حذار… إنهم يحبون بعضهم البعض!

بقلم سناء العاجي/
فرنسية تأتي للسياحة في المغرب، تقابل شابا، فتربط معه علاقة عاطفية. هذا الشاب متزوج، لكن، حسب تصريحات الفرنسية، فهي لم تكن على علم بأمر زواجه.
المهم في كل هذا أن زوجته أبلغت الشرطة بشأن هذه العلاقة، فتم إلقاء القبض عليهما في مدينة مراكش متلبسين بفعل الخيانة الزوجية. أصدرت المحكمة حكمها بالسجن النافذ لمدة ثلاثة أشهر وبغرامة مالية قدرها خمسمئة درهم في حق الزوج؛ وبالسجن موقوف التنفيذ لمدة ثلاثة أشهر ونفس الغرامة المالية في حق الفرنسية، التي خرجت من السجن أصلا بعد دفعها لكفالة قدرها 5000 درهم، لتغادر المغرب قبل صدور الحكم في حقها.
رغم ما قد يكون شاب رواية هذه الفرنسية من مبالغات في التفاصيل، إلا أنها عاشت بالتأكيد تجربة إنسانية موجعة، خاصة بالنسبة لمواطنة بمرجعية ثقافية وحقوقية مختلفة تماما. مواطنة تنتمي لبلد لا يطبق مثل هذه القوانين القروسطية ولا يعاقب الأفراد بسبب اختياراتهم العاطفية.
حين نتأمل هذه القضية خارج أي حسابات إيديولوجية وخارج أي نزعة لمصادرة اختيارات الآخرين، فإننا لا يمكن إلا أن نخلص لهذه النتيجة: حقيقة، إنه لمنتهى العبث أن نعاقب أشخاصا راشدين بسبب علاقات رضائية يتحملون مسؤوليتها. في كل بلدان العالم المتحضر، تعطي الخيانة الزوجية للزوجة أو الزوج المتضرر مجموعة من الحقوق من ضمنها الحق في الطلاق بسهولة، والحق في الاستفادة من جبر الضرر ماديا في حالات أخرى. لكن، أن ندخل شخصا راشدا السجن بسبب علاقة جنسية رضائية، فهذا أمر عبثي.
يمكننا جميعا أن نتفهم شعور الخيانة الزوجية الذي يستشعره أحد الزوجين في حالة ارتباط الشريك بشخص آخر. لكن القانون لا يمكن أن يتدخل في المشاعر الإنسانية. على القوانين أن تؤطر العلاقات الجنسية خارج الزواج بشكل يعطي للطرف المتضرر مجموعة من الحقوق، لكن ليس عن طريق سجن الطرف الثاني.
الأدهى أن القانون المغربي لا يعاقب فقط على الخيانة الزوجية، بل إنه يعاقب كل العلاقات الجنسية الرضائية، حتى حين يكون الطرفان غير متزوجين. بمعنى أنه، حتى حين يكون الاثنان عازبين، ويكونان راشدين، ولا تكون العلاقة قد تمت تحت أي إكراه، فستتم “معاقبة” الفاعلين بالسجن. فأي منطق هذا؟


على المشرع المغربي أن يمتلك جرأة تعديل هذه القوانين (وقوانين أخرى تتعلق بمختلف الحريات الفردية كحرية المعتقد وحرية الممارسة الدينية أو عدمها وحرية الاختيارات الجنسية، إلخ) التي تجعل من الاختيارات الفردية للأشخاص جنحا أو جرائم يدخلون بسببها السجن. بأي منطق نسلب شخصا حريته ونتعامل معه بمنطق العقاب، لمجرد أن له اختيارا عقائديا أو جنسيا مختلفا، لا يلحق أي ضرر بغيره؟
من حق أي شخص كان، لأسباب دينية أو شخصية أو عائلية، أن يختار عدم ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج. لكن، بالمقابل، فمن حق أي شخص أن يختار العكس أيضا، مادامت هذه العلاقات، سواء كانت مثلية أو غيرية، تتم برضى جميع الأطراف، دون إكراه، ومادام المعنيون أشخاصا راشدين.
سيخرج علينا مر أخرى من يقول بأن في هذا دعوة للانحلال أو الفساد. هي في الحقيقة ليست دعوة للانحلال بقدر ما هي دعوة لمواجهة تحولات المجتمع في بنياته الديمغرافية والاجتماعية، بدل الشعارات الرنانة التي تعكس لنا صورا مخالفة لواقع الممارسات. الشخص الذي يعتبر أن إلغاء تجريم العلاقات الجنسية سيشجع الجميع على ممارسة الجنس خارج الزواج، هو في النهاية يفكر بمنطق ممارسة الوصاية على الآخرين. أولا، لأن التجريم الحالي لا يمنع فعليا هذه الممارسات. وثانيا، لأن إلغاء التجريم لا يعنى أننا سنفرض على الرافضين للعلاقات الجنسية خارج الزواج، بأن تكون لهم تلك العلاقات. إلغاء التجريم يعنى أن من يرغب فيها، سيتحمل مسؤولياته الاجتماعية والشخصية. لكن من يرفضها لأسباب دينية أو عائلية أو اجتماعية، فسيكون من حقه أيضا أن ينتظر الزواج.
بمعنى أننا سنتعامل مع الأفراد حينها كأشخاص ناضجين يقومون باختيارات حياتية ويتحملون تبعات هذه الاختيارات، دون وصاية من أحد. فهل يبدو الأمر خطيرا إلى هذا الحد؟

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.