الموت والميلاد

إبراهيم يلدا بين الحرية والخلاص والموت والميلاد.
إمكانية توظيف الماضي والحاضر ورؤية المستقبل الآتي.
هل الموت هو الحرية والخلاص ؟

عصمت شاهين دوسكي
الجزء الأول

لم تعد الحرية والخلاص مرتبطة بذات الشاعر أو خارجها فقط بل يعد الأمر أكثر شمولية في الفضاء الإنساني وكأنه غربة داخل الروح توازي غربة خارج الروح وبينهما عوالم الموت والميلاد وان تغيرت لغة الشاعر وفقا لمتطلبات عصر ما ونكوى بمفردات الانكسار والانحطاط التي مثواها أعماق الشاعر وهي تناقضات لا تهمش الحرية والخلاص بل تعكس المستويين الأدبي والإنساني بحيث تتحول من لغة أدبية تعبيرية إلى أداة تأثيرية تعمل بتفاعل الإحساس مع الواقع ، في استهلال قصيدة الشاعر الكبير إبراهيم يلدا ” الموت والميلاد ” يحاول أن يكون صورة متداخلة من الماضي والحاضر والمستقبل حيث ينتقي عمق التاريخ بصور شعرية ” البحر – المركب – الحبيبة والشاب ” التي تحاول أن تعاصرها مع ” الطوفان – سفينة – نوح وزوجه ” وبفكر واع وربط راق يستهل بنص هادئ وفي هذا الهدوء تمرد خفي ” حبيبان – كلاهما – يتأملان – يقبلان ” ومن خلال هذا الجو الرومانسي الذي وضعه القدر فيه يعلن بمعان ضمنية تمرده على الواقع وبصورة إنسانية يبحث عن الحرية والخلاص .
(( ظلام دامس يلف المعمورة
حبيبان متحشان بالرعب
في وسط البحر الشاب وحبيبته
جالسان على تخت لقارب الموت
احدهما يتكئ على الآخر
كلاهما يترنمان معا


مرثية الحزن
بأمل صغير معلق بشجرة
يتأملان اليابسة )) .
حيث يبدأ هذا الاستهلال النصي بالحلم والرؤيا الحاضرة والمستقبلية ” اليابسة ” وان كانت الرؤيا مختصة بالأنبياء والأولياء والقديسين ، لكن يمكن أن نضيف الأدباء والمفكرين والعلماء كرؤية تختمر في تجارب عديدة وعمق ماض له اثر على الآخرين لتتجلى رؤيا مستقبلية بإحساس سام ولاشك عوالم الحلم يتعاطاها كل البشر ، الشاعر إبراهيم يلدا يختصر آلامه ووجعه العميق وعذاباته ورؤاه على مركب مع حبيبته ويقتنص اللحظات ليتوغل فيها برؤيا منعشة للحياة على الرغم من حضور الموت وهو تركيز عال في جمع التوجهات الفكرية الحسية الروحية ليبث من خلالها تراتيل لزمن آت وتوافق مغاير أساسه الحرية والأمان والخلاص وبرفدها بالحب والأشواق ليدق نواقيس نافذة الروح والإلهام والإبداع .
(( اسمعيني أيتها الحبيبة
في قلبي المحروق
مكان يستوعب
شمعة صغيرة دائمة الاشتعال
سترشدنا إلى الطريق
وتدفئ جسدينا )) .
يا ترى هل الموت هو الحرية والخلاص من متناقضات وجراحات الميلاد أم الميلاد يلمح الاكتشاف الحقيقي الروحي والفكري للحرية والخلاص أم كلاهما معين لاكتشاف كل شيء ، لاكتشاف الحقيقة أو جزء منها ؟؟ تتخلل هذه التساؤلات ثنائية الوجود ” المرأة والرجل – ادم وحواء – نوح وزوجه ” الجميع ينتظر خبر الخلاص ، الحيوانات والنباتات والزواحف ” جميعهم نادوا وغنوا – أغنية الميلاد – لنا الحرية ولنا الخلاص ” هذه الذاكرة الشعرية العميقة توحي برؤيا تاريخية الأثر عميقة الصلة بالإنسان والأرض وان تأزم هذا الإرث التاريخي بخطوبه ونكباته ودماره وخرابه وتشتت الإنسان بين الوجود واللا وجود بين الواقع والخيال بين اللقاء والفراق بين الشمل والتشتت وهو يعكس الموت والميلاد كل ذلك يأتي من تعريفه للخلاص وتحمل الأزمات والمعاناة والصبر على الآهات وتغلبه على كل العذابات .بوجود ” الحمامة ” الطائر الذي يحمل البشرى عن بيان وظهور اليابسة ، التي تعني الحرية ، الخلاص .
(( نعم كانت هناك حمامة
تلك التي طارت لتأتي بالبشرى
أضحت صادقة ورحيمة
وعادت إلى عشها
كل ينتظر منها خبرا
وحيث الجميع ينتظرون خبر الخلاص
السيد نوح وزوجته
وكل الحيوانات والنباتات
وكل زاحف جائع
أن كان أليفا أو من طيور البراري
جميعهم نادوا وغنوا أغنية الميلاد
لنا الحرية ولنا الخلاص )) .
أن توظيف قصة نوح عليه السلام مع مفردات العصر البحر ، المركب ، الشاب والحبيبة تأتي بعد قدسية الإنسان المغتصبة والمنتهكة حيث لا عدل ولا حقوق حيث الغربة الروحية والوحدة والإحساس بالظلم والألم الذاتي وهي أشكال ومعان مكنونة تعكس الصراع الإنساني الخفي تبوح ظاهر المفردات بين البحر واليابسة ، الحرب والسلام ، اللقاء والفراق ، البداية والنهاية حيث يعطي الشاعر إبراهيم يلدا مقدمة بيانية قصيرة لقصيدته يقول فيها ” يقول الشاعر الانكليزي ت اس اليوت في مطلع إحدى قصائده – في بدايتي تكمن نهايتي – أما أنا فأقول – في نهايتي تكمن بدايتي – لأنني ما لم انته لن ابدأ فكل نهاية تحمل بين طياتها بذرة البداية ومن القديم تنبعث الحداثة وكل موت يعطي مكانا للميلاد ، ميلاد روح جديدة والحياة هي موت وميلاد ” يوحى لي بأن الشاعر كان مخنوقا لسنوات ثم وجد نفسه في فضاء واسع فأطلق العنان لرغبته وإحساسه وأفكاره لتتنفس الحرية والخلاص بين الموت والميلاد بأسلوب شعري راق ممزوج بالرومانسية التي تأخذ مداها الجميل لغد أفضل.
(( سنصل اليابسة
ونحيى لوحدنا
إلى أن تشرق الشمس
إلى أن تنبع الروح
في الأرض التي نزرعها
إلى أن نرفع الحائط ونبني البيت
إلى أن نبدأ من جديد
ونتأمل في الغد الآتي )) .
لزم الشاعر إبراهيم يلدا أسلوبا خاصا في التعامل بين توظيف الماضي والحاضر ورؤية المستقبل الآتي وبلغة جميلة نقية حالمة هادئة كأنها أنشودة الخلاص وفي نفس الوقت متمردة في ترتيل عميق الأثر بصياغة العالم الشعري الروحي الخاص بين رؤيا الموت والميلاد وبين البحث عن الحرية والخلاص برؤيته الخاصة التي مكنته من الإبحار بصورة شعرية سليمة رغم كل التناقضات وعواصف الأمواج الواقعية في محاولة للوصول إلى بر الأمان إلى اليابسة ليبدأ من جديد بغد التوغل وسبر أغوار الذات الجريحة التي تتأجج فيها تفاعلات صراع فكرية مكنته من جمع التمزق والانشطار والشروح الواقعية بتوظيف تاريخي رمزي روحي هذا التوظيف الجميل والربط الخفي أعطى طاقة تعبيرية راقية فسحت له المجال ليعبر بتأن كما يشاء مع ملاحظة القلق والاضطراب والتيه والضياع والرحيل لكن يبقى الصراع الداخلي والخارجي كتوأم يثير سبل البحث عن الحرية والخلاص في الموت والميلاد .
***************************************
الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد – الجزء الأول – طبع في أمريكا وفي مدينة
Des Plaines
دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة
Press Teck .. بريس تيك … 2018 م

About عصمت شاهين دو سكي

- مواليد 3 / 2 / 1963 دهوك كردستان العراق - بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر ، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية . - عمل في جريدة العراق ، في القسم الثقافي الكردي نشر خلال هذه الفترة قصائد باللغة الكردية في صحيفة هاو كارى ،وملحق جريدة العراق وغيرها . - أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل - حاصل على شهادة المعهد التقني ، قسم المحاسبة - الموصل - شارك في مهرجانات شعرية عديدة في العراق - حصل على عدة شهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية ومنها شهادة تقدير وإبداع من صحيفة الفكر للثقافة والإعلام ، وشهادة إبداع من مصر في المسابقة الدولية لمؤسسة القلم الحر التي اشترك فيها (5445) لفوزه بالمرتبة الثانية في شعر الفصحى ، وصحيفة جنة الإبداع ، ومن مهرجان اليوم العالمي للمرأة المقام في فلسطين " أيتها السمراء " وغيرها . - حصلت قصيدته ( الظمأ الكبير ) على المرتبة الأولى في المسابقة السنوية التي أقامتها إدارة المعهد التقني بإشراف أساتذة كبار في الشأن الأدبي . - فاز بالمرتبة الثانية لشعر الفصحى في المهرجان الدولي " القلم الحر – المسابقة الخامسة " المقامة في مصر " . - حصل على درع السلام من منظمة أثر للحقوق الإنسانية ، للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان .في أربيل 2017 م - حصل على شهادة تقديرية من سفير السلام وحقوق الإنسان الدكتور عيسى الجراح للمواقف النبيلة والسعي لترسيخ مبادئ المجتمع المدني في مجال السلام وحقوق الإنسان أربيل 2017 م - حصل على درع السلام من اللجنة الدولية للعلاقات الدبلوماسية وحقوق الإنسان للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان . أربيل 2017 م . - عدة لقاءات ثقافية مع سفيرة الإعلام فداء خوجة في راديو وار 2017 م . - أقامت له مديرية الثقافة والإعلام في دهوك أمسية أدبية عن روايته " الإرهاب ودمار الحدباء " في قاعة كاليري 2017 م - تنشر مقالاته وقصائده في الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية . - غنت المطربة الأكاديمية المغربية الأصيلة " سلوى الشودري " إحدى قصائده " أحلام حيارى " . وصور فيديو كليب باشتراك فني عراقي ومغربي وأمريكي ،وعرض على عدة قنوات مرئية وسمعية وصحفية . - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء الأدب الكردي - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء المغرب - كتب مقالات عديدة عن شعراء نمسا ، (( تنتظر من يتبنى هذا الأثر الأدبي الكردي والمغربي والنمساوي للطبع . )) . - كتب الكثير من الأدباء والنقاد حول تجربته الشعرية ومنهم الدكتور أمين موسى ، الدكتورة نوى حسن من مصر الأديب محمد بدري، الأديب والصحفي والمذيع جمال برواري الأديب شعبان مزيري الأستاذة المغربية وفاء المرابط الأستاذة التونسية هندة العكرمي والأستاذة المغربية وفاء الحيس وغيرهم . - عضو إتحاد الأدباء والكتاب في العراق . - مستشار الأمين العام لشبكة الأخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية . - صدر للشاعر • مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد . • ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف من الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . • كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد . • كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . • ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد . • رواية " الإرهاب ودمار الحدباء " مطبعة محافظة دهوك ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . • كتب أدبية نقدية معدة للطبع : • اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر . • فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي . • سندباد القصيدة الكورية في المهجر ، بدل رفو • إيقاعات وألوان – عن الأدب والفن المغربي . • جزيرة العشق – عن الشعر النمساوي . • جمال الرؤيا – عن الشعر النمساوي . • الرؤيا الإبراهيمية – شاعر القضية الآشورية إبراهيم يلدا. • كتب شعرية معدة للطبع : • ديوان شعر – أجمل النساء • ديوان شعر - حورية البحر • ديوان شعر – أحلام حيارى • وكتب أخرى تحتاج إلى المؤسسات الثقافية المعنية ومن يهتم بالأدب والشعر لترى هذه الكتب النور في حياتي .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.