ج 9 / ما الشمس؟ قراءة في كتاب سحر الواقع

ج 9 / ما الشمس ؟
قراءة في كتاب سحر الواقع The Magic of Reality
عالم البايولوجي البريطاني / د. ريتشارد داوكنز

مقدمة :
طالما شعرتُ أنّ جيلي (والأجيال التي بعدي) قد حَظيت بأكبر تغيير يحصل في حياة الناس في فترة معيّنة ,على سطح هذا الكوكب الأزرق !
في طفولتي المُبكرة نهاية خمسينات القرن الماضي لم يكن حتى التلفزيون والتلفون الأرضي قد إنتشرا كثيراً لدى الناس .كان الراديو هو الجهاز الأكثر إنتشاراً مع بضعة أجهزة أخرى كالكاميرة والثلاجة وما شابه !
لاحقاً صارت السيارة(رغم قدم إختراعها نسبيّاً) والتلفاز ,ثم الكومبيوتر والموبايل هي عناوين رئيسة تُسمى بها الاجيال !
ربّما مستقبلاً ستظهر مُخترعات أخرى وتطوّرات أكبر في علوم الفضاء والنانوتكنولوجي والذكاء الصناعي
Artificial Intelligence
والجينوم وفروع الطبّ المختلفة ,بحيث تقول الأجيال القادمة عن عصرها (كما أقول الآن) ,أنّه الأكثر في قفزاته التطوّرية !
لكن الأهمّ من ذلك في النهاية ,أنّ كلّ هذا التطوّر والرفاهيّة والقفزات الكنغرية نحو المستقبل الذي نحظى به يعود الفضل فيه بالطبع للعلوم وليس للأديان !
هل لدى أحدكم أدنى شكّ أو جدل في ذلك ؟ أنا أسأل فقط كي نصدّق مع أنفسنا ,ولايحدث لنا نوع من الإنفصام في الشخصيّة !
الآن أستمر معكم في قراءة هذا الكتاب العلمي الرائع .
هذا الجزء التاسع سوف يتناول مختصر مفيد للكون وبعض مظاهره المهمة التي يقول عنها زغلول النجار (أبو الإعجاز العِلمي في القرآن) أنّها من (الكُليّات) التي لايجوز للإنسان السؤال عنها .وأنّ تساؤلاتنا يجب أن تُقصر على (الجُزئيّات) فقط وطريقة العبادات ,كالأكل والنوم والنِكاح والحلال والحرام ,والصوم والصلاة والحج والزكاة ,وما شابه !

universe

صورة الكون !

***

ص 127 / الفصل السادس ـ ما الشمس ؟ (جعلته عنوان الجزء التاسع) !
تتسمُ الشمس بالإبهار البالغ والتألّق ,تشيعُ الراحة في الأجواء الباردة ,
حارقة بلا شفقة في المناطق الحارة .لا عجبَ أن عبدها الكثير من الناس بإعتبارها من الآلهة !
غالباً ما ترافقت عبادةُ الشمسِ مع عبادة القمر ,وتكرّر من الناس إعتبارهم أنّهما مختلفان في الجنس !
تعتقدُ قبيلة (تيف)
Tiv
في نايجيريا ومناطق أخرى في غرب أفريقيا أنّ الشمسَ إبن إلههم الأكبر (أووندو)
Awondo ,
وأنّ القمرَ إبنتهُ !
بينما قبيلة (باروتسي) في جنوب شرق إفريقيا تعتقد أنّ الشمس زوج القمر وليس أخيه !
غالباً ما تتعاطى الأساطير مع الشمس على أنّها ذَكَر ,بينما القمر أنثى .لكن قد يختلف الوضع في مناطق أخرى !
في ديانة (الشنتو)
Shinto
اليابانيّة تصبح الشمس هي الإلهه (أماتيراسو)
بينما القمر شقيقها (أوجيتسونو) !
حتى تلك الحضارات العظيمة التي إزدهرت في جنوب ووسط أمريكا قبل وصول الإسبان في القرن السادس عشر ,كانت تعبد الشمس !
وكانت قبائل الإنكا
Inca
في الإنديز تعتقدُ أنّ الشمسَ والقمرَ أسلافهما !
وتشاركت قبائل (الأزتيك)
Aztecs
المكسيكيّة في الكثير من آلهتها مع الحضارات الأقدم في المنطقة مثل (المايا)
Maya ,
كونها تفي بالغرض!
فالعديد من تلك الآلهة كانت على صلة بالشمس ,وأحياناً كان (الإله) هو الشمس ذاتها !
المصريّون القدماء أيضاً عبدوا الشمس ,وأكبر آلهتهم هو إله الشمس رع !
ولدى شعوب عديدة من بينهم اليونانيّون القدماء والإسكندنافيّون أساطيرَ حول الشمس ,وأنّها مَركبة حربية تجري في السماء !
وكان إله الشمس اليوناني يُسمّى (هيليوس) ,وقد اُعطيّ إسمه للعديد من التعبيرات العِلميّة المرتبطة بالشمس !
وفي مُعتقداتٍ أخرى لم تكن الشمس إلهاً إنّما من مخلوقات الإله الأولى !
كما في حالة إله اليهود (يهوه) الذي خلق الضوءَ في اليوم الأوّل من الأيام الستة لعملية الخلق .والغريب أنّه لم يخلق الشمس إلاّ في اليوم الرابع !
فمن أين كان يأتي النور قبل خلق الشمس ؟ لم يخبرنا أحداً بذلك !
والآن بعد هذه القصص التراثية الخرافيّة ,حان الوقت لنتحوّل الى الواقع ,
والى الطبيعة الحقيقيّة للشمس ,التي تنسجم مع الدلائل العِلميّة !
***
ص 133 / ماهي حقيقة الشمس ؟
الشمسُ واحدة من النجوم .لا إختلاف بينهم سوى تصادف كوننا قريبين منها بحيث تبدو لنا أكبر حجماً وأكثر ألقاً من باقي النجوم !
لنفس السبب فهي تُشعرنا بالحرارة وتعمي أبصارنا لو نظرنا إليها مُباشرةً وتحرق جلودنا بلون أحمر لو مكثنا تحتها طويلاً !
وهي ليست قريبة إلينا على نحوٍ محدود مقارنةً بأيّ نجم آخر ,إنّها أقرب إلينا بشكلٍ كبير .ومن الصعوبة إدراك مقدار بُعد النجوم عنّا ومدى حجم الفضاء .بل أنّ ذلك مستحيل تقريباً !
هناك كتاب جيد عنوانه
Earthsearch
تأليف جون كاسيدي ,يقدّم محاولة لفهم الشمس مستخدماً نموذج للقياس ,يقول :
إذهب الى حقلٍ كبير ومعك كرة قدم وثبّتها بقوة ,لتُمثّل الشمس !
لك الآن أن تقطع 25 متر قبل أن تقف لتضع حبّة فلفل تُمثّل بها حجم الأرض وبُعدها عن الشمس .وسيكون القمر بنفس المقياس مُجرّد سن قلم على بعد 5 سنتمترات من حبّة الفلفل !
بينما (بروكسيما سنتوري) وهو أقرب نجم لنا وبنفس المقياس سيكون كرة قدم أخرى (أصغر قليلاً) توضع على بُعد نحو 6500 كم !
هل تشعرون بالفارق بين 25 متر و 6500 كم ؟ هذا يمثل النسبة في الفارق بين النجم الذي تدور الأرض حوله وهو الشمس ,وأقرب نجم له الذي هو بروكسيما سنتوري !
ربّما توجد أو لاتوجد كواكب تدور حول (بروكسيما سنتوري) ,لكن بالتأكيد هناك كواكب تدور حول نجوم أخرى ,ربّما أغلب النجوم!
المسافة بين كلّ نجم وكواكبه عادةً تكون صغيرة مقارنةً بالمسافة بين النجوم ذاتها !
***
ص 134 / كيف تعمل النجوم ؟
الفرق بين النجم (كالشمس) ,والكوكب (كالمريخ أو المشتري أو الأرض)
هو أنّ النجوم مُضيئة وساخنة ,ونحن نراها من خلال ضوئها !
بينما الكواكب باردة نسبياً ونراها من خلال الضوء المنعكس عنها من نجم قريب تدور في فلكهِ !
هذا الفرق بدوره ينجم عن الفرق في الحجم ,وسنعرض كيف يكون ذلك .
كلّما زاد حجم الجسم ,زادت قوّة جاذبيته في إتجاه المركز !
كلّ الأجسام تجذب بعضها بعضاً عن طريق قوى الجذب !
حتى أنا وأنت نبذل قوى جاذبية أحدنا على الآخر .لكن هذه القوى بالغة الضعف الى حدّ يتعذّر ملاحظتها ,إلّا إذا كان أحد الجسمين كبيراً ,مثل الأرض التي تجذبنا وباقي الأشياء نحو مركزها !
النجم (كالشمس) أكبر حجماً كثيراً من أيّ كوكب (كالأرض) .لذا تفوق قوّة جذبه كثيراً قوّة الجاذبيّة الأرضية !
ومنتصف أيّ نجم كبير يقع تحت ضغط هائل لأنّ قوّة الجاذبيّة المهولة تجذب كلّ ما في النجم بإتجاه المركز .
وكلّما تزايد الضغط داخل النجم تزايدت درجة حرارته !
وبإزياد هذه الحرارة (لدرجة لايمكننا تخيّلها) يبدأ النجم في السلوك كما لو أنّه نوع من قنبلة هيدروجينيّة تعمل ببطء ,وتنجم عنها مقادير هائلة من الحرارة والضوء ونراها تومض بتألق في السماء ليلاً (يقصد النجوم) !
وتميل الحرارة المُتكثفة لجعل النجم ينتفخ ويتضخم كالبالونة !
لكن في الوقت نفسه تعمل قوّة الجاذبيّة على إعادته لوضعهِ الطبيعي من جديد .لتستمر حالة التوازن !
***
ص 135 / ماهو أكبر نجم نعرفه ؟
قلنا سابقاً أنّ الشمسَ مجرد نجم مثل كثير من النجوم .لكن في الواقع هناك ثمّة أنواع متباينة هائلة من النجوم ,تتدرج في مدى كبير من الاحجام !
وشمسنا ليست كبيرة الحجم جداً (شأن باقي النجوم) ,إنّها أكبر قليلاً من النجم (بروكسيما سنتوري) ,لكنّها أصغر كثيراً من عدد هائل من النجوم !
فما هو أكبر نجم نعرفه ؟
يعتمد ذلك على طريقة قياسك له .والنجم صاحب أكبر قياس يُسمّى :
(في واي كانيس ماجوريس) VY Canis Majoris
يبلغ قطره 2000 ضعف قطر الشمس !
بينما قطر الشمس يُعادل 100 ضعف قطر الأرض ,أو أكثر بقليل .
(كنتُ أظنّ قطر الشمس أكبر من ذلك بكثير/ كاتب السطور) !
مع ذلك فبرغم حجم هذا النجم الخرافي ,فإنّه شديد الهشاشة والخفّة !
فكتلته تعادل 30 ضعف كتلة الشمس فقط ,وليس بلايين المرّات كما هو متوّقع ,لو كانت المادة الداخلة في تركيبه متعادلة الكثافة !
النجوم الأخرى مثل پستول وإيتا كارينا و
R136a1
(إسمه غيرجذاب)
تعادل كتلتها 100 ضعف كتلة الشمس ,أو حتى أكثر !
كما أنّ كتلة الشمس تزيد عن كتلة الأرض ب 300 ألف مرّة !
مايعني أنّ كتلة (إيتا كارينا) تساوي 30 مليون مرّة كتلة الأرض !
ولو كان لدى نجم عملاق مثل
R136a1 ,
كواكب تابعة له (يعني كما كوكبنا الأرضي تابع للشمس) .فلابد أن تكون على بُعد شاسع جداً عنه ,وإلّا لتعرضت للحريق على الفور وتبخرّت !
وهناك سبب آخر كي تكون الكواكب بعيدة عن هذا النجم .
فقوى الجاذبيّة الناتجة عن مثل هذا النجم العملاق ستكون هائلة بالطبع بسبب كتلته المهولة ,لذا يتحتّم على كواكبه أن تبقى على مسافات شاسعة عنه مستقرة في أفلاك تدور حوله .وإلّا لأجتذبها إليه وإبتلعها !
***
ص 136 / قصة حياة نجم !
مع ذلك فمن الناحية الفعلية من غير المُحتمَل وجود كواكب تدور في فلك النجم R136a1
ناهيك عن إستحالة وجود الحياة عليها !
السبب ببساطة أنّ النجوم مُفرَطة الحجم تكون قصيرة العُمر جداً !
(أشعر أنّ ذلك يشبه قصر حياة الناس مُفرطي السُمنة عموماً) !
يبلغ عُمر هذا النجم نحو مليون عام ,وهو أقلّ من جزء من الألف من عُمر الشمس حتى الآن ! هذا وقت غير كافٍ لتطوير حياة !
الشمس نجم صغير يغلب عليه طابع “التيار العام” أيّ نوع النجوم التي تدوم حياتها بلايين السنين (وليس مجرد ملايين السنين) !
خلالها تستمر حياة الشمس عبر سلسلة من المراحل الناتجة إحداها من الأخرى .معناها ليست مثل طفل ينمو ثمّ يصير بالغاً ,ويمّر بمنتصف العُمر ,ليصبح كهلاً ويموت في نهاية المطاف !
نجوم التيّار العام في معظمها تتكوّن من الهيدروجين ,الذي هو أبسط العناصر جميعاً !
(الفعل البطيء للقنبلة الهيدروجينيّة) داخل النجم يقوم بتحويل الهيدروجين الى هيليوم ,الذي هو ثاني أبسط العناصر .
(بالمناسبة فهو عنصر آخر نال إسمه من إله الشمس اليوناني هيليوس)!
تحوّل الهيدروجين الى هيليوم يَنتُج عنه إطلاق قَدَر كبير من الطاقة بصورة حرارة وضوء وأنواع أخرى من الإشعاع !
تذكرون قولنا أنّ حجم أيّ نجم ,هو نتيجة حالة توازن بين قوّة دفع الحرارة للخارج ,وقوّة شدّ الجاذبيّة الى الداخل !
حسناً ,هذا التوازن يستمر تقريباً على وضعهِ ,مُحافظاً على النجم ,ليتحلّل ببطء لعدّة بلايين من السنين ,حتى يبدأ الوقود في النفاذ !
مايحدث عادةً حينئذٍ أنّ النجمَ ينطوي على نفسهِ تحت تأثير قوّة الجاذبية اللامحدودة .وعند تلك النقطة تنطلق كلّ حمم الجحيم ! (هذا لو كان ممكناً تخيّل جحيماً أكبر من قلب النجم نفسه / الشمس في هذه الحالة) !
قصة حياة أيّ نجم تبلغ من الطول حدّاً يتعذّر فيه على عُلماء الفلك أن يشاهدوا إلّا لمحة خاطفة منها !
لحُسن الحظّ عندما يَمسح عُلماء الفلك السماواتَ فوتوغرافيّاً بتلسكوباتهم ,
يمكنهم إكتشاف مدىً واسع من النجوم ,كلّ واحد منها يكون في مرحلة معيّنة من تطوّرهِ .البعض في “مرحلة الطفولة” .والبعض قد تصادف أنّها في طورِ التكوين من سحُب غازيّة وسحُب الغبار .كما يحدث في الشمس منذ أربعة ونصف بليون عام !
وهناك عدد وافر من النجوم تكون في مرحلة منتصف العمر / الشمس ذاتها مثلاً !
لكن هناك نجوم أخرى متقدّمة في العمر تُعاني سكرات الموت ,هذه تُقدّم لنا نبوءة بما سيحدث لشمسنا بعد عدّة بلايين من السنين !
وقد أسّس عُلماء الفَلَك “حديقة حيوان” ثريّة للنجوم ,من مختلف الأحجام و مراحل الحياة .كلّ عضو في هذه الحديقة يُبيّن ما كان عليه الآخرون من أحوال ,أو ماسيؤول إليه الأمر مستقبلاً !
في نهاية المطاف فأيّ نجم عادي من نوعيّة شمسنا ينفذ منه الهيدروجين .
فتقوم النجوم (بحرق) الهيليوم بدلاً عنه (لقد وضعتُ كلمة الحرق بين مزدوجين كونها ليست عملية حرق فعليّاً ,لكنّها تفعل شيئاً ما أكثر سخونة)
عند هذه المرحلة يُسمى النجم (عملاق أحمر) .وسوف تصبح الشمس عملاقاً أحمراً بعد نحو 5 بلايين عام .ما يعني أنّها الآن في مرحلة منتصف العمر !
قبل ذلك بوقتٍ طويل سيصبح كوكبنا الهزيل البائس بالغ السخونة الى حدّ يتعذّر العيش عليه .وخلال بليوني عام ستزداد درجة حرارة الشمس بنسبة 15% عمّا هي عليه الآن .معناها ستصبح الأرض مثل كوكب الزهرة حالياً !ولا يستطيع أيّ كائن العيش على الزهرة كون درجة الحرارة هناك تتجاوز ال 400 مئوية (يعني 8 أمثال حرارة العراق في شهر يوليو مثلاً)
غير أنّ (بليوني عام) فترة زمنية بالغةُ الطول ,غالباً ما سينقرض البشر قبلها بزمن طويل .وبالتالي لن يكون هناك إنسان يتلظّى في تلك النار !
أو ربّما تكون أدواتنا التكنلوجيّة قد حقّقت تقدّماً الى حدٍ يتيح لنا نقل الأرض الى مدار أكثر ملائمة !
وفيما بعد ,ما أنْ ينفذ الهيليوم أيضاً ,غالباً ما ستختفي الشمس في سحابة من الغبار والنفايات ,وقد خلّفت قلباً ضئيلاً يُسمى (القزم الأبيض) ,الذي سيبرد ويتلاشى !
***
ص 138 / السوبر نوفا وغُبار النجوم !
ختامُ القصة مختلف للنجوم العملاقة (الأكبر حجماً بكثير من شمسنا),
والأكثر سخونة منها .هذه المخلوقات المُرعبة تحترق من خلال الهيدروجين الذي تملكه بمعدّل أسرع جداً .و “قنبلتها الهيدروجينيّة” هي أفران نووية تمضي لمدى أبعد من مجرد جعل نويّات الهيدروجين تتصادم معاً لإنتاج نويّات الهيليوم .فالأفران شديدة السخونة للنجوم الكبيرة تواصل جعل نويّات الهيليوم تتصادم معاً ,لإنتاج حتى عناصر أثقل .وتستمر هكذا الى أن تصل حدّ إنتاج مدى واسع من الذرّات الثقيلة ! ومن بين هذه العناصر الثقيلة الكربون,الأوكسجين ,النتروجين ,الحديد (حتى الآن لا يوجد ما هو أثقل من الحديد) ,تلك العناصر الموجودة بوفرة على الأرض وفي أجسامنا جميعاً !
وبعد فترة قصيرة نسبياً يكون نجم كبير جداً من هذه النوعيّة قد دمّرَ نفسه من خلال إنفجار هائل يُسمّى ((السوبر نوفا)) !
في مثل هذه الإنفجارات بالتحديد تتكوّن العناصر الأثقل من الحديد !
حسناً ماذا سيحدث لو أنّ النجم إيتا كارينا إنفجر بصورة سوبر نوفا غداً؟
سيكون ذلك أصل جميع الإنفجارات .لكن لا تقلق فلن نعرف شيئاً عن هذا الأمر قبل 8000 سنة .وهذا هو الزمن الذي يقضيه الضوء(ولا يوجد شيء أسرع منهُ) ليقطع هذه المسافة الشاسعة بين إيتا كارينا والأرض !
حسناً :ماذا لو كان (إيتا كارينا) قد إنفجرَ منذُ 8000 عام ؟
الجواب :في تلك الحالة يمكن أن يصل إلينا الضوء وغيره من الإشعاعات الناجمة عن الإنفجار في أيّ يوم من الوقت الحالي !
وفي اللحظة التي نشاهدها فيها سنعرف أنّ إيتا كارينا قد إنفجر قبل 8000 عام .ولم يُشاهَد سوى نحو 20 سوبر نوفا في التأريخ المُدوّن !
وقد شاهد العالِم الألماني الكبير (جوهانز كپلر) واحداً منها في 9 إكتوبر من عام 1604 .وتمدّدت النفايات منذ ذلك الحين .ولابّد أنّ الإنفجار نفسه قد حدثَ فعليّاً قبل نحو 20 ألف عام .يعني تقريباً في الوقت الذي إندثرَ فيه إنسان الكهوف (النياندرتالي)
Neandrathal !
والسوبر نوفا (بخلاف النجوم المعتادة) تستطيع إنتاج عناصر حتى أثقل من الحديد ,كالرصاص واليورانيوم على سبيلِ المثال !
وقد نتجَ عن إنفجار جبّار لـ (سوبر نوفا) بعثرة جميع العناصر التي كوّنها النجم (ومن بعده السوبرنوفا) ,وهي تشمل العناصر اللازمة للحياة ,الى مسافة بعيدة وعلى رقعة واسعة في الفضاء .وفي النهاية فإنّ سُحُب الغُبار الغنيّة بالعناصر الثقيلة سوف تبدأ الدورة مُجدّداً .بعد أن تتكثّف لتشكّل نجوماً جديدة وكواكب .وذلك هو الموضع الذي أتت منه المادة الى كوكبنا
كما أنّه سبب إحتواء كوكبنا على العناصر اللازمة لتكويننا ,أيّ الكربون ,الاوكسجين ,النتروجين .وهكذا فقد جاءت من الغبار الذي تبّقى من سوبر نوفا سحيقة في الزمن ,تأجّجَ وميضها في الكون !
ذلك في الواقع هو أصل التعبير الشعري (نحنُ غُبار النجوم) ,وهو صحيح حرفيّاً !
فمن دون إنفجارات سوبر نوفا ,تمّت بالمُصادفة (وهي مصادفة نادرة الحدوث جداً) لم تكن لتوجد العناصر الضرورية للحياة !
إنتهى الجزء التاسع من قراءة هذا الكتاب العلمي الرائع !

***
الخلاصة :
هل لاحظتم كيف أنّ إنفجار السوبر نوفا هو الذي يقود الى توفير عناصر الحياة على كوكب مثل كوكبنا الأرضي ؟
ربّما لذلك نحنُ نحتاج لفهم مُجمَل الصورة العامة لهذا الكون ,فنحنُ في النهاية جزء منه !
يحوي الجزء المنظور من هذا الكون الشاسع ,ما يقرب من 170 مليار مجرّة !المجرّة التي نحنُ جزء متناهٍ في الصغر منها إسمها درب التبّانة
Milky Way
.هذه مَجرّة حلزونيّة الشكل عرضها حوالي 100 ألف سنة ضوئية و سمكها حوالي ألف سنة ضوئية !
وتحوي مجرتنا بين 200 الى 400 مليار نجم ,واحد منها هو الشمس !
وأقرب نجم للشمس هو (بروكسيما سنتوري) !
كلّ نجم تدور حوله كواكب ضمن مدارات معيّنة !
عدد الكواكب التي تدور حول شمسنا هي عشرة ,من بينها (عطارد ,الزهرة ,الأرض ,المريخ ,المشتري , زحل ,أورانوس ..الخ) !
كوكبنا الأزرق (الأرض) ضمن مجموعته الشمسية يقع على حافة مجرة درب التبانة ,والمجموعة تبعد نحو ثلثي المسافة عن مركز المجرة .
في مركز المجرة غالباً يوجد (ثقب أسود) سيبتلع كلّ شيء في النهاية !
إذا نظر شخص إلى السماء ليلاً فقد يرى جزءً من مجرتنا كحزمة من النجوم !
تذكروا التعبير الرومانسي (نحنُ غبار النجوم) ,وهو صحيح حرفيّاً !
شمسنا الحاليّة الجميلة ستتحوّل الى (عملاق أحمر) بعد نحو 5 بلايين عام
بعدها يبدأ إحتراق الهيليوم فيها بدل الهيدروجين .وعندما ينتهي الهيليوم تبدأ الشمس بالإختفاء في سحابة من الغبار والنفايات ,فتخلّف قلباً ضئيلاً يُسمى (القزم الأبيض) ,الذي سيبرد بدوره ويتلاشى !
***
الآن أنا لستُ قلقاً من ذهاب جهود العُلماء سُدىً طيلة القرون الأخيرة ,كي يفهموا (ثم يشرحون لنا) تفاصيل هذا الكون الشاسع الرهيب .وكيفيّة الإستفادة من كلّ معلومة .ولقد إستفادت البشرية فعلاً من ذلك !
مايقلقني حقّاً أن يأتي مُدعٍ أفّاق (مثل زغلول النجار) ليُخبِر عوام الناس (ويا للمصيبة أكثرهم يقتنعون) ,بأنّ كلّ ذلك وأكثر منه بكثير مذكور كإعجاز علمي في كتب التراث !
هل تشعرون الآن بالفارق بين صدق العُلماء الحقيقيين ,وكذب المُشتغلين بالدين ؟

تحياتي لكم
رعد الحافظ
26 أغسطس 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

One Response to ج 9 / ما الشمس؟ قراءة في كتاب سحر الواقع

  1. س . السندي says:

    خير الكلام … بعد التحية والمحبة والسلام ؟

    1 : من دون دراسة لغة كتاب ألاسفار وحضارة عصرهم لا نستطع الولوج الى مبتغى وقصد أي كَاتِب ، الكاتب ، ولا يتم ذالك إلا من خلال علم القرينة ، لأن لغات ذالك العصر بالتأكيد ستفتقد للكثير من المفردات والمصطلحات التي تسهل علينا ألامر ، واللغة كما هو معروف هى مفتاح كل حضارة وتأريخ ؟

    ٢: يجب الفهم جيدا أن النور العام قد خلق في اليوم الاول (وقد ذكرت ذالك) والنور الخاص بالأرض قد خلق في اليوم الرابع ؟
    ؟
    ٣: من الإجحاف التنكر لدور المسيحية وروادها في إستنهاض العلوم والفنون وتقدمها وتطوّرها والتي لولاها لما لما وصلنا إلى مانحين عليه من قفزات مذهلة وحتى مرعبة وفي شتى المجالات ؟

    ٤: يكفي الباحث المنصف إدراك أثر إختراع الطباعة في قيام ثورة المعرفة ، والتي كانت غايتها ألاولى نشر بشارة الإنجيل وقيمه للبشر ؟

    ٥: من المؤلم سعي بعض الحمقى الى تجريدها من دورها الريادي في تطوير الفنون وتقدم العلوم ، ويكفي أن 75% من المئة العظماء هم مسيحيون ، وليس أدلّهم الراهب مندل أبو علم الوراثة وكوبر نيكوس الذي أقر بمركزية الشمس ، وجورج لومتر البلجيكي صاحب نظرية الانفجار العظيم حتى قبل أن تعرف ، والبابا غريغوريوس 13 أبو التقويم الغريغوري ، وتسمية 27 فوهة على سطح القمر بأسماء رهبان فرنسيسكان (ويكبيديا – العلماء في المسيحية ) وووو ؟

    ٦: وأخيرا ؟
    نختم بمقولة خبير صيني من أعداء المسيحية { أن أحد أَسباب الثورة العلمية والصحية في الصين كانت على يد األاباء اليسوعيين } سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.