مفاجأة المستحيلات الخمسة : خمس مفاجآت في جنيف: الجولة القادمة قد تكون في دمشق!

  بلدي نيوز 

وصلت مفاوضات جنيف إلى طريق مسدود كما خطّط لها تمامًا المبعوث الخاص دي مستورا بعد فترة من تكليفه بهذا الملف، واطّلاعه على عمق الخلافات الدولية، واستحالة إيجاد حل تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة، ومثله مسار أستانا الذي يبدو أنه وصل إلى محطته النهائية كذلك بالواقعية السياسية التي انصاع لها الروس أخيراً باستحالة السماح لهم بالانفراد بإيجاد حل ضمن الاتفاقيات التي يعقدونها.
لم يكن أمام دي مستورا سوى إبقاء مسار المفاوضات مفتوحا بمقترحات عديدة ومتجددة في كل جولة لينتهي به المطاف باللقاءات “التشاورية” “التقنية” “الفنية” “الاستكشافية” “غير الملزمة بطبيعتها” و”ليست محفلاً للتفاوض وليست مصممة لتكون محفلا لتولي المسؤولية السياسية للدورات الرسمية، ولكنها عملية جادة لأنها تعدّ لكل ذلك”.
دي مستورا الذي يعي ما يقول، ويعني بدقّة عالية ما يقول، وخصوصًا إذا كان مكتوبًا مسبقًا وفي جلسة رسمية لمجلس الأمن ذكر إضافة إلى ما سبق حول توصيف اللقاءات التشاورية، ما يمكن أن نعدّه المفاجآت الخمس لجنيف سبعة عكس ما يروّج له المشاركون في تصريحاتهم الإعلامية هناك أنها جولة ذات سياق متواضع جدًّا.
أولى مفاجآته في إحاطة 27 حزيران/ يونيو/ 2017 كانت حول “توحيد وفود المعارضة”: الرياض القاهرة موسكو، والموضوع وإن كان قديمًا إلا أنه عمل عليه بوتيرة عالية، فجمعهم ابتداء على طاولة غداء، ثم هدّد بإيقاف الاجتماعات الفردية مع كل وفد على حدا، مطالبًا إياهم بعقد لقاءات بينيّة بينهم للاتفاق على وفد موحّد، وانصاعت الوفود لذلك وعقدوا اجتماعات مطوّلة ضاعت في دهاليزها الجولة برمّتها دون الوصول إلى نتيجة حتى الآن.
ثاني مفاجآته: الإعلان أنه “على استعداد لتيسير المحادثات المباشرة بين الحكومة والمعارضة”، وهي القضية التي كانت تطالب بها المعارضة، ويماطل هو فيها جولات عديدة بين أستانات مقبولة نسبيا لكنه اختار أستانا خمسة التي تعد من الجولات الضعيفة النتائج، ممّا يهيّئ أسباب رفضها من أحد الطرفين النظام أو المعارضة.
ثالث مفاجآته التي هي لبّ الموضوع هنا، انتقاله إلى تجربته حين كان مبعوثًا في أفغانستان، واستخدامه لحدث دقيق جدًّا فيها، ويعتبر انعطافا مهمًّا في مسيرة السلام هناك حيث قال: “وسأعطي مثالاً على ذلك. قبل فترة، كما يذكر أعضاء المجلس، مررنا بلحظة الحقيقة في أفغانستان. كان ذلك منذ سنوات عديدة. كنت موجوداً حينها وكذلك بعض أعضاء المجلس الحاضرين هنا اليوم. لقد ساد شعور بأن لا شيء يمضي قدماً إلى أن بلغنا مرحلة معينة، عندما حدث إسراع لعقد مؤتمر في بون. وقد تم وضع كثير من الأعمال التحضيرية التي تبدو أحياناً مرهقة أو غير حاسمة، كما قال لي أولئك الذين كانوا جزءاً من المؤتمر، موضع التنفيذ فوراً واستخدامها كأساس معد لمؤتمر بون. نحن نفعل شيئاً مماثلاً بصورة ما، نعد أنفسنا بالتحضير انتظارا لمؤتمر جنيف الرئيسي الحقيقي، إن شاء الله”.
الذي يعرف دي مستورا عن قرب عليه أن يحلّل هذه الفقرة، ويتوقّع منها خطة الرجل للمرحلة القادمة، فبالمجمل هو يكرر ما يفعله ويقوله لكنه كعادته يفكك ذلك، ويعيد تركيبه بطرق مختلفة كي يضفي حالة من الغموض على عمله بحيث لا يستطيع الكثيرون-حتى أخصّ مساعديه-توقّع خطوته التالية أولاً، وليكون لديه القدرة على تغيير مساراته حسب مراد القوى الكبرى المؤثرة ثانيًا.
هو حين يذكر “بون” يشير إلى:
1- ذهاب العملية السياسية بعيداً عن جنيف وأستانا معاً إلى مكان آخر سيكون غالبًا باريس أو إحدى المدن الفرنسية استناداً إلى عودة فرنسا برئيسها الجديد “ماكرون” إلى الواجهة، وتصريحاته المتكررة حول سوريا، وترقّب إطلاق مبادرته، وبدء الحديث عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع النظام، وإعادة افتتاح السفارة الفرنسية في دمشق.
2- ذهاب العملية السياسية بعيدًا عن قرارات الأمم متحدة، ووضع أرضية جديدة لها تتمثل في مخرجات التشاوريات التي ذكر دي مستورا في إحاطته السالفة الذكر “وقد أوضحنا أن العملية التشاورية المنشأة عملية فنية. ومن المعروف والصحيح أيضاً أن كل ما نفعله سياسي”، السؤال: هل ستنشأ مرجعية جديدة للعملية السياسية في الأمم المتحدة؟ أم يُكتفى بنتائج التشاوريات واعتبارها أرضية صالحة وخيارا وطنيا اتفق عليه السوريون؟
الجواب الأولي حسب ما نتج عن مؤتمر بون حول أفغانستان أن الاتفاق بقي خارج إطار الأمم المتحدة، وهو ما يترجّح عمله في سوريا.
نجاح مؤتمر بون استلزم أمرين اثنين:
1- تغيير المبعوث الخاص دي مستورا بالمبعوث الجديد “يان كوبيش”، والمتابع للشأن السوري يعلم أن مجيء الأمين العام للأمم المتحدة “غوتيريس” ترافق بحديث عن مجيء “كوبيش” بديلاً لـ “دي مستورا”، وهو ما قد يحدث في شهر تشرين أول/أكتوبر القادم.
2- اغتيال الرئيس الأفغاني “برهان الدين ربّاني” ليكون سببا في تحريك الملف باتجاهات جديدة، وهو ما يمكن أن يحدث في سوريا بإخراج بشار الأسد من الحكم اغتيالاً، لكنه الخيار السيء الذي قد يربك المشهد السوري، مقابل الخيار الأفضل الذي سيرضي جميع أطراف المعادلة السورية المحلية والدولية، وهو تدبير مسرحية انقلاب صغير يقوم به (شرفاء ضباط الجيش العربي السوري) يعلنون فيه براءتهم من انتهاكات وجرائم سنوات الحرب، وإلصاقها بالميليشيات المجهولة الهوية والمنظمات الإرهابية، ويعلنون فيه في بيانهم الأول استعدادهم لتسليم السلطة فوراً لحكومة مدنية مشتركة من النظام والمعارضة حسب ما وصلت إليه تشاورياتهم التفاوضية في جنيف وأستانا، ودعوتهم لاستكمالها في دمشق بضمانات منهم، وبرعاية دولية، لإنشاء حكومة إنقاذ أو حكومة وحدة وطنية تعمل على صياغة دستور جديد للبلاد، وإجراء الإصلاحات اللازمة على جميع الأجهزة الحكومية العسكرية والأمنية والمدنية، تمهيدا للانتخابات التشريعية والرئاسية، فيما يتابع الجيش عملية مكافحة الإرهاب وإدماج الفصائل المعتدلة في صفوفه.
مفاجأة رابعة حدثت في اليوم الثاني لجولة جنيف السابعة حين همست بعض الأروقة الدبلوماسية الغربية سيناريو مفاده نقل المفاوضات إلى دمشق بضمانات دولية، وعقدها في مكان شبه محايد مثل أحد مقرات الأمم المتحدة، أو سفارة غربية، أو مطار دمشق الدولي.
المفاجأة الخامسة المدوّية والأكبر على الإطلاق في جنيف سبعة فجّرها دي مستورا في اليوم الثالث في اجتماع له مع الوفد المفاوض حين قال: الجولة القادمة للمفاوضات قد تكون في “كاتماندو” أو في دمشق.
عود على بدء أن دي مستورا ينتقي ألفاظه ويعي ويعني ما يقول فإن “مدينة كاتماندو شهدت منتصف 2001 مجزرة دموية لقي فيها ملك نيبال والملكة وآخرون من أفراد العائلة الحاكمة حتفهم بزخات من الرصاص أطلقها داخل القصر ابن الملك وولي عهده الذي ما لبث أن انتحر”.
ربما هذا ما يشير إليه استشهاده بـ “كاتماندو”، وأن هناك قراراً دولياً بإخراج الأسد من السلطة تمهيداً لهذا السيناريو، كما جرى في اغتيال “ربّاني” في أفغانستان.
هذا الحل سيكون مثاليًّا بدرجة ما لجميع الأطراف، فهو:
1- يحافظ على استمرار الدولة السورية ويمنع انهيارها وتحوّلها إلى دولة فاشلة.
2- يضمن بقاء الجيش والأمن تحقيقًا للرغبات الروسية والإيرانية، وحتى العربية والدولية، وانخراطه في مكافحة الإرهاب، وبسط الأمن والاستقرار في البلاد.
3- منع تقسيم سوريا وظهور إقليم كردي في الشمال، مما يرضي تركيا.
4- إخراج الأسد من السلطة يرضي غالبية الشعب السوري باعتبار أن بقاءه يشكّل العقدة الأكبر أمام الحل السياسي السلمي.
5- إنشاء حكومة إنقاذ أو حكومة وحدة وطنية يرضي المعارضة السياسية المطالبة بإنفاذ القرارات الدولية حول تشكيل “هيئة الحكم الانتقالي”.
6- بدء عودة اللاجئين من دول الجوار، وباقي دول العالم، وهو أحد الملفات الضاغطة لتسريع الحل السياسي.
7- مشاركة العديد من الدول في عقود إعادة الإعمار، والمكاسب التي ستحصل عليها بما يضمن دعمها للوضع الجديد.
8- عملية الإصلاح التي ستجري ستكون في الحدود الدنيا بما يضمن استمرار دور الدولة السورية على مدى العقود الماضية في حفظ أمن إسرائيل التي ستكون مطمئنة نسبيًّا لمثل هذا الحل.
صياغة الحل النهائي في سوريا: هذا أو غيره، ليست بيد السوريين اليوم، وسيتوالى عليهم مفاجآت من هذا النوع حسب مصالح الدول المتورطة في الصراع، لكن سيبقى لهم مستقبلاً دورهم الوطني في إنشاء حكم رشيد يضمن حريتهم وكرامتهم، كما يضمن عدم عودة نظام الاستبداد ليحكمهم من جديد.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.