علينا فيقول في كتابه المُشار إليه آنفاً (( لعلّ السؤال هنا سيكون عن ذنب الإبن ؟ والإجابة تكمن في قياس معنى الزنا نفسه ، فإبن الزنا يُولد بحسابنه بهيمة وإذا كانت البهيمة تُحاسب فإنّه يُحاسَب ، غير أنّنا لا نعرف لليهيمة حساباً فهي تأتي ما هو خطأ في حسابنا ولكن ليس في حساب الله لها ، فإبن الزنا قابل بحكم أنّه بلا روح لأن يعيث في المجتمع فساداً وليس حسابه كحساب ذوي الأرواح ، غير أنّ مشكلته الكبرى تظل في عدم قدرته على التسامي الروحي لأنّه لا روح له ، وإن صلح كان في ذلك الخير كله وإن افسد فإنّ ذلك أقرب إلى طبيعته البهيمية )) إنتهى الإقتباس
والحقيقة فإنّني لأوّل مرة أقرأ لإنسان يُراوغ في إجابة سؤال هو نفسه من طرحه على نفسه !! فالسؤال كان عن ذنب الإبن في إضطهاده ورغم ذلك يأتي الجواب بأنّ إبن الزنا بهيمة ولا روح له ولا خير يُنتظر منه إلاّ على نحوٍ نادر وشبه مستحيل ، الأمر يُشبه إجابة قاتل عن سؤال وُجِّهَ لهُ عن الدافع للقتل فيجيب القاتل : لأنّ المقتول كان يستحق ذلك . فالإجابة لا تعدوا عن كونها ( لف ودوران ) ، إذ لماذا هو يستحق ذلك ؟ كما أنّ جوهر سؤال ( حاج حمد ) هو لماذا إبن الزنا هو بهيمة ؟ ولماذا لا يُعطيه الله روحاً كباقي البشر وهو من لا ذنب له في خطيئة أبويه ؟ .

لكن لن يطرح ( حاج حمد ) السؤال بهذه الصيغة الواضحة ، لأنّه بحكم موسوعيته وإطلاعه على الفكر الغربي والإنساني لا سيّما ببعده الحقوقي سيحار جواباً ، فلا سبب منطقي أو أخلاقي أو عقلاني واحد يُبرِّر حرمان طفلٍ أو إنسان من حقوقه الكاملة التي يتمتع بها إخوته فقط لأنّ المضاجعة التي أتى بموجبها إلى الوجود لم تتضمن ورقة أو شهود أو إشهار ، لا أريد التطرق إلى مفهوم الزواج الديني فهذا موضوع مختلف سبق لنا وأن عالجناه في مقالة بعنوان ( مفهوم المؤسسة الزوجية بالنّص القرآني ) ، ولكنني أريد هنا أن أتسائل حول مدى أخلاقية ومنطقية وعقلانية ربط المنظومة الحقوقية بالأنساب أو بالطرق التي تتم بها المضاجعات أو الممارسات الجنسية للاباء بغض النظر عن ماهية تلك المضاجعات هل تمت بورقة أم بدون ورقة زواج ، فحتى لو سلّمنا جدلاً بأنّ الزنا ( حرام / جريمة ) فما هو ذنب من لم يرتكب تلك الجريمة ؟ وهل يُجرّد من إنسانيته ليتحول إلى (شئ ) أو ( بهيمة ) إقل من الإنسان نتيجة لجرم لم يرتكبه هو ؟ ولماذا يُعاقَب ( إبن الزنا ) بالحرمان من الميراث بدلاً من أن تُفرض له حصصاً أكبر من إخوته نتيجةً لجرم والده بحقه والذي ألصق به هذا المسمى المحرج ؟
لماذا لا يُحرَم الأب ـ بإعتباره الزاني / المجرم ـ من ماله بدلاً من حرمان إبنه الذي أتى نتيجةً لزناه من ميراثه ؟ الإنسان يظل إنساناً حتى ولو زنى هو ، ناهيك عن زنا أبيه ، الإنسان حتى القاتل لا يحق لأحدٍ إخراجه من أرومة البشر فما بالك بالأبر ياء ، فالقاتل يُعامل بالرأفة حتى وهو يُقدّم للمشنقة ويُتحرى قدر الإمكان تخفيف آلامه النفسية بل والبدنية عبر تسريع عملية الشنق بالحبل أو بغيره .

يُبرَّر هذا الإجرام الفقهي بحق ( ابناء الزنا ) بحرص الإسلام ( الفقهي طبعاً )على حفظ الأنساب ونشر قيم الفضيلة والعفّة بالمجتمع . ولكن ما ذنب هؤلاء البشر حتى يُتخذوا كأدوات حرب بمعارك البعض من أجل العفّة والفضيلة ؟ وهل يجوز تحويل الإنسان إلى (شئ ) أو أداة أو عظة أوعبرة للردع عن جريمة هو لم يقترفها ، بل العكس كان هو أكبر المتأذين منها ؟
ثم هل حقاً حرمان (ابناء الزنا ) من الميراث يمثل إجراء يُضاعِف من عفّة المجتمع ويُحافظ على قيم الفضيلة به ؟ لا أعتقد ذلك ، فتلك المفاهيم الفقهية التي تضطهد (ابناء الزنا ) إستمرت فاعلة قانونياً لأكثر من ألف عام دون أن تتوقف ظاهرة الإنجاب ( سفاحاً ) ، بل معظم هؤلاء الأطفال يُمثلون بالغالب عبئاً بالنسبة للأب أو الأم لذلك فسرعان ما يتم التخلص منه ليستحيلوا إلى مجهولين بالنسبة لهذين الأبوين ، وبالتالي تنعدم هنا إمكانية أن يُمثل إضطهاد المجتمع لأبناءهم المولديين سفاحاً عقوبة لهما ، أي لهؤلاء الأبوين . ثم هل الفضيلة والعفّة مفاهيم فوقية متعالية إلهية حتى يُضحَّى من أجلها بالإنسان ، أم أنّ الفضيلة والعفة مفاهيم إجرائية لخدمة الإنسان وبالتالي يجب أن لا يتم بموجبها التضحية بالإنسان وحرمانه من الميراث وتهميشه ولفظه إجتماعياً كما يحدث (لابناء الزنا ) بإسم الفضيلة والعفة والتطهر ؟ .

إنّ العفة والفضيلة ليست في إضطهاد الإنسان بسبب نسبه وحسبه أو سمِّها الطريقة التي أتى بها للوجود ، ولكن هي في محاربة هذا الإضطهاد عبر كفالة المساواة قانونياً بين جميع البشر دون تمييزٍ على أيّ أساس ، العفة والفضيلة والأكثر أخلاقية فيما يجب أن نفعله تجاه تلك الشريحة الإجتماعية المستضعفة هو أن نحفظ أنسابهم أو بالأدق ـ حقوقهم الأبوية ـ عبر إتخاذ الحمض النووي كإثبات وحيد للأبوة وليس ورقة أو عقد الزواج ، يجب أن يتم التعامل مع الإنسان كإنسان مجرد ، لا تُقلِّل من إنسانيته تلك نوع الطريقة التي أتى بها إلى الوجود . فطالما ثبت عبر فحص الحمض النووي أنّ هذا الإنسان بيلوجياً ينتمي إلى (س) من الناس فهو يتمتع بكافة الحقوق التي يجب أن يتكفل بها ( س ) أبوياً بما فيها الميرآث ، وهذا هو ما يُعمل به اليوم في البلدان التي تتمتع بسيادة حكم القانون وتستند إلى مرجعية حقوق الإنسان العالمية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

محمد ميرغني – مفكر حر

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.