حكاية آل إكمكجي في الجامعة الأميركية في بيروت: ثلاثة أجيال

akmajianfamilyهدى حبي: المدن

على مدى 150 عاماً، لم يقتصر وجود الجامعة الأميركية في منطقة رأس بيروت على تأثيره في هذه المنطقة، بل تجاوز ذلك إلى أن أصبحت الأميركية منزلاً جامعاً لعائلات بيروتية كثيرة. هذا الإستنتاج ينطبق على عائلة إكمكجي تحديداً، التي درس منها ثلاثة أجيال في الجامعة، في تجربة بدأت في العام 1897.

جاك وآردا
تزوج جاك إكمكجي وآردا أرسينيان في العام 1972، أي بعد 3 سنوات من لقائهما في الجامعة الأميركية في العام 1969، حيث كانا يحصّلان تعليمهما الجامعي لينجبا ابنتهما كارما إكمكجي في العام 1983. وجاك الذي درس الهندسة المدنية في الأميركية عمل، قبل تخرجه، مع المقاول الذي كان يبني مستشفى الجامعة الأميركية، وعمل لاحقاً في شركة خطيب وعلمي منذ تأسيسها من قبل أساتذته الجامعيين في العام 1971، وله اليوم مكتب استشاري خاص.

ووالدة كارما، الدكتورة آردا أرسينيان إكمكجي، عميدة كلية الآداب والعلوم في جامعة “هايكازيان” حالياً، تخرجت من الأميركية في العام 1971 بشهادة بكالوريوس في التاريخ، تلتها شهادة الماجستير في علم الآثار من الجامعة نفسها، في العام 1974، في حين حازت شهادة دكتوراه في علم الآثار من جامعة السوربون.

ديكاران إكمكجيان
بدأت رحلة إكمكجي في الأميركية مع جد والد كارما، ديكاران إكمكجيان، في أواخر القرن التاسع عشر. درس الجد الأكبر في مدرسة صيدا الإنجيلية، وبعد تخرجه منها أكمل تعليمه في الكلية السورية الإنجيلية، فنال الشهادة الثانوية في العام 1897 ليتمم دراسته الجامعية فيها حائزاً بكالوريوس في العلوم في العام 1901. وكان ابن عم الجد الأكبر، جورج إكمكجيان، تخرج من الأميركية أيضاً في العام 1900 متخصصاً بالطب، ومقيماً في السودان التي كانت في حينها مستعمرة بريطانية “تنعم بما تنعم به دول الخليج اليوم”، على ما يروي جاك، حيث كان يعمل في مستشفى عسكري.

وإذ كانت الزراعة في السودان، في حينه، القطاع الإقتصادي الأنشط في البلاد، فقد عمل ديكاران في شركة للبحوث والمختبرات. سافر ديكاران بعد ذلك إلى العراق في العام 1918، وكانت مستعمرة بريطانية أيضاً تحت سلطة الأمير فيصل، فعمل سكرتيراً لوزارة العدل. وفي العام 1925، أعطاه الملك جورج الخامس لقب عضو الإمبراطورية البريطانية، خصوصاً أنه كان من المشاركين في وضع الدستور العراقي الأول، الذي صدر في 21 آذار 1925. وبعد ذلك، شغل ديكاران منصب سكرتير خطوط سكك الحديد العراقية وغيرها من المناصب.

أما جد والدة كارما فهاجر من تركيا إلى لبنان مع المجازر التركية- الأرمنية، وكان صيدلانياً، فعُيّن للعمل في تخصّصه في فلسطين. أما جد كارما، والد آردا، واسمه نوبار، فدرس في مدرسة بريطانية وتربى تربية إنكليزية، وكان يحب أن يدرس الصيدلة، فكانت الأميركية الخيار الأنسب.

كارما إكمكجي
بين العامين 2001 و2004، “عصرت” كارما الحياة الجامعية، على حد تعبيرها، إذ عاشت في الأميركية تجربة غنية وخاصة. وفي صدد حديثها الشغوف عن الأميركية وارتباطها الوثيق بها، تتحدّث كارما أيضاً عن مغامراتها وأنشطتها. فكانت كارما عضواً في فريق كرة السلة الخاص بالجامعة، كما خاضت الانتخابات الطلابية لسنتين متتاليتين واستطاعت الفوز بمنصب رئيسة المجلس الطلابي لكلية الصحة العامة في السنة الأولى، وفي السنة التالية شغلت منصب سكرتيرة رئيس الحكومة الطلابية.

“قررت أن أعيش حياة طلابية متكاملة في الأميركية وأن أكون طالبة فعالة. فالأميركية أشبه بمختبر للحياة يخوض فيه الطالب تدريباً نموذجياً لما سيقابله في الحياة، خصوصاً أنها تشكل مجتمعاً مصغّراً للمجتمع اللبناني بكل مكوناته السياسية الحزبية والطبقية والفكرية”، تقول كارما.

كارما، التي واجهت تحديات الوجود السوري في لبنان من خلال ملاحقته الطلاب واعتقالهم، لم تعش تجربة مختلفة عن تجربة والديها في أوائل السبعينات. فبين العامين 1969 و1971 تحديداً، على ما يشرح جاك، تعززت مشاعر الهوية والإنتماء مع سيطرة قضايا كبرى كالقومية العربية والقضية الفلسطينية. ما ترجم في الواقع على شكل تظاهرات وإضرابات طلابية كثيرة، أدى فيها كل من جاك وآردا دوراً ناشطاً. وكان للطلاب حينها دور مهم في الحياة السياسية العامة. “في تلك الفترة، قام 200 طالب من الأميركية، كنت أنا وزوجتي من بينهم، برحلة إلى الاتحاد السوفياتي لمدة 10 أيام. وفي وقتنا أيضاً أغلقت الجامعة لمدة 3 أشهر بسبب إضراب نفذناه اعتراضاً على زيادة 10% على القسط الجامعي. ما أدى إلى إلغاء حفل التخرج في العام 1971”.

ترى كارما أن الحياة الطلابية في الأميركية مازالت على القدر نفسه من الزخم والنشاط. “ما يعكس طبيعة الأميركية، التي تسمح بمثل هذه التحركات في حرمها. ففي وقتنا كان يمكننا التعبير في الجامعة، أكثر من شارع الحمرا”. لكن أهمية هذه التحركات الطلابية بالنسبة لآردا، تتجاوز دورها في تكريس الحق في التعبير إلى قيمة أكبر. إذ تعتقد، ناقلة عن لسان أستاذها المؤرخ قسطنطين زريق، أنه “لو درست الحركات الطلابية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، لكان من الممكن التنبؤ بالحرب الأهلية قبل حدوثها”. ومع تأكيد آردا أن الحياة الطلابية “لا تختصر بالتظاهرات، بل تشمل الأندية الطلابية المتنوعة والأنشطة الثقافية”، يتفق أفراد العائلة على أن “ليس كل من يدخل الأميركية يخوض هذه التجارب كلها. فالإنخراط في هذه التجارب هو خيار شخصي”.

اليوم، يلعب طفلا كارما في عطلة نهاية الأسبوع في الأميركية، حيث الطبيعة الجميلة والبيئة الآمنة، تماماً كما فعلت كارما في طفولتها. وعندما يكبران، ستترك لهما، على ما تؤكد، حق اختيار الأميركية أو غيرها من الجامعات في لبنان أو خارجه، ليدرسوا ما يشاؤون. تماماً كما اختارت هي الأميركية بنفسها.

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.