جيش سوريا الجديد .. والأربع وعشرين ساعة الأخيرة قبل سقوط الأسد.. بقلم حسام يوسف

المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية

لا أنكر أنني ترددت كثيراً قبل البدء بكتابة هذا المقال، خاصةً أنه يأتي في وقت تشهد فيه سوريا تطورات ميدانية غير مسبوقة تجعل من تقبل الفكرة التي سأسعى لعرضها في هذا المقال أمراً صعباً، لا سيما بالنسبة لمن ينظر إلى القضية السورية بعين المعارض.

نعم دخلت قوات النظام إلى حي القابون الدمشقي بعد سنوات من محاولات متكررة لإنجاز هذا التقدم الذي يعتبر من الانجازات ذات القيمة النوعية بالنسبة للنظام، خصوصاً وأنه يأتي كخطوة إضافية على طريق تأمين العاصمة دمشق من البوابة الشرقية.

لكن النقطة الجوهرية، هل هذا يكفي للقول بأن الأمور تُفصَل لصالحِ النظام، وأن مقولة سقوط الأسد أصبحت من الماضي؟؟

قد أكون متأثراً بعواطفي إن قلت بأن الثورة لم تتضرر بالانجازات الأخيرة للنظام، ولكني سأكون أكثر واقعية عندما أقول بأن سقوط الأسد لا يزال إلى الآن مسألة وقت لا أكثر، وهي مرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بالتسويات الإقليمية والاتفاقات الدولية على النفوذ في سوريا، لا بواقع السيطرة الميدانية على الأرض.

لنبتعد قليلاً عن نظرتنا التقليدية لسير الأمور في سوريا، ونتخلص من الحكم على التطورات بمنظارها العام، فسوريا اليوم وقضيتها ومصير بشار الأسد لم تعد مجرد ثورة على نظام أو موقف من ديكتاتور، لا سيما بعد تدويل “الأزمة” من خلال التدخل المباشر للقوى الدولية وتحديداً روسيا والولايات المتحدة واقتراب تدخل حلف الناتو عسكرياً فيها، لأقول هنا بأن مصير الأسد بات مرتبط بالمشروع الأمريكي الذي يرسم شرقاً أوسطاً جديداً يبدو أن أول عناصره قطع أذرع إيران من المنطقة العربية والتي يشكل الأسد ونظامه واحدةً منها، وهو المشروع الذي يفسر الموقف الأمريكي من مصير الأسد وبقائه في السلطة، خاصة بالنسبة لإدارة ترامب الراغبة بإعادة القوة لدور واشنطن في قضايا العالم والشرق الأوسط، وهو ما ظهر جلياً في دعاية ترامب الانتخابية وجولته الأولى في المنطقة.

النقطة الأخرى التي لابد من لفت النظر إليها تتمحور حول حقيقة عدم قدرة الأسد على استعادة الحكم العلوي الخالص لسوريا، خاصةً مع ارتفاع عدد قتلى أبناء الطائفة إلى أكثر من 150 ألف قتيل “بحسب مصادر روسية” من أصل 250 ألف شخص من الطائفة قادراً على حمل السلاح “بحسب وكالة تليغراف البريطانية”، ناهيك عن هجرة الآلاف منهم، وهي الإحصائيات التي تؤكد عجز الأسد عن بناء قلعة حافظ الأسد من حديد التي كان العلويون عمادها وأساسها، لاسيما بالنسبة للجيش والقوى الأمنية التي كانت الحاكم الفعلي لسوريا على مدار نحو 50 عاماً.

أدرك تماما أن كثيراً ما تصدم فرضية سقوط الأسد بقوة الدعم الروسي، إلا أنه من الخطأ اعتبار هذا الدعم قائماً على شخص الأسد، فبحسب النظرية الروسية في اختيار الحلفاء يمكن القول إن استمرار الأسد في السلطة لا يخدم مصالحها، خاصة وأن موسكو كثيراً ما تبحث عن حكومات وأنظمة قوية قادرة على تأمين تلك المصالح من خلال سيطرتها “أي تلك الأنظمة” على كامل البلاد وقدرتها على فرض استقرار أمني عالي، على شاكلة النظام الشيشاني بقيادة قاديروف، أو نظام الرئيس الأوزبكي الراحل إسلام كريموف، أو حتى نظام نور سلطان بازارباييف في كازاخستان، وهي الأنظمة التي لا يملك بشار الأسد القدرة على إنشاء نظام سوري جديد شبيهاً بها، وبات عاجزاً عن إدارة حكم دولة بمكانة وحجم سوريا الإقليمي، وهو ما أكده أيضاً الملحق العسكري الروسي السابق في سوريا وأحد عرَّابي وراثة بشار الأسد للسلطة الفريق “فلاديمير فيودوروف” في تصريحات صحفية سابقة.

بنظرة متعمقة على علاقة بشار الأسد مع الروس، فقد قامت خلال السنوات العشر التي سبقت الثورة على أساس الديكتاتورية التي ورثها عن والده حافظ الأسد، إلا أن الثورة السورية وسرعة تهاوي النظام وفقدانه السيطرة على نحو 70 بالمئة من البلاد خلال الأشهر الأولى من الثورة، لا شك أنها أمور أحدثت شكوكاً عند الروس حول إمكانية اعتبار بشار الأسد حامي النفوذ الروسي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما وأن قيادات عسكرية روسية أبدت امتعاضها من فشل قوات النظام وما يسمى بالقوات الرديفة من تحقيق أي إنجازات تذكر على الأرض طيلة عام ونيف رغم الدعم الروسي اللامحدود لها سياسياً وعسكرياً.

لا أريد الخوض أكثر في المواقف الدولية من القضية السورية، ولكن ما أريد قوله إن بقاء الأسد في السلطة لم يعد ممكناً على مستوى المواقف الدولية والإقليمية، وتحديداً تركيا ودول الخليج وحتى الدول العربية الناظرة بعين القلق للتمدد الإيراني في المنطقة، وما جرّه من ويلات على الشعب العربي في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، أو بصورة أوضح فإن نهاية حقبة آل الأسد السياسية يبدو أنها باتت محل إجماع دولي واقليمي بما فيها الداعم الروسي.

عملياً، ما أعنيه هنا أن تقدم قوات النظام في الكثير من المناطق لا يمكن ربطه ببقاء بشار الأسد واستمراره بالسلطة، وإنما يدخل في خانة الرغبة الدولية بالتأسيس لواقع جديد في سوريا يمكن فيه تحقيق حل سياسي “أياً كان شكله” مبنياً على تفاهمات الدول ذات النفوذ، ما يعني أن الفترة القادمة قد تشهد تقدماً آخراً لقوات النظام في مناطق جديدة، فصحيح أن هناك إجماع دولي على إسقاط الأسد، ولكن من المؤكد أن هناك إجماع أكبر على عدم حل مؤسسات الدولة السورية وعلى رأسها “الجيش والقوى الأمنية” حتى وإن اعتبرناها “كسوريين” أجهزة النظام.

أما لو نظرنا بشكل أكثر عمق لمناطق تقدم قوات النظام خلال الفترة الأخيرة فهي تتركز في مناطق سيطرة الفصائل الإسلامية “كأحرار الشام وجيش الإسلام وكتائب نور الدين زنكي”، ما قد يشير إلى تبني المجتمع الدولي لحل دمج كتائب الجيش الحر التي تقاتل تحت علم الثورة “بكتائب “الجيش السوري” وهو ما يمكن اعتباره جيش سوريا الجديد.

باختصار، فإن كل ما تشهده سوريا من تطورات سياسية وميدانية “حتى وإن كانت ظاهرياً تصب في مصلحة النظام” إلا أنها في الواقع تمهيداً للأربع وعشرين ساعة التي ستسبق سقوط الأسد “أياً كان شكل هذا السقوط”، وخلق مناخ واستقرار سياسي في سوريا يستطيع من خلاله ما يمكن تسميته بـ”جيش سوريا الجديد” من التفرغ لمرحلة الحرب على الإرهاب التي ستكون وقتها على رأس أولويات الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.