العلماء والمسؤولية . في الميزان

بقلب الشاعر أفزع لاصياد عصفور

وبعقل المفكر .توجد حسبات أخري ..

نشعر بألم سيدة عمرها 90 سنة لا تزال تحمل صورة بيتها ومدينتها التي هدمتها الحرب العالمية الثانية , وصور ذويها الذين دفنوا تحت الأنقاض .. نشاركها بشدة ألمها وفجيعتها التي لن تنساها الا بالموت ..ولكن :

ليست فجيعة تلك السيدة هي القصة من أولها لآخرها . حتي نتوقف تماماً عندها . بل فجيعتها . مجرد حرف في رواية مأساة الانسانية كلها في الحرب العالمية الثانية ..

ومأساة قرية دمرت وذبح أهلها ..هي سطر في الرواية .

ومأساة مدينة دمرت بأكملها.. هي صفحة من صفحات رواية الحرب العالمية الثانية .

ومأساة دولة وشعب فقد 20 مليوناً من أبنائه – روسيا – هي فصل في الرواية .

وهناك من يتوقف عند بشاعة القتل بصرف النظر عن عدد الضحايا . فنجده وقف عند ربع مليون فقدهم اليابانيون في هيروشيما ونا جازاكي . وقد لا يلتفت ل20 عشرين مليوناً فقدهم شعب روسيا . وعشرات أخري من الملايين . من مختلف دول العالم ..

يمكن ومن حق القاريء العادي للرواية . أن يتوقف ويدور ويلف ولا يكف عن البكاء . عند سطر لا غيره أو فصل وحيد . بتلك الرواية الضخمة ..

أما المؤرخ أو الناقد , أو المفكر السياسي . فمن المفروض أن مثل هؤلاء . لهم , وعندهم حسابات أخري . أكبر , بقدر ضخامة حجم الحدث . وان وجد بين هؤلاء من يفكر أحياناً , بعقلية القاريء العادي – !

اذا اعتبرنا عالماً مثل ” الفريد نوبل ” . مجرماً لأنه اكتشف الديناميت .حتي وان أبدي ندمه . واعتبرها سيئة كفر عنها برصد مبلغ لجائزة سنوية لمن يعملون لأجل السلام

فان هناك حسابات أخري . سواء فطن إليها نوبل , او لم يفطن .

فكم عدد الطرق التي كان للديناميت فضل شقها في الجبال والصخور . ووفر عذاب البشر في هذا العمل – خاصة من قد يستخدمون بطريق السخرة – ؟

وكم عدد المناجم والمحاجر . التي سهل الديناميت حفرها , او تفتيت صخورها وأحجارها . رحمة بالانسان – بكافة دول العالم – من عذاب هذا العمل الشاق ؟

هذه حسابات .. يجب ألا نسقطها او ننساها ..سواء قدرها مخترع أو مكتشف الديناميت – أو اغفلها . وسواء عميّ عنها المثاليون . أو أبصروها ..

ومن يصر علي أن الفريد نوبل . قد أجرم .. فعليه اعتبار صانعي السكاكين , التي لا يمكن أن يستغني عنها بيت أو فندق أو مطعم ..هم أيضا مجرمون . ألا تُستخدم السكاكين في عمليات القتل . بين الافراد .ً بجميع انحاء العالم !؟

لعل القول الصواب : لا نوبل . مجرم . ولا من يصنعون السكاكين . بل من يستخدمونها في القتل هم المجرمون من يستخدمون الديناميت في غير راحة الانسان ومصلحته

هم القتلة المجرمون .

نحن نفزع عندما نعرف عدد ضحايا القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية . والدمار الذي لحق بمدينتين كبيرتين .

ولكن حتي ولو ندم وبكي كل من أينشتاين . وأوبنهايمر – العالمان اللذان كانا وراء الذرية والنيترونية .- علي فعلتيهما . أو حتي حرضا الرئيس الأمريكي . علي استخدام القنبلة الذرية في الحرب .. فهناك حسابات أخري :

فلو لم تَحسم القنبلتان الذريتان الحرب وتوقفها – بعد رفض اليابان للاستسلام , وعزم روسيا علي دخول الحرب ضدها بجانب أمريكا وحلفائها .. فكم كان يمكن أن يصل عدد المدن التي ستدمر باليابان وبغيرها , وكم مليوناً أخراً من القتلي والجرحي والمصابين . كان يمكن اضافتها لضحايا الحرب . بدون الحسم الذري ؟

وكان هناك سباق للوصل لتنفيذ القنبلة الذرية قبل هتلر .

فتري لو كان هتلر قد سبق . وصنعها واستخدمها . فالي أي مدي كان سيفعل !؟

بالطبع لسنا مع استخدام الذرة في الدمار والخراب والكوارث . لا علي يد أي من أمريكا أو هتلر , ولا غيرهما ..

ولكنها حسابات .. لنري بها الصورة من كافة جوانبها..

فهناك من اذا ذكروا كارثة الانسانية في هيروشيما وناجازاكي . لا يشيرون اطلاقاً لما تتحمله من المسؤولية : القيادة اليابانية التي كانت حليفاً لهتلر في الحرب ! .

كم عدد من قُتلوا في الحرب العالمية الثانية . بدون القنبلة الذرية ؟ وكم عدد المدن التي دمرت في القارات الثلاث – أوربا وأسيا وافريقيا – ؟

عرفنا أن القنبلتين الذريتين دمرتا مدينتين يابانيتين وحوالي ربع مليون قتيل- ربع مليون . أما باقي ضحايا تلك الحرب العالمية فكان فقط ولا غير يتراوح ما بين – 50 مليوناً : 70 مليونا ! – حسبما تقول التقديرات ! وقرابة 90 مليون جرحي ومعوقين ..

هؤلاء الضحايا … القنبلة الذرية بريئة من أرواحهم و دمائهم ..

أما المدن التي ُدمرت بمختلف دول أوربا وآسيا وافريقيا .. فنصيب السلاح الذري , فيها : مدينتان ! .

ان العلم يدفع الانسان لأن يجرب .. يجرب النافع والضار . ليري ويعرف النتيجة .. ما لا نجد له نتيجة سوي الضرر. اليوم . من الاكتشافات العلمية . قد نجد له أعظم النفع في المستقبل . أي أن المعرفة واجبة ومطلوبة

اليابان نفسها التي أفجعتها القنبلة . استخدمت الطاقة الذرية لتوليد الكهرباء ولفائدة الأغراض المدنية . وحدثت كارثة بسبب انفجار المفاعل النووي الياباني , منذ سنوات قليلة مضت , ولا نظنه سوف يثنيها عن استخدام الطاقة الذرية ( للأغراض مدنية ).. . وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ُضربت بالذرية !؟

وماذا عن علاج الأمراض المستعصية . باستخدام الذرة ؟! وهل يمكن لليابان أن تتخلف عن استخدام العلاج بالذرة ؟!

فهل نشكر- آينشتاين و أُوبنهايمر -.. أم نضيف تلك النعمة لجرائم العلماء !؟

فليمض العلم في طريقة . ويخوض كافة مغامراته . تستخدم تارة لصالح الشر , وتارات كثيرة لصالح الخير ..

وعلينا تطويع الاكتشافات الضارة . وتحويلها من الضرر للمنفعة .

لن نستطيع ايقاف الصراع بين الخير والشر بداخل الانسان ( الا بالعلم , ولهذا حديث آخر , ومشوار . قد لا يطول كثيراً

فلماذا نوقف الصراع بين العلم والجهل . بدعوي السلام ؟ فلنكن مع العلم . ونضع كل أدوات السلامة . لدرء أقصي ما نستطيعه . من مخاطر الاكتشافات العلمية . وعيوبها الجانبية , لأجل أقصي ما يمكننا من السلام ومن الرخاء والرفاهية .

About صلاح الدين محسن

صلاح الدين محسن كاتب مصري - كندي . من مواليد القاهرة عام 1948 عضو"اتحاد كتاب مصر" . عضو " جماعة الفنانين التشكيليين والكتاب " بالقاهرة عضو اتحاد كتاب كندا - تورنتو - PEN CANADA عضو " جمعيةالكتاب المغتربين " بكندا - تورنتو- التابعةلاتحاد كتاب كندا PEN CANADA. له عدد من المؤلفات في عدة مجالات - 16 كتاب . طبع بالقاهرة حتي عام 2000 تنشر مقالاته بأكثر من موقع الكتروني سجن بمصر 3 سنوات من 2000 : 2003 عن كتابيه " لا أحب البيعة " و "ارتعاشات تنويرية ".. لمطالبته بالديموقراطية وتداول السلطة بالكتاب الأول ، ولدعوته لعهد جديد من التنوير الفكري بحقيقة العقيدة البدوية والتاريخ العرباوي : بكتاب ارتعاشات تنويرية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.