قصة و حكمة من زياد الصوفي .. 121

القصة:

التهت وسائل الاعلام العربية و الغربية و كل شبكات حقوق الانسان و المؤسسات المهتمة باحصاء عدد الشهداء الي عم يسقطو يوميا, لحد ما صار الخبر اللي بيتصدر صفحات كل الجرايد و المجلات و نشرات الاخبار عبارة عن خبر عابر بالكتير القارئ أو المستمع بيقول ” حسبي الله و نعم الوكيل” و بيقلب عصفجة الرياضة بعدين..

الموضوع التاني كان محل اهتمام الحكومات و الدول و اللي استغلتو سياسيا و ماديا بطريقة مقززة للنفس هوة موضوع اللاجئين السوريين لدول الجوار..

الاردن عم يشحد علينا..

لبنان عم يكفر بالساعة اللي دخلنا فيها..

أما الموضوع اللي ما بيقل خطورة عن الموضوعين السابقين هوة النزوح الداخلي و المعاناة اللي عم يعانيها أهلنا ليشوفو مكان يآويهون… و قصص النزوح الداخلي ما بتخلص, و حبيت اليوم ضوّي عالموضوع لأهميتو و لتداعياتو بالمستقبل..

طلع أهل الخالدية بحمص متلهون متل كل أهاليهون بباقي المدينة عالشوارع ليطالبو بشكل سلمي باسقاط النظام و برحيل بشار الاسد مع عيلتو..

كل يوم أقعد بعد الضهر و اتفرج و أنا عم اتحسر من اللادقية المحتلة على منظر اهلي الحماصنة كيف عم يتظاهرو و عم يبدعو باللافتات و بالشعارات و بخفة الدم المشهودة عند أهل هالمدينة..

ما اتحمّل النظام هالمشهد, و لا قدر يضبط أعصابو و هوة عم يشوف كل طبقات المجتمع الحمصي خرجت عن ارادتو و قررت تصرخ للغلط غلط بعينك..

فقرر الحل الامني بالبداية و اللي استشهد من خلالو اللآلاف من أهلنا بحمص و تم اعتقال عشرات اللآلاف, و مع ذلك الحمصي ما اتراجع و لا قبل يجيبها واطية و استمر عالرغم من كل الاخطار أنو يستمر بالتظاهر السلمي..

هون لجأ النظام للحل العسكري الفتّاك..

و بدي بقصف حمص من كل الجهات, من البر و من الجو, مستخدم كل آلتو القمعية لسحق الثورة بحمص , لادراكو بأهمية هالمدينة جغرافيا و سكانيا..

الحمصي اللي قدر يطلع على لبنان و كان ألو حدا هونيك ما قصّر و ضب عيلتو و هرب من موت حتمي, و الحمصي الدرويش اللي ما الو غير وجه رب العالمين أخد واحد من قرارين: اما يبقى بحمص أو ينزح لشي مدينة سورية مجاورة..

فاروق و زوجتو فاطمة مع بناتهون الستة قرروا يحملو اللي بيقدرو عليه و يهربو عالشام..

الدنيا آخر الشهر و الراتب منتهي من عشرين يوم, و تحت عتمة ليل حمص و تحت القصف الهمجي, بيقرر فاروق يوقف سيارة عابرة و يطلب منّو مقابل هالخمسمية ليرة اللي معو يوصلّو مع عيلتو على الشام..

اكبر بنت من بناتو عمرها 14 سنة, و الكل على ريق بطنهون لما بتمشي البيك آب اللي حاملتهون بنص الليل و بتاخود طريق الشام..

كل الطريق صافن فاروق, بس يوصلو عالشام شو رح يعملو و وين رح يروحو, و تاني يوم من وين بدو يجيب مصاري ليشتريلهون أكل لأولادو و حليب اطفال للرضيعة سوسن اللي معو..

كلها اسئلة خطرت عبال فاروق بدون ما يشوف أي جواب على أي سؤال..

ما بيقطع سلسلة أفكارو الا صوت شوفير البيك آب اللي عم يقلو الحمدالله عسلامتكون هيدي الشام..

الساعة اربعة الصبح, و الدنيا ظلام و هالمسكين فاروق حامل بنتو الصغيرة اللي غافية على صدرو, و مرتو عم تجر بناتها الخمسة اللي ما عرفانين اللي ناطرهون بعاصمة الياسيمين..

بيسألو للشوفير قبل ما يمشي: شو اسمها هالمنطقة معلم؟؟

هيدي حرستا يا ابو البنات, الله يكون بعونكون و ترجعو سالمين على حمص..

بيتطلع المسكين حواليه بهالظلام, ما بيشوف شي الا هالبنايات المسكّرة و الجوامع اللي بعدها ما آذنت لصلاة الصبح..

و هوة عم يتطلع حواليه, بيشوف جنينة صغيرة… جنينة فيها كم شجرة و زنزوقة للأطفال, فبيقرر يقضي الليلة فيها..

من التعب و الارهاق, فاروق و مرتو و بناتهون الستة نامو متل القتلى..

بيصحو الصبح على اصوات تلات شباب عم يصرخو فيهون:

ولك هنت وهية فيقو؟؟ شو عامليلكن فندق هون؟؟؟

بيفتح عيونو فاروق و من خوفو على بناتو بيضمها لسوسن اللي بديت تبكي و بيقلو:

و الله يا معلم مبارح بالليل وصلنا من حمص و ما عرفانين وين بدنا نروح..

بيشيل هالشب المدني و بيحط سلاحو على كتفو و بيحكي بجهاز اللاسلكي, و ما في شوي بتجي سيارة بيجو ستيشن فيها عنصرين..

شفناهون يا سيدي هون نايمين و قالو انهن جايين من حمص الخاينة..

بيحشروهون بالسيارة و بياخدوهون على فرع المخابرات الجوية بحرستا..

الكل هونيك بيتفاجأ , أنو شو عم تعمل رضيعة من الصبح جوا الفرع؟؟

بس مجرد العناصر هونيك عرفوهون من حمص, و بلشت الاهانات و المسبات..

مسكين فاروق عالبهدلة و الاهانة اللي اتعرضلها قدام بناتو, و على كم الكفوف اللي صار ياكلهون بس لمجرد كونو من حمص..

بعد التفتيش و تسليم هويات الاب و الام, و بعد كم الاهانات اللي اتعرضولو و بعد تهديدو باغتصاب بناتو قدامو, اجا الطلب:

ولك حيوان, هلق بدها تجي الكاميرا و بدها تحكي معك و مع عيلتك, و بدك اتقلهون أنو العصابات المسلحة حاولت تغتصب بناتك و هنت هربت فيهون برّا حمص و جيت لعندنا لهون عالشام..

فهمان يا حيوان؟؟

بس يا سيدي داخل على عرضك, و الله باتبهدل بكل حمص..الله يوفقك يا سيدي..

ولك جحش.. ليش معتقد أنو رح يضل شي اسمو حمص!!!! نحنا خونة ما عندنا, ايه و الامام و علي لحتى نهدها فوق راس أهلها..

و بالفعل بتجي كاميرا الدنيا و بتعمول مقابلة معو بعد ما علموه شو لازم يحكي هوة و مرتو و بيخلص اللقاء..

بآخر النهار, بيجي مساعد حميروني من حمص نفسها و بيقلو لفاروق: رح نعطي مرتك هويتها و تروح تنقلع, و هنت رح اتضل عندنا..

بس يا سيدي شو عملت أنا؟؟ و مين اللي رح يدير بالو على بناتي و مرتي و هنن قسما بالله ما معهون ليرة سوري..

بيدبرو حالهن هاليومين لبين ما تطلع..

شهر كامل و فاروق محجوز عندهون بدون تهمة, و فاطمة مرتو أخدت الاولاد و رجعت على ضيعة بحمص تتآوى مع بناتها..

بيتحول فاروق عالمحكمة بتهمة صادمة..

تهمة : التشرد في أماكن عامة..

الحكمة :

الله بلانا بعيلة من ورا التاريخ استلمت القيادة ..

خلّا الشعب اللي عمل التاريخ متّهم بالشحادة..زياد الصوفي – مفكر حر؟

About زياد الصوفي

كاتب سوري من اللاذقية يحكي قصص المآسي التي جرت في عهد عائلة الأسد باللاذقية وفضائحهم
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.