ليس دفاعاً عن البخاري … بل إنصافاً له‎

mohamedbarzi


الدكتور محمد برازي
أضافني الأخ الفاضل والصديق الاستاذ عمار نقار الى هذه الصفحة ، صفحة القرآن الحر ، وأنا أشكر أخي الكريم عمار على ذلك ، وقمت بعد ذلك بتصفح لمواضيع هذه الصفحة ولمن يكتب بها من الأخوة الكرام ، ولفت نظري أشياء استغربتها وأحب أن أدلي بها بما تعلّمته من دراساتي وخبراتي في هذه الحياة ، قاصداً بذلك وجه الله سبحانه وتعالى ، ولو كنت أبحث عن منصب أو جاه لنلته من زمن عندما عرض علي ذلك ، ورفضت لأنني لا أستطيع أن أقوم بواجبي تجاه ذلك الحق الذي منح لي .

وأنا أعتبر كلامي هنا صواب قابل للخطأ ، ولا أدّع الحقيقة المطلقة ، وأرجو هنا من القرّاء الكرام أن يتأكدوا بأنفسهم من صحة ما أقول ، وأنا أرحّب بتوجيهاتهم لي لتصحيح الأخطاء التي وقعت بها مع تقديم خالص الشكر والامتنان لهم .
إن القضيّة العادلة لا تحتاج الى الدفاع عنها بكلمات وتوصيفات غير لائقة بحق اناس انتقلوا الى رحمة الله تعالى ، بعدما بذل كل واحد منهم مايستطيعه من جهد في سبيل الحفاظ على هذا التراث الاسلامي العظيم ، وأعتقد أن ذلك كان بفضل وتوفيق من الله عز وجل ، وخاصة ما قام به أبو الأسود الدؤلي من تنقيط وتشكيل للحروف الأبجدية .
وأنا كغيري قد سمعت من خطباء كثر ، وقرأت في مطبوعات أكثر عن مقولة خالد بن الوليد رضي الله عنه. وهو على فراش الموت ، ومقولته كما يرددها الكثير هي :
( لقد خضت أكثر من معركة ، وما في جسمي مسافة شبر إلّا به ضربة بسيف أو طعنة بخنجر ، وها أنذا أموت على الفراش كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء )
وفي دراستي الجامعية ناقشت استاذ التاريخ الاسلامي الدكتور عبد اللطيف الشيرازي الصباغ وقلت له : إن هذا الكلام غير مقبول ، حتى ولو قاله خالد بن الوليد ؟ لأنه متناقض ؟ وميتة الفراش ليست معيبة ، لأن معظم الصالحين والكثير الكثير من الناس من يموت على الفراش ؟ والبعير يموت في الاسطبل ولا يموت على الفراش ؟
وبعد ذلك بسنوات ، وأثناء تحضيري للدراسات العليا ، وفي زيارتي للمكتبة الظاهرية بدمشق بقصد الاطلاع على بعض المراجع فيها ، وفي ظروف اتيحت لي اطلعت على ( مخطوط كتاب البداية والنهاية ) وأثناء تصفح الكتاب وقفت وبالصدفة أو بالأحرى بتوفيق من الله عز وجل ، على قول خالد بن الوليد وهو على فراش الموت ، وكان قوله كالتالي :
( لقد خضت أكثر من معركة ، ومافي جسمي مسافة شبر إلّا به ضربة بسيف أو طعنة بخنجر ، وها أنا ذا أموت على الفراش ، ولقد وددت أن أموت وأنا متترّساً بلا إله إلّا الله ، فقال له أحد الجالسين إلى جواره : يا خالد أنت لا يمكن أن تموت في المعركة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمّاك سيف الله ، وسيف الله لا يمكن أن يكسر في معركة ) أدركت عندها التشويه والتحريف الذي تعرّض له تاريخنا الاسلامي ، من خلال حذف مالا يرضي الغير ؟ ثم إعادة صياغة وكتابة هذا التاريخ كما يحلو لهم ، أو كما يريدون له أ يكون ؟ وكما يريدون للجيل القادم من المسلمين أن يفهموه ويحفظوه ويكرّروه ؟
ومايؤكد ذلك هو مانشر في مجلة عالم الفكر التي تصدر في الكويت منذ سنين ، وفي بحث لم أعد أذكر رقم العدد الذي نشر فيه أو تاريخه ، يقول الكاتب الذي كان يعمل
مساعداً مع ( طه حسين ) أثناء تحقيق طه حسين للمخطوطات :
( كنت أقرأ النص ويسمعه مني طه حسين ، ثم يطلب مني أن أكتب مايقوله لي ولكن بعد إعادة صياغة النص بما يعطي مدلولاً غير الذي أشار اليه النص ؟ فقلت له : يا استاذنا النص لا يقول هذا المعنى ولا يدل عليه ؟ فيقول لي ( أكتب كما أقول لك ، فأنا المحقق ولست أنت ) ثم يذكر الكاتب ندمه على ذلك ولكن بعد فوات الأوان ؟
وبعد ذلك سأعرض هنا للبخاري رحمه الله تعالى وأحسن إليه وجزاه الله خيراً ، على مجهوده الذي قام به إبتغاء وجه الله ، وأقول لكل من تعرّض ويتعرّض للبخاري من أهل العلم والنزاهة ، والذين يتحلّون بأخلاق العلماء وأدب النقاش : لا داع للهجوم بهذا الشكل المريع على البخاري ؟ ولا داع لاستعمال ألفاظ سوقية يخجل العوام من استعمالها بحق انسان انتقل الى رحمة الله ، لأن هذا الهجوم لامبرر له إلّا من أجل الترويج ونصرة فكرة لا تقوم إلّا على الطعن بهذا المسلم البريء ؟ وسواء كان قرآني أو محمدي أو أحمدي أو ماشاء له أن يكون من الأوصاف التي يتلطّى خلفها ، فالظاهر انك تؤمن بالله واليوم الآخر على أقل تقدير ، فما هو موقفك أمام الله عز وجل عندما يطالبك البخاري عن الذي قلته بحقه ؟ وبدون حق ؟
والملاحظ : ان نقدكم للبخاري جاء نتيجة سماعكم ماقيل عنه وما افتري عليه من أقاويل ؟ ولكن لم يحاول أي فرد منكم أن يتحرّ الحقيقة ويبحث عن ( مخطوط البخاري ) ثم يشير الى ماذكر في المخطوط ؟ ثم ينتقده بعد ذلك ؟ عندها من الممكن ان نفتح صفحة للحوار والنقاش ونتفق على الخطأ والصواب ، أمّا أن يعتمد من يتقن التكرار والاجترار على كلام الغير ، فهذه نقيصة بحقة ولا يجوز أن يطلق على نفسه لقب باحث أو عالم ! وبغض النظر في البحث بموضوع ( السند ) و ( المتن ) وتصنيف الحديث على اساسه ؟ ولنتجاوز بشكل حاسم أقوال البعض بشكل ببغائي ، وبدون فهم أو تمحيص أو تدقيق ويكتفي بقول :
( صححه فلان أو حسنه فلان أو ضعّفه فلان …..وفلان هذا لاعلاقة له بعلم الحديث ) بل مثل هذا التصحيح والتضعيف والتحسين ، مشروع أكبر من أن يقوم به فرد واحد ، فهذا الموضوع يحتاج الى جهود كبيرة ، لا ينهض به إلّا العمل المؤسّساتي .
وعليه يجب التفريق عندما نتعرض للبخاري بين ( مخطوط البخاري ) و( مطبوع البخاري ) وما بينهما من فروق وحذف وإضافات ؟ وعندما يأتي من ينتقد البخاري ويكيل له الاتهامات جزافاً بدون رادع ولا ضمير ، ويتهمه باتهامات جنائية ؟ عليه أن يأتي :
( بمخطوط البخاري ) ليكون حجة له ، أفضل من أن يكون حجّة عليه ؟ ولكن بعد فوات الاوان ، سيكون حجّة عليه عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وعندما يطالبه البخاري بحقه الذي انتهك من قِِبَلِه ؟ والإفتراءات التي نسبها له ؟
( يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.