برجاء قبل قراءة هذه السطور التخلص ـ ولو مؤقتا حتى الإنتهاء من قراءتها ـ من القناعات السخيفة التي عزّزتها المدارس ببعض أدبياتها الرزيلة على غرار ( بلادي وإن جارت عليّ غزيزةٌ ** وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ ) فقد يُساعد ذلك على توصيل فكرتي إليك بشكل جيد.
مفهوم السيادة الوطنية مجرد شعار هتافي عرقي عاطفي فضفاض فارغ المضمون ، يُستخدم من قِبل الدولة عندنا لكسب تعاطف ضحاياها وإستجداءً منها لضحاياها هؤلاء للوقوف معها في معركتها ضد المجتمع الدولي الذي يفرض عليها عقوبات بسبب إنتهاكاتها الصارخة والمزعجة للضمير الإنساني لحقوق الانسان ، حيث تُصوِّر الدولة الصراع مع المجتمع الدولي على أساس أنه صراع ( ضد الإستعمار الحديث ) ومعركة ( من أجل إستقلال القرار ) و( حرية الوطن ) و ( الكرامة القومية ) ، لكنه في الحقيقة صراع مع المجتمع الدولي على القيم الإنسانية و الحقوق والحريات التي أصبحت لغة عالمية يتحدث بها ، أو يجب أن يتحدث بها الجميع .
أعلم تماما بأن المجتمع الدولي لم يصل حد الكمال المرجو منه بالطبع ، ولا زال ينتظره الكثير حتى يعبر أو يعكس القيم الأخلاقية والإنسانية التي بلورتها التطورات المطردة على مستوى التنظير لحقوق الإنسان على صعيد الفلسفات الإجتماعية والأخلاقية والسياسية المعاصرة ، لذلك فأنا لا أنكر أنه ثمة إنتقائية في أحيان كثيرة في إستخدم الدول العظمى ( الأسرة الدولية ) لحق التدخل الإنساني وإجبار بعض الدول على التعديل من سياساتها الداخلية لا سيما بما يختص بملفات حقوق الإنسان والحريات العامة والسياسية ، وبما أنني لست هنا بصدد مناقشة أسباب تلك الإنتقائية ، ولا بصدد تحليل المعيقات التي تحول دون وصول المجتمع الدولي لمرحلة الكمال أو الإنسجام مع تلك التطورات التنظيرية في حقوق الإنسان سياسيا وإجتماعيا وأخلاقيا ،
أقول بما أنني لست بصدد مناقشة كل ذلك فسأكتفي هنا بطرح التساؤل التالي : هل العيوب المرافقة لحق التدخل الإنساني ـ لا سيما المتمثلة بإنتقائيته ـ يجعلنا نتنازل عن المنجزات التي حققها هذا الحق ، أعني حق التدخل الأنساني في شؤوننا الداخلية من جانب المجتمع الدولي ؟ مثلا هل تُقلل تلك المثالب من أخلاقية وضرورة تدخل بريطانيا لإيقاف حد الردة على مواطنة سودانية أو وقف تنفيذ حكم برجم سيدة ( متهمة ) ـ وياللعجب ـ بممارسة الجنس في إيران أو وقف بتر يد شاب في السعودية ؟
يُبرر البعض تخوفه من التدخلات الغربية في شؤوننا الداخلية بسبب مطامع تلك الدول في مواردنا الإقتصادية ورغبته التاريخية في إستغلالنا إقتصاديا ، ولكن وعلى إفتراض صحة هذه النية من قِبل الغربيين ، ماذا يعني إستغلال موارد البلاد والإستفادة من خيراتها أو حتى مضاعفة عدد الفقراء بها مقارنة بحماية إنسان قد يُقتل وهو يسير في الشارع ومعرض حتى وهو في منزله للإقتياد في أي وقت للتعذيب وربما التصفية الجسدية ؟. أليس حق الحياة أهم من حق الغنى ؟ أليس حق الحياة من الحقوق الطبيعية وحق التمتع بالأموال حقاً ثانويا مقارنة بحق الحياة ؟ ، ألا يُعد حيار أن أعيش فقيرا بسبب سياسات الرأسمالية الإمبريالية أفضل من أن لا أعيش من الأساس و أُقتل بسبب سياسات حكامنا تحت شعار السيادة الوطنية ؟
بالطبع أنا أبحث عن الاثنين : حفظ حق الحياة ، وحق الإنسان في أن لا يعيش فقيرا ، ولكن لو أن حياة هذا الإنسان ـ للتو واللحظة ـ معرضة للقتل فلن أتورع عن التضحية بكل شئ في سبيل إنقاذ حياته على أن أعاود الكفاح مرة أخرى لإنتزاع بقية حقوقه وهذا ما نفعله عندما ندعم السياسات الغربية المعادية لبلداننا التي تنتهك حقوق الإنسان .
لأنه بالنسبة لي لا يمكن أن ندافع أخلاقيا ومنطقيا عن ذلك المفهوم الفضفاض الذي أسمه السيادة الوطنية على حساب الحق بالحياة والحماية من التعذيب والإعتقال والقتل ؟ و لا مكان للحديث عن السيادة الوطنية ومن يحتكر القوة في الدولة يمارس أبشع أنواع القمع والقتل والعنف ضد الجميع . و لا مكان لمفهوم السيادة الوطنية في بلد يعاني الفقر والجوع ويفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الدولة الحديثة ،و لا مكان لمفهوم السيادة الوطنية في ظل حق التدخل الإنساني المكفول أخلاقيا بنظري للأسرة الدولية التي باتت تهتم إلى حد بعيد بحقوق الإنسان رغم الماخذ العديدة التي تؤخذ عليها بهذا الصدد .
ختاما فإن الدولة ليست وثنا يقدس في جميع الأوقات والأحوال ، وليست قيمة أخلاقية سامية تتعالى على النقص أو تتحرر من النسبية التي تخضع لها جميع قيمنا الأخلاقية ، الدولة كيان سياسي جغرافي مهمة القائمينعلىإدارتها تقديم الخدمات للمواطنيين ، أي أنها ـ أي الدولة ـ فكرة حديثة وليست فكرة سحرية متجاوزة للتاريخ ، ولو فقدت الدولة أو تخلت عن مهامها فستغدوا الدولة قيمة سلبية يجب أن تُحارب ولو بالإستعانة بالشياطين، ومجرد أن وضعتني صدفة الميلاد في رقعة جغرافية بعينها فإن ذلك لا يعني أنني مدين لتلك الدولة بعاطفة ترغمني على تقديم تنازلات باهظة الثمن على غرار التنازل عن كوني إنسان
ولو وجدت دولة تكفل لي حق الحياة الكريمة والتعليم والرعاية الصحية وحق التعبير عن الرأي والإعتقاد وحرية الضمير فسأعتبرها وطني وأشعر بالإنتماء العاطفي لها وسأدافع عنها حتى ولو كان الخطر الذي يتهددها قادم من الدولة التي شاءت صدفة الميلاد أن تمنحني جنسيتها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية