جريمة كتمان آيات القرآن

بقلم د. توفيق حميد/
حينما نستمع إلى محاضرات وخطب الإسلاميين المتطرفين، سنجد بوضوح، وللأسف الشديد، أن الكثيرين منهم ـ إن لم يكن أغلبهم ـ يقومون بكتمان آيات الله التي تتعارض مع أهوائهم:
فمثلا من يريد استخدام العنف مع غير المسلمين يكتم الآية الكريمة:
{وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
من يريد استخدام العنف مع زوجته يتناسى آية: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} والتي تضع الإنسان بين خيارين لا ثالث لهما، ولا تضع استخدام العنف واحدا من هذه الخيارات!
الذي يريد نشر الدين من خلال الحروب والاعتداء والظلم والنهب والسلب يتغافل عن الآيات التالية: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، و{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}، و{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ}، و{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، و{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، و{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
من أراد أن يصدر الأحكام على الآخرين ويتهمهم بأنهم ضالين وكفرة وأن جزاءهم جهنم تجده يغض الطرف عن قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}، و{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}، و{مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ}، و{وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ}.
من أراد أن يعامل غير المسلمين أو من يخالفه فى العقيدة بغلظة فهو في حقيقة الأمر يتناسى آية: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} من ذاكرته ويتغافل عن الآية الكريمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وينكر الآية القرآنية التي تأمر من يتبع القرآن أن لا يرد على الإساءة إلا بالإحسان {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}.
من أراد أن يعادي ويكره غير المسلمين فهو يتغافل عن الآية الكريمة: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ}.
إقرأ للكاتب أيضا: أكبر جريمة فى تاريخ الإسلام
من أراد أن يفجر نفسه في عملية انتحارية تقتل الأبرياء عشوائيا سواء في الأسواق أو في دور عبادة أو غيرها من الأماكن التي يرتادها الآمنون، فلا شك أنه يغض الطرف عن الآية الكريمة: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} فهو لا يدري كم نفسا بريئة قتلت بسبب جريمته الشنعاء.
من أراد أن يظلم غيره من البشر لأنهم يختلفون عنه في الفكر أو العقيدة أو من أراد أن يظلم زوجته أو جاره فقد تغافل عن آيات عديدة تحرم الظلم وتجرمه مثل: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} ومثل {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ (أي الظالمون) فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} ومثل {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}.
ومن أراد اعتماد وإقرار الطلاق الشفوي بدون وجود شاهدين عليه ـ فقد تعمد إهمال الآية الثانية في “سورة الطلاق” وهي تتحدث بوضوح عن ضرورة وجود شاهدين على الطلاق {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.
من أراد تعظيم السلف، وتقديس كل ما كتبوه، وما جاءوا به وأتباعهم بلا فكر ولا عقل، نسي عتاب الله على الأمم السابقة: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}. وغفل عن قصة النبي إبراهيم والتي ذكر الله فيها أن إبراهيم تعرف فيها على الله لأنه فكر ورفض اتباع قومه من دون تفكير، ونسى الآية الكريمة {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
إقرأ للكاتب أيضا: يوم سقوط شيخ الأزهر
من أراد إصدار الأحكام على الأشياء، فيحل هذا ويحرم ذاك كيفما أراد فقد نسى قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}.
من أراد التكلم بأقوال ادعى أن الرسول قالها لمجرد أنه قرأها في كتاب ما، تصرف وكأنه لم يسمع هذه الآيات: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، و{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}.
من أراد تكفير المسيحيين واليهود وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى كتم وتناسى قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة :62). ومن الواضح أن الآية السابقة لم تشترط الإيمان بمحمد أو بالقرآن لكي يكون الإنسان مقبولا عند الله، وذلك أمر قد يكون مستغرب عند البعض، ولكن هذا هو القرآن!
فمتى يكف المتشددون ورجال الدين الإسلامي عن كتمان آيات القرآن؟ ومتى يبدأون في استخدام ونشر الآيات المذكورة أعلاه لتكون نورا فكريا يقتدي به الكثير من المسلمين.
ولا يسعني في هذا المضمار إلا أن أقول لهؤلاء الذين يكتمون آيات القرآن المذكورة أعلاه ولا يجعلونها أساسا لفهم الدين ما ذكره القرآن الكريم في أمثالهم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.