ديمقراطية حسون الامريكي

محمد الرديني

شخصية حسون الامريكي ديناميكية بالمعنى الحرفي للكلمة، ظهرت قبل سنوات طويلة في شوارع بغداد وربما لايعرف عنها شيئا جيلنا الجديد.
كان يتمشى كل يوم في شارع الرشيد مع كلبه الصغير “بوبي”.. في ذلك الزمن لم يكن للكلب اي احترام عند البغداديين الا عند حسون.
لم يكن ذلك وحده بل انه كان يثير الاستغراب ببدلته البيضاء “القاط كان شديد البياض” وقبعته البيضاء المربعة وربطة عنقه الحمراء الرفيعة جدا والتي تشبه ربطات رعاة البقر في تمساس الامريكية.
وينقل عنه مقربون استطاعوا كسب ثقته قصصا قصيرة ولكن المهم فيها انه كان يحب كل شيء امريكي.. بيته الصغير المتواضع لايضم الا الاثاث الامريكي ولا يطبخ الا على الطريقة الامريكية، ويقال انه نسي الكثير من مفردات اللغة العربية لكونه يتكلم مع الاخرين بلكنة انكليزية امريكية حتى حسب بعض القوم انه امريكي الولادة.
كانت الناس تحج الى مكة المكرمة في موسم الحج وهو يحج الى حديقة البيت الابيض ليجلس هناك اياما وليال.
لايعرف احدا ماذا كان يعمل او من اين يحصل على مورد رزقه ولكن السفهاء كانوا يشيعون عنه انه يتقاضى راتبا ثابتا من السفارة الامريكية في بغداد رغم انه لم يستطع احد اثبات ذلك.
كان ،حسب المقربين، يعشق لعبة الشطرنج ولديه الاستعداد الغريب لقضاء اسابيع وهو يلعبها حتى مع نفسه.
وكان يردد مع نفسه دائما: اننا مثل هذه الرقعة يحركها من يريد ويلعب بها من يريد ويفوز بها من يريد.
ولم يكن احد يعرف سر هذا القول في ذلك الزمان ولكن يبدو ومع مرور الوقت تحققت نبوئته في تشبيهنا برقعة الشطرنج يلعب بها من يشاء.
احد الذين عاصروا حسون الامريكي وقد بلغ من العمر عتيا قرأ امس خبرا نقلته “السومرية” للانباء.. كان جالسا في مقهاه المفضلة وفجأة صاح باعلى صوته” ولكم وين حسون حتى يشوف البلاوي الجديدة”.
تنبه القوم الى صوته.. بعضهم جاء اليه ليعرفوا ماذا حدث، وجدوه يبكي وقد وضع راحتا كفيه على وجهه مخافة ان ينكشف امره ، فالبكاء ليس للرجال كما كان يردد دائما.
تبرع احدهم واخذ الجريدة من يده وقرأ بصوت عال:
” أفاد مصدر في العاصمة بغداد بأن قوات مسلحة يرتدي افرادها زي الشرطة الاتحادية هاجمت العديد من النوادي الاجتماعية في بغداد وقامت بالاعتداء على مرتاديها بالضرب واطلاق الرصاص في الهواء لاخافتهم، فيما ذكر شاهد عيان أن أفراد الشرطة حاصروا العديد من رواد النوادي وانهالوا عليهم بالضرب المبرح بالكابلات واعقاب بنادقهم ومسدساتهم وقاموا كذلك باطلاق الرصاص فوق رؤوسهم”.
واضاف المصدر أن “تلك القوات التي كان افرادها يرتدون ملابس الشرطة الاتحادية شوهدت وهي تنتشر بالمئات وتحاصر مناطق الكرادة والعرصات والسدة وساحة الاندلس حيث هاجموا هناك نادي الادباء وتم اغلاقه بالقوة، كذلك ناديي الصيادلة والسينمائيين ودمرت محتوياتهم”.

وقال شاهد عيان في أحد النوادي أن “أفراد القوى الأمنية حاصروا العديد من مرتادي النادي ولم يسمحوا لهم بالخروج إلا بعد أن يأخذوا حصتهم من الضرب المبرح بأعقاب البنادق والمسدسات”، حسب قوله.
وأضاف أن “أفراد الشرطة قاموا بتدمير محتويات النادي بالكامل”، واصفا ماجرى لمرتاديه بأنهم “أصيبوا بالرعب وفوجئوا بسرعة الهجوم وقسوة أفراد الشرطة بحقهم، مع قيامهم بالعد حتى العشرة لخروجهم من النادي قبل الاعتداء عليهم”.
من كاتب السطور: لانعتقد ان وكالة اخبارية تضحي بسمعتها من اجل فبركة خبر كهذا.. ربما وردت بعض المعلومات المبالغ فيها كضرب الرواد باعقاب البنادق او العد من 1 الى 10 للخروج راكضين ولكن الامر يستحق المتابعة.
من يقف وراء هذا الاجراء؟.
اعتقد ان السيد صلاح عبد الرزاق له سوابق في هذا المجال حيث اغلق العديد من النوادي في شارع ابو نؤاس واقتحمت زبانيته اتحاد الادباء، وامر مريديه بتفجير محلات المشروبات الكحولية.. لم لا؟ اليس هو خليفة الله بالارض ويريد اصلاح القوم؟ اليس من حقه ان يبتهل الى الله ان يستمر بالسرقة والفساد شرط ان يردع الاخرين ويقوّم سلوكهم؟.
ربما.
وربما السيد العيساوي امين العاصمة الذي اراد ان يظهر بدلا من المنتظر الذي طال انتظاره ويرش” البخور” على اعين الحاسدين وهو يغرف مالذ له وطاب من صندوق الدنيا.
ربما.
هل هو دولة رئيس الوزراء؟ لايمكن الثقة بهذه المعلومة فهو مشغول الى قمة رأسه بحل الصراعات و”العركات” بينه وبين الاخرين الذين يتربصون الفرصة للاطاحة به.
ربما.
فاصل عن ربما: ستبقى ربما قائمة ممدة بطولها على وجوه اولاد الملحة الى ان يتضح الخيط الابيض من الخيط الاسود.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in فكر حر, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.