زواج الرسول من العذراء مريم بين المنطق والهلوسة

بعض الأحاديث والمرويات والتفاسير ، تروي وتستشهد بأن الرسول محمد في الجنة سيتزوج من العذراء مريم أم يسوع المسيح ، بناءا على وعد من الله .. سأسرد في هذا البحث المختصر هذه المقولات كما هي ، ثم سأبين قراءتي الخاصة ثم كلمة ختام .

الموضوع : 1 . بعض العلماء فسر الأية التالية : « عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا » التحريم/5 ، كما يلي : فقد روي عن بريدة في تفسير هذه الآية قوله : « وعد الله نبي في هذه الآية أن يزوجه ، فالثيب : آسية امرأة فرعون ، وبالأبكار: مريم بنت عمران » رواه الطبراني في “ المعجم الكبير” – نقلا عن تفسير ابن كثير (8/16 ) . واستشهدوا بما جاء عن أبي هريرة أنه قال : « دخل رسول الله بمارية القبطية سريته ببيت حفصة بنت عمر ، فوجدتها معه…- فذكر حديثا طويلا ، جاء في آخره -: « فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومن الأبكار مريم بنت عمران ، وأخت موسى عليهم السلام » رواه الطبراني في “ المعجم الأوسط ” (3/ 13 ) .
2 . وقد نشطت بعض القنوات التلفزيونية ببرامج حول هذا الموضوع ، منها ما قاله الدكتور سالم عبد الجليل ، وكيل وزارة الأوقاف سابقًا ( إن النبي محمد ، سيتزوج من السيدة مريم العذراء في الجنة . وتابع عبد الجليل – خلال برنامجه ” المسلمون يتساءلون ” ، المذاع على فضائية ” المحور” ، السيدة مريم ، ستكون من أوائل من يدخل الجنة مع أسياد النبيين- عليهم جميعًا وعلى نبينا الصلاة والسلام . وأكد وكيل وزارة الأوقاف سابقًا ، أن “الله- تعالى- اصطفى السيدة مريم على نساء العالمين ، ويشاركها في هذا الفضل كل من آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، والسيدة عائشة ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ” / نقل بتصرف من موقع / الوفد الالكتروني ) .
3 . والأمر تفاقم ، بدخول مؤسسة الأزهر على هذا الحراك ، فقد جاء في
http://www.masreat.com
التالي / نقل بتصرف ( أصدر الأزهر الفتوى الفتوى رقم 37869 وعنوانها ” من ازواج الرسول في الجنة ” ، وجاءت الفتوى ردا على سؤال : هل صحيح أن الرسول سوف يتزوج مريم بنت عمران في الجنة ؟ ، وجاء نص الفتوى كالآتي : ” الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد : ما ذكر صحيح وقد وردت به آثار من ذلك ما اخرجه ابن السني عن عائشة عنها : أن النبي قال لها : يا عائشة إن الله زوجني مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم في الجنة ” .وفي معجم الطبراني الكبير عن سعد بن جنادة قال رسول الله ” إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون و أخت موسى” ) .

القراءة : أولا – هناك أختلاف في الطبيعة البشرية للطرفين ، فالرسول محمد بشر ولد ومات ودفن ، وقبره معلوم في المدينة المنورة ، ومن اليقين علميا ، أن جسده تحلل وأنتهى ! ، ومن القرائن على بشرية الرسول ، الحديث التالي ، ( الحديث 31 لهشام بن عروة : مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة ، أن الرسول قال : إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه .. وهذا الحديث من الفقه أن البشر لا يعلمون ما غيب عنهم وستر من الضمائر وغيرها ؛ لأنه قال : إنما أنا بشر أي : إني من البشر ، ولا أدري باطن ما تتحاكمون فيه عندي وتختصمون فيه إلي ../ نقل بتصرف من أسلام ويب ) ، ولو تركنا سبب ورود هذا الحديث جانبا ، لأستنتجنا من نص الحديث ، أن الرسول بشر عادي ، وجد قبل 14 قرنا ثم قضى . ثانيا – أما العذراء مريم ، فهي طاهرة بتول حتى بعد أمومتها للمسيح بأعتراف القرأن ، وفق الأية 42 من سورة أل عمران ( وإذ قالت الملائِكَةُ يامريمُ أنَّ الله اصطَفَاكِ وطَهَّرَكِ واصطَفَاكِ على نساءِ العالمين ) ، بالأضافة للطهارة يقول عنها القرأن في الأية التالية ( والتى أحصْت فرْجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين / 91 سورة الأنبياء ) القرآن متمسك تمسكاً شديداً بطهارة مريم وعفافها وبتوليتها . ويرى فى امومتها مقرونة بالبتولية ” اذ وَلدتْه من غير زوج ” معجزة لا مثيل لها تدهش ، وفي الجلالان : ” والتي احصت فرجها ” حفظته من أَن ينال ” فنفخنا فيها من روحنا ” اى جبريل حيث نفخ فى جيب درعها فحملت بعيسى .” آية للعالمين” الانس والجن والملائكة حيث ولدته من غير زوج .. / نقل بتصرف من
www.alkalema.net/qis/mary.htm )
، فكيف لمرأة بهكذا مواصفات ، من طهارة وعفة ونقاء وبتولية ، مرأة جعلها الله فوق نساء العالمين أن تتزوج ، برجل قد مات بعدها ب 6 قرون ! . ** في المسيحية العذراء مريم ، هي المباركة والمثل الأعلى للأمهات قاطبة ، فقد جاء في موقع / سانت تكلا ( فهذه الإشارات المقتضبة إلى العذراء مريم في الكتب المقدسة تصورها لنا في كونها المباركة من النساء والمنعم عليها عظمى ” لو 1 : 28″ . وكذلك يقدمها لنا الكتاب المقدس كمثل أعلى للأمهات وللنساء قاطبة لو 2: 27 و33 و41 و48 و3: 23 ) . ومريم العذراء ، أنتقلت للسماء بالجسد بعد دفنها بقدرة الله ، ( في الكنيسة الشرقية الارثدوكسية والكنيسة الكاثوليكية ، انتقال مريم العذراء إلى السماء ، يوضع على مثال قيامة ( انبعاث ) الجسد . إن هذا الاعتقاد هو في اللاهوت المسيحي وجاء من التعليم الديني للآباء . تٌعلم الكنيسة الارثدوكسية الشرقية أن مريم العذراء ماتت وبعد موتها ودفنها ، لم تٌبعث من بين الاموات لكن جسدها وبصورة عجائبية نٌقل إلى السماء . مثل حنوك “ابن قايين” والنبي موسى والنبي ايليا .. / نقل بتصرف من موقع المعرفة ) ، والأبلغ من كل ذلك أن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية ، تعتبر أنتقال العذراء للسماء ( نفسا وجسدا هو تقليد أبوي إيماني .. ” إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها ، أن مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمنزهة عن كل عيب ، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي “. نقل بتصرف من موقع / سلطانة الحبل بلا دنس ) . فكيف للعذراء مريم ، وبكل هذا الزخم من الطهارة والنقاوة والعفة والعلو أن تتزوج ! وهي التي أنجبت المسيح قبل الرسول ب 6 قرون ، وهي بتول ، فكيف بعد كل هذه المسيرة المقدسة أن تتزوج ، وتصطف كزوجة مع رهط من أكثر 13 مرأة للرسول محمد ! ثالثا – هناك تباين سلوكي بين الطرفين ، هذا يتمثل حياتيا ، خاصة في المجال الدنيوي ، وبالخصوص في مجال التعايش الأسري ، وكيفية التعامل فيما بينهم كأسرة !! ، فالرسول قضى ساعاته الأخيرة مع عائشة ، وقالت في حديث منقول عنها ( أن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ) ، ففي موقع / أسلام ويب ، وبصدد هذه الخصوصية ، جاء التالي ( .. فأسندته عائشة إليها وكانت تقول : إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته .. ) ، وفي سكرات موت الرسول ، تقول عائشة (( أن الرسول قبل أن يموت كان مسندا إلى صدرها .. فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه .. البخاري ( 4463 ) ، مسلم ( 2444 ) ،/ نقل بتصرف من موقع صيد الفوائد )) ، وعن سلوكه مع أهم زوجاته ، والتي ساندته وهو شاب لا يملك شيئا ! خديجة بنت خويلد ، فقد أخبرها وهي على فراش الموت الأتي ، فقد جاء في تاريخ دمشق ( ص 384 ) ” تراجم النساء ” ط . المجمع العلمي بدمشق ، ( ومن حديث أبي بكر الهزلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبيَّ دخل على خديجة ، وهي في الموت فقال : ” يا خديجة ، إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام ” . فقالت : يا رسول الله ، وهل تزوجت قبلي ؟ قال : ” لا ” ، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وكلثم أخت موسى ) ، ولا تفقه هنا لماذا يخبر الرسول خديجة بهكذا خبر وهي على فراش الموت !! .
رابعا – أما العذراء مريم ، فحياتيا قد أخذت مكانتها من أمومتها للمسيح ، وكان سلوكها الحياتي كله حزن وقهر وألم خاصة عندما صلب أبنها المسيح بحضورها ، “وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه واخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ” (يوحنا 19: 25 ) ، وقد أخذت عظمتها من عظمة المولود / المسيح ( .. هكذا تتّخذ مريم العذراء أمّ يسوع من شخص ابنها كلّ ألقابها وأمجادها وأسباب تكريمنا لها .. نقل من موقع / كنيسة الأسكندرية ) ، وقد باتت مريم مكرمة كالأنبياء ، ويشير سفر المزامير ” جعلت الملكة عن يمينك بذهب وفير ” مزمور 9/ 45 ، أما الأساس الكتابي هو ما ورد في سفر الرؤيا ” امرأة لابسة الشمس والقمر تحت قدميها وعلى رأسها تاج من اثني عشر نجمًا ” ، ولذلك تلقب مريم العذراء باسم ملكة السماء . فهل من المنطق من أن ملكة السماء طاهرة نقية ، أن تتزوج رجلا أرضيا مات ودفن وتحلل جسمه!

بين المنطق والهلوسة :
لا زال الجنس مسيطرا على بعض من المعتقد الأسلامي / نصوص وسنن وأحاديث ، ولا زالت أحاديث البخاري تشكل لغطا فكريا هلوسيا في بعض الاحيان ، وذلك بأبتعادها عن المنطق العقلاني ، ولا زال الشيوخ والفقهاء يفتون ويتكلمون بهذا النهج ، وأن الذي طرح مؤخرا من قبل الشيخ سالم عبد الجليل في برنامجه الأذاعي ، وأيدته مؤسسة الأزهر بفتوى ، حول زواج الرسول من العذراء ، كأنه مفخرة وأعجازا وزهوا للدين ، وكأن الأسلام لا يعوزه شي سوى أتمام هذا الزواج !! ، والأزهر بدل هذه الهلوسات والخرافات والضحك على المسلمين ، كان عليه أن ينظف جلبابه الملطخ من دماء الجهاديين ، وأن يتعامل مع الأقباط كمصريين أصلاء ، وليس كمواطنين ذميين !! كما مذكور في مناهجه ! ، أن هلوسة الاحاديث لم تعط قدرا للدين ، بل هي أوقعته في نكسة ، أما الأمام أبن باز ، مثلا ، لم يؤكد هذا الزواج التراجيدي ، ويقول في موقعه ( لا أعلم أنه ورد عن النبي حديث صحيح في تزوجه بمريم ، وتزوجه بآسيا امرأة فرعون لا أعلم بهذا حديثاً صحيحاً . وزوجاته المعروفات ، هن زوجاته في الآخرة التسع المعروفات ، وأما مريم وأما آسيا امرأة فرعون فالله أعلم هل يتزوجهما في الآخرة أم لا ) .. أن الأزهر ظل خارج نطاق الزمن في فكره ، مشغولا بقوة الرسول الجنسية ، كما جاء بالحديث التالي ( يروي البخاري عن أنس بن مالك قوله : أن نبي الله كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة / نقل من كتاب النكاح – للبخاري . وانظر فتح الباري ج 9 / 316. ) ، فالازهر ترك أمر الأمة في مهب الريح ، وركز على أحاديث لا يصدقها عقل ولا يقبلها منطق ، فقد جاء في موقع / غرفة الغدير- فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني ( وَزَادَ فِي الْجِمَاعِ وَفِي صِفَةِ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ وَزَادَ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَرَفَعَهُ أُعْطِيتُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ فِي الْبَطْشِ وَالْجِمَاعِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَفَعَهُ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حِسَابُ قُوَّةِ نَبِيِّنَا أَرْبَعَة آلَاف ) ، فلا يقبل منطقيا هذا الهوس الجنسي في الجنة بحور العين ، علما أنه لا أعضاء تناسلية في الجنة ، ولكن من يقتنع بهذا أذا كان الأزهر نفسه ، بكل منشوراته ومقرراته يؤمن بهكذا نهج ، وقد قال الدكتور أنور ماجد عشقي – رئيس مركز الشرق الأوسط الاستيراتيجية والقانونية ، نقل بتصرف ( إلى أن الحور العين ليسوا للمتعة الحسية وذلك لأن الدوافع الجنسية غير موجودة في الجنة ، وآدم لم يغادرها إلا بعد انكشاف سوءته ، وأن الاستمتاع بالحور ليس جنسياً بل هو معنوي لا ندرك مداه بعقولنا الدنيوية ، وقال أن سبب تناوله لهذا الموضوع لأمرين : أولها استغلال الإرهابيين للشباب من المراهقين ، والإيحاء لهم بأنهم إذا قاموا بعملية انتحارية وقتلوا ودمروا فإنهم يصبحون شهداء ، وحال موتهم تستقبلهم الحور العين في الجنة ، والأمر الثاني الذي دفعه لتناول هذا الموضوع ، أن عدداً من طلبة العلم وكبار المثقفين ، يعتقدون بوجود الممارسة الجنسية في الجنة .. ) . من هذا أرى أن الجنس هو الشغل الشاغل دينيا للأمة الأسلامية ، تاركين جملة الحياة بكل معانيها الأنسانية والحضارية جانبا ، وأن أمة تؤمن بهكذا نصوص ، لا يمكن أن تتقدم وأعتقادها الفكري قائم بشكله الأساسي على الهوس الجنسي دنيويا وأخرويا !! .

كلمة :
أخيرا ، كيف يستقيم أمر هذا الدين أذا كان أكبر مؤسساته الدينية / الأزهر ، وكل مفكريه وشيوخه ودعاته ورجاله ، لا يزالون تاركين أمور الدنيا والأخرة ، ومهمومين فكرا ، بزواج الرسول محمد من العذراء مريم ، والفاجعة ، أن الله هو الذي سيزوجهما ، فما أدري شخصيا بوجود هكذا مهام لله !!! ، أنها حقا هلوسة فكرية وكارثية على مستوى المعتقد !!! .

About يوسف تيلجي

باحث ومحلل في مجال " نقد النص القرأني و جماعات الأسلام السياسي والمنظمات الأرهابية .. " ، وله عشرات المقالات والبحوث المنشورة في عشرات المواقع الألكترونية منها ( الحوار المتمدن ، كتابات ، وعينكاوة .. ) . حاليا مستقر في الولايات المتحدة الأميريكية . حاصل على شهادتي MBA & BBA .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.