النجف مدينة الكنائس والاديرة للمسيحين قبل 1400 سنة‎

أ. د. عبد الحميد العباسي

كان هذا عنوان مقال نشره احدهم على احد المواقع قبل ايام:

المقال نموذج لما يُصاغ ليُسيغَ طرْحاً أعد مُسبقا لغاية خفية قد يكون كاتبنا وعلى الاكثرلا يكون, واع الى تداعياتها. في المقال تحريف للكلام عن موضعه وروايات من نسج الخيال لا سند لها ولا وقائع. المعابد قد تتواجد في اي مكان فيه من يتعبد فيها فهناك مساجد اقيمت في اسبانيا ( ايام حكم العرب) وفي يوغسلافيا (ايام حكم الترك) وفي الهند (ايام حكم المسلمين للهند) وكنائس في القدس ومعابد يهودية في مدن من العراق ولكنها لم تطبَع على تلك البلدان.

ُقدم المقال بشكل درامي مثير للتقولات مع انه لا يعدو عن كونه خبرعن آثار لأديرة وكنائس كُشف عن بعضها في أراض عليها اليوم, مدينة النجف الاشرف. معابد كان يأمُها, في الماضي السحيق, مسيحيون من عرب المناذرة, هجروها بعد ان اعتنقوا الاسلام مع غيرهم من سكان العراق, مسيحيين ووثنين وملحدين. وليس في هذا غرابة فالاديرة والصوامع تقام بعيدا عن ضجيج المدن وما نحن بصددها اقيمت على اراض مقفرة في اطراف الحيرة عاصمة دولة المنادرة العربية. هُجرت تلك المعابد واندثرت وابتلعتها كثبان الرمال. أما حَشرُ مدينة النجف محورية في المقال, فليس له في الواقع, اكثر من مدلوله الجغرافي لكن اسلوب العرض يوحي الى الساذج وغير المحتسب وللمتربص حجة, أن النجف اقيمت على انقاض مدينة مسيحية وهي وفقا لذلك, امتداد لتلك المدينة المسيحية مع ان بين آخرعهد المسيحية في ارض المناذرة وبين بدء نشوء مدينة النجف, قرون. تكونت مدينة النجف من مريدي الامام علي (رض) الذين تجمعوا تدريجيا حول قبره على مر السنين. ألم يسمع الكاتب ولا أظنه قد سمع فهو مازال في مقتبل العمر, الم يسمع كيف اتخذ اليهود من وجود معابد لهم في القدس, ذريعة ليحتلوا فلسطين وكيف اتخذ الصليبيون من بيت المقدس ذريعة لغزو العالم الاسلامي وكيف هدم الهندوس مسجدا تراثيا بحجة انه أقيم على موقع كان فيه معبد هندوسي. لماذا يتوسل الكاتب الى الفاتيكان الذي جرد الحملة الصليبية على المسلمين, تلك الحملة التي نكلت, ايضا, بمسيحيي المشرق النسطوريين, يدعوه لكي يساعد في ابراز معالم النجف *المسيحية*, لماذا, مادام العراق رغم الضائقة التي يعانيها شعبه, يضع في اولوياته إبراز هذه *الكنوز*. اهلُ مدينة النجف, ليسوا ممن كان في الاصل من مسبحيي عرب المناذرة, هم جمع من الناس من مختلف انحاء العراق والعالم الاسلامي تكونت لهم شخصية وثقافة فارقة على مَرّ العصور, توحدهم حتى وكأنهم إثنية متراصة, تماما كما هو حال الموصليين. الكاتب يريد للنجف ان تلعب دورا في حوار الحضارات والاديان. الاصل في الحوار, بما في ذلك حوار الاديان, الا يعني ان تشارك به النجف على اساس خرافة انها كانت مدينة مسيحية يوما كما يتهيأ للكاتب انها هكذا كانت ولا ان الحوار, أي حوار, يعني ان يتهاون احدٌ او يُفرط ولا قيد أنمُلة, في اي من معتقداته وانما الحوارُ هو لاعطاء فرصة للعقل البشري الخلاق كي يخرج بصيغة تنتظم عقائدَ المتحاورين غير منقوصة. وأنا شخصيا لا أعرف عن حوارإتفق فيه الاطراف فيما بينهم, بل على من ليس بينهم!!. ورغم هذا وذاك ستظل النجف شامخة, رافعة راية الاسلام وشريعة الامام وحاضنة امينة للغة القرآن.

في ما يلي بعض العبارات التي جاءت في المقال اعلاه والتي تستوجب التأمُل العميق.

1. الكنائس على ارض النجف تمثل المرجعية العليا للمسيحين القدامي. ألم يكن هكذا حال بيت المقدس فاجتذب جيوش الصلببيين. واين تكون المرجعية العليا للمدهب الشيعي ام هل ستكون مرجعية *الشراكة* ايضا.

2. دعوة الى الفاتيكان للمساهمة في ابراز معالم النجف المسيحية. الا يكفي النجف مَعْلما أنها عرين الاسد؟

3. النجف مدينة الكنائس والاديرة…. قبل 1400 سنة

اين كانت النجف في تلك العصور الغابرة حتى يقرن اسمها بتلك الحقبة؟

ان اشهر علماء المسيحية في النجف كانوا علماء في الطب

العالم كله يعرف ان سومر وبعدها بابل اعطت للطب كل ماهو اول في الحضارة الانسانية.

وهناك ملاحظات أخر.

أ. تعلم *المسيحين* فاعل ومنصوب؟!!. تعلموا السريانية ونشروها في فارس واليمن..الخ. ممن تعلموها؟!!

ب. حُشر اسم خالد بن الوليد حشرا للإيهام بان هناك في البحث اسماء حقيقية.

لا نعرف لخالد بن الوليد دورا في نشر الاسلام في العراق كل مافي الامر ان خالدا كان في جيش اليرموك (في الشام) وأمره الخليفة ان بتوجه الى العراق . لنجدة جيش المسلمين الذي كان مشتبكا مع جيش كسرى

ج. انتهى دور الحيرة..وهيمن الاسلام على المنطقة.. .. الهيمنة توحي بالتسلط والاسلام دين رحمة وعدل, دين *لا إكراه في الدين*. وعرب العراق, سكانه انذاك رحبوا بالدين الجديد وحاملي رسالته, اخوانهم عرب الجزيرة. ومن شاهد المسلسل الوثائقي السوري *ذي قار* الذي عُرض قبل سنوات قليلة لابد لمَسَ كيف كانت القبائل في العراق, تترقب قدوم الدين الجديد والرسول (ص) كان قد بدأ يبشر برسالته في مكة.

د. ان اي ايحاء بأن مسيحيي العراق اليوم هم سلالة المسيحيين من عرب المناذرة امر مرفوض, فلم يقل مسيحيو العراق اليوم, انهم عرب. والقول لهم * تعالوا الى النجف لتتواصلوا مع تراث اجدادكم مسيحي الحيرة* هو محض هراء وربما دسّ. .

ها. اساطير عن الطبيب الذي جاء من الدير ليعاين الامام وقراءة الامام لاصوات نواقيس الاديرة. قرأت في نهج البلاغة وما وجدت الا ما يُفهم على ضوء المعارف العلمية الراسخة.

وبقي لي ان اقول ان المناذرة الذين تكرر ذكرهم في المقال اعلاه ودولتهم, لايَعرف عنهم الكثيرون, كثيرا. قبل ثلاثة سنوات او هكذا, قبل التغييرعُقدت في مركز *آل البيت* في لندن, ندوة موسعة فُهمَ انها لاستطلاع افكار ما بعد التغيرالذي كان *في الأفق*. تكلم احدهم وقال * لم يكن في العراق عرب بل قلة من الغساسنة والمناذرة معززا ذلك بإستخاف غير ناطق

Nonverbal.

 المناذرة العرب لم يكونوا قلة ولا الغساسنة كانوا في العراق بل هم عرب سوريا. كتبت الى صاحب المركز أحتجُ أن المتكلم إما جهل التاريخ او إستخف بذهنية الحاضرين. قال لي صاحب المركز *لم استلم رسالتك* وفهمت, بعد ذلك لماذا انكر. صار القائل إياه برلمانيا بارزا وتبين ان كلامه ذاك كان تمهيدا لتطلعات شوفينية لاقلية تريد ان تطغى. قامت دولة المناذرة العربية ولقرون وحتى فجر الاسلام, قامت على معظم جنوب العراق ووسطه وظل باقي العراق تحت سطوة القبائل العربية الأخر. كانت عاصمنهم الحيرة وآخر ملوكهم هو النعمان بن المنذر بن ماء السماء الذي بنى قصر الخورنق والسدير بلاطا الذي جاء اسمه في بيت شعر للجواهري: *شدنا الحياة وكوفئنا الممات +++ شاد الخورنق كي يُردى سنمّارُ*. والملك النعمان هو صاحب بوم البؤس ويوم النعيم وقد مدحه النابغة الذبياني في قصيدة منها: *كإنك شمسٌ والملوك كواكبُ +++ إذا طلعت لم يبدوا منهن كوكب*.ُ وتوعده عنترة في قصيدة منها:

*إن الافاعي وإن لانت مَلامسُها +++ عند التقلب في أنيابها العطبُ*

كان بين المنادرة ودولة الفرس معاهدة حسن جوار. دولة المناذرة تحوُلُ بين القبائل العربية ومهاجمة فارس وفارس لا تعتدي على دولة المناذرة. وعندما راى كسرى ان حدود الامن القومي لفارس تقع في العراق, اراد ان يزوج ولي عهده الى ابنة النعمان فرفض الاخير الطلب. وكانت معركة ذي قار بين القبائل العربية وعلى رأسها شيبان وبين جيش الفرس. وانتصر العرب الى اخر القصة, التي جُسدت في المسلسل التلفزيوني *ذي قار*. تعلمنا كلَ هذا من كتب التاريخ للدراسة المتوسطة, يوم كانت حقائق التاريخ العربي والاسلامي ُتدرس دون التقيد بمزاج هذه الفئة العراقية او تلك. وللان تعتبرايران أمنها القومي بمتد الى العراق غربا وهذا صحيح وعلينا ان نعتبر أمننا القومي شرقا في ايران وهكذا يكون على الدولتين حفظ حسن جواروهو ما نأمل ان تسعيا اليه. وكذلك أمننا القومي شمالا هو في تركيا حيث مصادر مياهنا ويلزم ان تكون لدينا *أوراق* تؤمن ذلك الامن القومي, إن لزم. ذكر الاستاذ حسنين هيكل ان مجال الامن القومي المصري هو في فلسطين او العراق وهو كذلك في اثيوبيا حيث منابع النيل. هذا مالزم في هذه الفسحة

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.