الشعب يريد…

michalaonالعربية: ريما مكتبي

تكاد تكون الأرقام سرا من أسرار لبنان. فالأسوأ من فتح ملفات الفساد والإجرام الذي شهدته الحرب الأهلية والتعامل مع دول خارجية هو سرد الأرقام والتعداد.

وكأن اللبنانيين يخافون المعرفة، علماً أنهم يعتقدون أنهم منبع الحضارات والثقافات. كم هو عدد المسيحيين؟ السنة؟ الشيعة؟ الدروز؟ ما هو العدد السكاني الدقيق ومن يقيم في بلاد الأرز ومن يقيم في المهجر؟ حتى الأموات لا يُحصون كما يجب، وبالتالي لطالما قام الأموات واقترعوا في انتخابات بلدية ونيابية فقط لأن لوائح الشطب غير دقيقة. ما هو رقم ثروة هذا الزعيم أو ذاك، كم صرف أموالا في السياسة ومننها؟ ولعل السؤال الأكبر كم هو عدد مناصري جعجع أو عون أو بري أو نصرالله أو جنبلاط أو أي من زعماء لبنان؟

طرأت هذه الأسئلة في بالي فيما تابعت مجريات انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في مجلس النواب اللبناني بعد فشل الإتيان برئيس دام عامين ونيف. وما إن دخل الرئيس الجديد القديم إلى “قصر الشعب” – أي قصر رئاسة الجمهورية- حتى تذكرت “شعب لبنان العظيم” الذي يفترض أنه كان ممثلا بـ 128 نائبا ناقص نائب مستقيل. 83 نائبا انتخبوا ميشال عون رئيسا، فهل هذا الرقم يمثل غالبية اللبنانيين؟ لا أحد يعرف. الانتخابات الرئاسية تصادف في مرحلة هي الأسوأ من منظور زعماء لبنان فمنهم من شاخ ومنهم من أفلس إما سياسيا أو ماليا ومنهم من خسر شعبيته لأنه ببساطة لم يفعل شيئا جيدا في الأعوام الماضية وحتى لو اقترع كل نواب تيار المستقبل بإيعاز من زعيمه سعد الحريري، فذلك لا يعني أن كل ناخبيهم يرغبون بميشال عون رئيسا لهم. لا بل إن المعلومات تشير إلى أن الحريري وجد صعوبة في إقناع مناصريه بالخطوة. وحتى لو تصرف سمير جعجع وكل نوابه في البرلمان أن نصر عون هو نصر القوات اللبنانية أيضا، فإن 26 عاماً من الصراع المسيحي كفيلة بأن تبقي عددا كبيرا من القواتيين غير مقتنعين بعون رئيسا لهم. والعكس صحيح في الجهة المقابلة، فالغرام الشيعي العوني في السنوات الماضية أقنع غالبية مناصري حزب الله وحركة أمل بأن ميشال عون هو الحل الوحيد للقيام بلبنان من مأزقه. وهكذا عندما يحجم نواب حركة أمل عن انتخاب عون فإنهم لا يعبّرون بشكل كامل عن ناخبيهم. إذا الحديث أن غالبية الشعب اللبناني أو غالبية المسيحيين يريدون هذا أو ذاك، أمر مشكك به. لكن الأكيد أن لدى اللبنانيين مطالب كثيرة قد تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قابلة للحياة لكنها لا تقف هنا.

الشعب يريد رئيساً وحكومة تؤمن أبسط الأمور الحياتية: الكهرباء والمياه، لمّ نفايات لها عام ونيّف في الطرقات، إعطاء العمال حقوقهم الكاملة، إيجاد فرص عمل لشبان وشابات لبنان، إنماء المناطق النائية ومساعدة المزارعين، تأمين الاستقرار الأمني وعودة السياحة وإنماء الاقتصاد.

والشعب يريد أن يرى قوانين عصرية وجديدة لا غبار عليها وبعدها برلماناً أفرزته انتخابات تعكس مطالب الناس وآراءهم. حتى من لم يرد الجنرال في سدة الرئاسة كان فرحاً أمس بملء الفراغ. لكن اليوم بدأ التحدي فالجنرال حقق حلمه بالرئاسة بقي أن يحقق حلم الشعب بوطن.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.