قتل مع سبق الإصرار والجهل

بقلم سناء العاجي/
لعل البعض اطلع على فيديو انتشر على بعض المواقع لشخص، وهو في العمرة، يطالع هاتفه. حين مر أمامه معتمر آخر، دفعه بعنف كبير معاتبا إياه على استخدام الهاتف في الأماكن المقدسة.(شاهد الفيديو هنا: شاهد كيف يصفع معتمر لشاباً آخر بمنتهى الورع والتقوى الروحانية)
قد يعتبر البعض أن من واجب الحجاج والمعتمرين الابتعاد، قدر الإمكان، عن وسائل التواصل حتى يعيشوا تخشعهم بشكل أفضل.
لكن، أما كان يمكن لهذا المعتمر أن ينبه الشخص الآخر ببعض الهدوء؟ ثم، أليس واردا أن المعتمر الأول كان، ربما، يقرأ قرآنا على هاتفه؟
قد يكون الشخص المؤمن المتدين صادقا جدا في إيمانه ويشعر رغم ذلك بالجوع والعطش والتعب

شخص آخر يروي كيف أنه شاهد أبا يعنف طفله في الشارع بشكل قاس. حين استطلع الأمر، اكتشف أن الطفل، وعمره حوالي 13 سنة، استعمل العطر وأن هذا الأخير حسب الأب من المفطرات في رمضان. أما كان يمكن للأب أن ينبه ابنه بهدوء لسلوك يعتبره خطأ (علما أن الموضوع أساسا قابل للنقاش)؟
اقرأ للكاتبة أيضا: سناء العاجي: “اغتصبوا يرحمكم الله…”
لماذا ترتبط الممارسة الدينية والنصيحة عند البعض بالعنف؟ علما أن هذا العنف بالذات لا مصدر دينيا يبرره لأن المؤمن يستطيع أن ينصح الآخرين بشكل إيجابي لا محل للعنف فيه.
بل الأخطر حين يتحول الدين وتتحول النصيحة الدينية إلى قتل عمد مع سبق الإجهال والتجهيل. هذا، للأسف، ما يقوم به بعض رجال الدين وبعض الدعاة أو الأطباء المزيفين على الإذاعات والقنوات التلفزيونية.
في المغرب (ويحدث هذا في دول كثيرة من المنطقة)، قدم دكتور مزيف برنامجا إذاعيا يشجع فيه المرضى على الصيام خلال رمضان رغم مرضهم خاتما دعوته بعبارة: “من مات منكم، فعلى ضمانتي”.


ما هو الأمر الذي سيكون على ضمانتك إن مات؟ كفنه؟ تأبينه؟ مأتمه؟ بل إن الأبشع قد لا يكون الموت نفسه، وإنما تضاعف المرض والألم. ما هي “ضمانة” هذا الدجال لشخص سمع نصيحته وصام رغم المرض؛ فتعرض لعاهة مستديمة أو تفاقمت أمراضه وآلامه بشكل لا ينفع معه علاج؟
الكارثة أن الدين نفسه يبيح للمرضى عدم صيام رمضان، فيأتيك متعالم يقرر بأن القرآن مخطئ وأن الله مخطئ، ليشجع المرضى (وبعضهم حالته خطيرة) على الصيام. وكأننا بهؤلاء يشجعون ظاهرة انتشرت خلال السنوات الأخيرة، تتمثل في المزايدات الدينية التي تجعل الأفراد يغامرون بحياتهم وصحتهم، لإثبات مدى تدينهم.
الدين نفسه يبيح للمرضى عدم الصيام فيأتيك متعالم يقرر بأن القرآن مخطئ ليشجع المرضى على الصيام
البعض الآخر يزايد في التدليل على مدى قوة احتماله، فتجد الكثيرين يتفاخرون بسهولة الصيام وبكونهم لا يجوعون ولا يعطشون. علما أن الفرد، حتى وهو شديد التدين والإيمان، يستطيع أن يعترف بشعوره بالإجهاد أو التعب أو العطش أو الجوع. مباهاتك بقوة احتمالك قد تبهر الآخرين، لكنها ليست بالضرورة دليل تدين أرفع أو تقوى أشد. كما أن الشخص المؤمن المتدين قد يكون صادقا جدا في إيمانه ويشعر رغم ذلك بالجوع والعطش والتعب.
اقرأ للكاتبة أيضا: الشرف ليس في غشاء البكارة، بقلم سناء العاجي
سيعتبر البعض أنها حرية تعبير. لكن الأمر هنا خطير ويتجاوز حرية التعبير. هؤلاء يوجهون دعوة مغلفة بالدين (بما للدين من قداسة لدى الأفراد) تجعل الناس يخاطرون بصحتهم وحياتهم. ما معنى أن يرخص الله الإفطار في رمضان للمريض، وأن يتحدى أحدهم الله وكلام الله ليشجعهم على الصيام؟ أليس في ذلك حثا على الموت، بشكل ما؟ منذ متى كانت الممارسات الدينية دعوة صريحة للقتل مع سبق الإصرار والترصد؟ لماذا لا نستعمل حرية التعبير في الدعوة للتخشع الحقيقي والإيمان مع الحفاظ على الصحة والحياة قدر الإمكان؟
هذا الأمر يأخذ أبعادا أخطر في مجتمعات مثل مجتمعاتنا، يعم فيها الجهل وتعم فيها الأمية. مجتمعات لا يتمتع فيها الطبيب وصوت العقل عموما بنفس فرص التعبير التي يتمتع بها رجل الدين أو المحرض على الموت باسم ممارسة دينية يعفي الله نفسه المريض منها.
في مدينة الدار البيضاء، أجمع الكثير من الشهود على الأعداد الكثيرة من المواطنين الذين تم نقلهم لطوارئ المستشفيات الخاصة بسبب تضاعف آلامهم وأمراضهم بسبب الصيام، في حين أنهم مصابون بأمراض تستوجب عدم صيامهم. من يحاسب أدعياء الدين وأدعياء الطب الذين وصلوا بهم إلى حدود الخطر؟
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.