مواجهة عاصفة بين سعدية مفرح وأدونيس

أدونيس شال عن عورتو ورقة التين

حمزة عليان : القبس الكويتية
فاجأت الزميلة والشاعرة سعدية مفرح جمهور «مهرجان أثير الشعري» الذي عقد منذ أيام في العاصمة العمانية مسقط، وضم شعراء عمانيين وعربا وكانت «مداخلتها النارية» كما وصفتها بعض الصحف والأقلام، حديث أهل الشعر والسياسة والأدب».
ولم تخل المواجهة الفكرية من دفاعات مستميتة من قبل الشاعر أدونيس الذي حل ضيفاً على المهرجان وتحولت الى مناظرة من المستوى الرفيع بالحوار والاختلاف بالرأي نظراً لمواقفه «المنحازة» للنظام في سوريا.
حولت الزميلة سعدية مفرح، اللقاء الهادئ إلى ما يشبه «القصف الكلامي» الذي أثار الجمهور والاسئلة عن حقيقة دور المفكر أدونيس وكتاباته، حيث بدأت مداخلتها بالقول:
قال السيد ادونيس قبل قليل انه سعيد لأن عبارته ضيقة، واتمنى ألا يكون صدره ضيقا أيضا.. عن سماع ما أريد قوله والذي سبق ان كتبته ونشرته. لا أدري بأي صفة يخاطبنا أدونيس، وهو يرانا كعرب مجرد أمة منقرضة.
يعلّل أدونيس سبب رفضه مناصرة الشعب السوري في ثورته بأنها انطلقت من مسجد، ويرفض ذلك المنزع الديني الذي نزعت إليه. حسناً. يمكننا بسهولة تقبّل هذا التعليل في سياق علمانية أدونيس، لولا سابقته الشهيرة في تأييد الثورة الإيرانية التي انطلقت من «حوزة».
يومها، لم يكتفِ أدونيس بتأييد ثورةٍ يقودها «رجل دين» وبشعارات دينية وحسب، بل إنه بالغ كثيراً في تأييدها، إلى درجةٍ جعلته يتخلى قليلاً عن حداثته الشعرية، ويكتب قصيدة مديح تقليدية لتلك الثورة، قال فيها: «سأغنّي لـ(قم) لكي تتحوّل في صبواتي، نارَ عصفٍ، تطوّف حول الخليج». وعلى الرغم من أن صاحب «الثابت والمتحوّل» بقي ثابتاً على قصيدته تلك، ولم يتحول أو يحد عنها، أي أنه لم يتنصل منها في أي مرحلة من حياته لاحقاً، فإنه لم يجد غضاضة في الازورار عن الثورة السورية التي اشترك فيها، منذ البداية، المسلم والمسيحي وغير المؤمن بالأديان. في البداية، لم يتحمّس أدونيس للثورة، ثم انتقدها بشدة لاحقاً، ثم فضّل النظام الدكتاتوري الحاكم عليها. وأخيراً، رفضها تماماً، فقط لأنها لم تجد مكاناً، أو ظرفاً، تنطلق منه سوى الجامع، متناسياً قيمة الجامع ووظيفته في البلاد الإسلامية، وهي وظيفة تتعدى تقليدياً الدور الديني، لتجعل منه بؤرة من بؤر الحياة المدنية. ومن هذا المنطلق، لم يجد مثقفون ومفكرون سوريون كبار، ومحسوبون على التيار الليبرالي والعلماني، وباختلاف خلفياتهم الدينية، مثل صادق جلال العظم وعزيز العظمة وعبد الرزاق عيد وعارف دليلة وبرهان غليون وميشال كيلو، وغيرهم، أي غرابةٍ في أن يكون الجامع بداية الانطلاق للثورة، بل إنهم لم يتوقفوا عند هذه الجزئية الإجرائية، وهم ينحازون لصفوف الثوار، كما يليق بمثقفين حقيقيين».
◗ صراع وليس ثورة
وأضافت: «قرأت تقريباً كل مقالات أدونيس في السنوات الأخيرة، وتابعت معظم لقاءاته الصحافية والتلفزيونية، وخصوصاً التي تتناول الشأن السياسي والمجتمعي والفكري، ولكنني لم أعرف، حتى الآن، ماذا يريد أن يقول لنا بالضبط. لست، الآن، بصدد الكتابة عن شعره الذي يروقني، وأضع أدونيس، بسببه، في مصاف شعرائي المفضلين، لكنني أتحدث عن أفكار وآراء ونظريات يحلو للشاعر الكبير غالباً أن ينشغل بها، ويشغل قراءه معه فيها، منذ نشر كتابه «الثابت والمتحوّل» في السبعينات. وأدونيس الذي ترك الوطن العربي، مقيماً في باريس، يحلو له أن يبادر بإطلاله على «الجماهير» العربية، بين فترة وأخرى، مقيّماً لها وموجّهاً مسيرتها، ومنتقداً ما تقوم به، ولا أدري ما هدفه من ذلك، ما دام يرى أن «العرب في مرحلة انقراض»، كما قال في أحدث لقاءاته التلفزيونية، والذي أجرته معه «سكاي نيوز» العربية».
وأكملت: «فاجأ أدونيس مستمعيه ومشاهديه في المقابلة، بقوله إن «ما يحدث في سوريا صراع دولي، وليس كما حلمنا به أن تكون ثورة»، فهل كان أدونيس من الحالمين بالثورة فعلاً؟ وقال أيضاً: «الدكتاتورية الدينية أخطر من الدكتاتورية العسكرية»، ولا أدري كيف لمثقف يتوسّل جناحي الحداثة والعلمانية أن يفاضل بين الدكتاتوريات أصلاً، على اعتبار صدّقنا أن نظام الأسد ليس نظاماً دينياً (ووراثياً) معتمداً في هيكله التكويني على الطائفة العلوية».
◗ أسوأ ما قاله
أما أسوأ ما قاله أدونيس في المقابلة:
«نحن غير جاهزين للديموقراطية»، ويعني بضمير الجمع هنا الشعب العربي بأكمله. لم يوضح متى نكون جاهزين، وهل هو معنا غير جاهز، وكيف سنجهز، هل على يد النظام الدكتاتوري الذي سيعطي الشعب دروساً مجانية في تعلُّم الديموقراطية، أم على يد الغرب مثلاً؟ لا نعرف، فممثل الحداثة الرجعية، وفقاً لوصف عبد الله الغذامي، يسبح في فلكه الخاص، يقول ولا يسمع، ويوجّه ولا يناقش! لم يكتفِ أدونيس بنزع شرعية الثورة الراهنة في سوريا، بل عاد إلى الوراء، ليستهتر بدماء مناضلي سوريا على مر التاريخ الحديث كله، حيث قال: «نحن أُعْطِينا الاستقلال منحةً من الدول الغربية، وعلينا الاعتراف بذلك».
وأشارت مفرح إلى جملة من التناقضات التي قد يستطيع هذا الشاعر المبدع تقديمها، بشكل جمالي أخّاذ، في قصائده، كما يليق بشاعر حقيقي وكبير فعلاً، لكنه يفشل دائماً في مداراتها، على الرغم من اجتهاده، وهو يخاطب جماهير عربية يحتقرها، ويظن أنها تستمع إليه، وإلى غيره، ولا تفكر وهي تمشي في طريقها إلى الانقراض! لعلّ «الوضوح» الوحيد الذي يمكن أن نستخلصه من بين مواقف أدونيس، في السنوات الأخيرة، ما تمثّل في تصريحه لصحيفة الغارديان البريطانية، مع طلائع الحراك الثوري العربي عام 2012؛ بأنه سيكون ضد «الديموقراطية» لو جاءت بالإسلاميين. أي إنه يريد ديموقراطية مفصّلة لمقاساته الشخصية، لا للجماهير العربية المنقرضة، وكأنه وحده المخلّد.
◗ الفقيه العسكري
أدونيس رد بالقول ووفق ما نشرته صحيفة «الجديد»: إن كلام السيدة قائم على الإشاعات وانها لم تقرأ سوى مقال واحد من بين ثلاثة مقالات كتبتها آنذاك»، مؤكداً أنه لا يريد أن يدخل في جدل لكنه استطرد: «المقال الأول كان مؤيداً للثورة الإيرانية باعتبارها ثورة قام بها شعب ضد إمبراطور، ووصفتها بأنها حركة شعبية ومثال فريد للثورات في تاريخ الشعوب، قام بها شعب بمختلف فئاته ولم يستخدم فيها العنف، ولست وحدي من أيّد هذه الثورة بل عدة مفكرين وكتّاب كبار مثل ميشال فوكو وغيره».
وأضاف: «يجب على السيدة أن تكون قد قرأت المقال الثاني والثالث، وكذلك جميع الكتّاب الذين ينتقدونني فيما يخصّ الثورة الإيرانية، حين أعلنت رفضي الكامل بأن تقوم أي ثورة على الدين، فالدين مسألة شخصية وأنا أحترم ذلك وليس مسألة جماعية، فالدين حين يكون جماعياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً فإنه يتحوّل إلى نوع من الطغيان وإلى نوع من الاعتداء على الحريات، أما المقال الثالث فقد حذّرت فيه من نشوء شخصية أسميتها «الفقيه العسكري» وكنت دائماً ضد أن يكون الدين سياسياً».
ودافع أدونيس عن الحق الشخصي في الإيمان، موضّحاً «لكن أن يُفرض عليّ دينٌ فهذا عدوان، والمجتمع الذي لا يسمح بتعدّد الأديان والآراء والبدائل، فهو مجتمع مغلق، وأنا لا أتردّد في القول بأنني كمؤمن سيكون إيماني ناقصاً وجاهلاً أيضاً إذا لم أسمح لجاري كمواطن في أن يؤمن كما يشاء، وما فرْض دين واحد إلا مسألة تأويل حوّلت الدين نفسه إلى نظرة أيديولوجية، وحينما يتحوّل الدين إلى أيديولوجيا يصبح ديناً سياسياً وسلطوياً مما يقتل البعد الروحي والأساسي الذي تقوم عليه الأديان».
◗ انقراض العرب!
ودافع عما نسب إليه حول انقراض العرب «أنا أتحدث عن الانقراض الحضاري وليس الفردي»، وأضاف: «توجد الشعوب بقدراتها الإبداعية والحضارية، والعالم العربي في نظر العالم ثلاثة أشياء فقط: ثروة نفطية، وفضاء استراتيجي وبشري يمكن استخدامه، وهذا هو المعنى الإبداعي حين أقول اننا ننقرض وأنا أتحداكِ أن تقولي لنا ماذا لدينا لنقوله للعالم اليوم أو أن نؤثّر في مصير العالم إلا سلباً؟ لا تظني أن الغرب يحبنا، الغرب يكره العرب والمسلمين لأنه لا يرانا إلا مجرد أدوات يسّرت له استعمارنا، فلم يعد المستعمر بحاجة إلى أن يرسل جيوشاً، صارت له جيوش وطنية داخل البلدان ذاتها».

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.