التقارب مع روسيا

الشرق الاوسط: بول سوندرز

لماذا كل هذه الهستيريا حول روسيا؟ من نبرة الخطاب السياسي في واشنطن، يخيل للمرء أن القوات الروسية تحتشد على حدود البلاد الغربية، وأنه يتم إعدام نشطاء المعارضة بالمئات. بالتأكيد هناك بعض الأحداث الواقعية المزعجة في روسيا، لكن هناك حاجة إلى منظور لرؤية المشهد. إذا كانت موسكو حقا عاصمة دولة استبدادية قاسية معادية لأميركا، يمكن للأمور أن تزداد سوءا بحيث تقوض المصالح الأميركية بشكل كبير. مع ذلك لن يغير تصوير روسيا على أنها شيطان الوضع هناك، بل سيقوض فقط قدرتنا على تحقيق ما نريده ونحتاجه. على المستوى الداخلي، روسيا فاسدة وشبه سلطوية ولا يتمتع المواطنون فيها بالكثير من حماية قانون الحقوق ولا يتم إجراء انتخابات نزيهة بها. يقال هذا، لكن لم تعد روسيا المكان الذي يتم إرسال المعارضين فيه إلى المصحات النفسية كما كان يحدث في السبعينات، أو إلى معسكرات العمل في سيبيريا خلال فترة الستينات، أو يطلق عليهم النار من دون محاكمة تكون عادة صورية يعترف فيها المتهم بعد التعذيب وتهديد أفراد أسرته خلال فترة ثلاثينات القرن الماضي. كذلك لم تعد سياسة موسكو الخارجية كما كانت خلال فترة الثمانينات وقت الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، أو خلال فترة الستينات عندما كان الاتحاد السوفياتي يدعم الحركات الثورية حول العالم، أو خلال الثلاثينات عندما وضع ستالين وهتلر ناظريهما على بولندا واقتسماها. ينبغي على أي شخص يميل إلى وصف الحرب الأهلية السورية بأنها «حرب بالوكالة» تذكر الحروب بالوكالة التي كانت تحدث في الماضي، عندما كان «المستشارون» السوفياتيون والأميركيون يقدمون مساعدة عسكرية كبيرة لعملائهم في إطار صراع مثلما حدث في الحرب الأميركية في فيتنام والحرب السوفياتية في أفغانستان.

وتحاول روسيا الحيلولة دون انهيار نظام بغيض جدا في صراع مع أشخاص لا يقلون بغضا عنه على الجانب الآخر، ويتلقى بعضهم أسلحة من بعض حلفاء الولايات المتحدة. لا بد أن يرحل بشار الأسد، لكن لوضع نهاية للصراع في سوريا يجب إقناع روسيا بوقف دعمها بدلا من تشجيع كل الأطراف على التصعيد. وتختلف المصالح والأولويات ووجهات النظر الأميركية عن الروسية بشأن الكثير من المشكلات الدولية الكبرى. لا يمكن أن ينظر إليهما باعتبارهما أصدقاء بكل المقاييس، لكن لا يمكن اعتبارهما أعداء، وكلما بكرنا بإدراك هذا والتصرف طبقا له، كنا أقدر على تحقيق أهدافنا في روسيا والعالم. لا يجعل الخطاب الجدلي، الذي يشوش على هذا التمييز ويعرقل الفرص، السياسة أفضل بل لا يزيدها إلا سوءا. نادرا ما يعترف من يريدون «التصدي» لروسيا، إن وجدوا أصلا، بالعواقب المحتملة لهذا النهج. العاقبة الأولى هي احتمال أن تقرر موسكو مواجهة وتحدي الولايات المتحدة. هل تعتقد أن فلاديمير بوتين يقوم بذلك بالفعل؟ أعد النظر في الأمر؛ فروسيا العدوانية تستطيع التصرف بطرق مختلفة ومتنوعة. ربما تزود روسيا سوريا بصواريخ مضادة للسفن لمنع أي تدخل عسكري، لكن بكل المقاييس التاريخية، تقدم روسيا مساعدات عسكرية أو اقتصادية ضئيلة نسبيا لنظام الأسد. لن ترسل موسكو قوات مقاتلة أو مستشارين، ولا تقدم منحا أو دعما، ولا يبدو أنها تتشارك المعلومات الاستخباراتية من أجل منع شحنات الأسلحة من الوصول إلى أيدي الثوار. لا يتجاوز نشر قواتها البحرية في المنطقة كونه رمزيا، فالسفن الروسية لن تدافع عن سوريا في حال تدخل القوات الأميركية عسكريا، وهو ما يبدو غير مرجح، ولا تستطيع القيام بذلك. أما فيما يتعلق بالقضايا الأخرى، في الوقت الذي تصدت فيه روسيا لفرض الأمم المتحدة عقوبات أكبر على إيران، دعمت عدة قرارات بفرض عقوبات وامتنعت عن تقديم صواريخ «إس 300» أرض – جو أو صواريخ «إس 400» الأحدث منها.

لا تدعم موسكو إرهابيي تنظيم القاعدة في هجماتهم على الولايات المتحدة وحلفائها، وحذرت السلطات الروسية الاستخبارات المركزية من اتجاه تامرلان تسارنايف نحو المزيد من التطرف قبل تفجيرات ماراثون بوسطن بفترة حتى إذا كان الدافع هو منع وقوع هجوم على أراضيها لا أراضينا بالأساس. ولا تساعد روسيا خصوم الولايات المتحدة في أفغانستان وكانت عاملا أساسيا في العمليات الأميركية الخاصة بتزويد قواتنا بالمؤن، والآن في سحب القوات من هناك. ورغم أن الطريق الروسي طويل ومكلف، فإنه يساعد واشنطن في تفادي الاعتماد بالكامل على باكستان التي بات الوصول إليها غير مأمون العواقب حيث يتم مهاجمة القوات. وربما الأهم من كل ذلك هو أن موسكو ليست شريكا نشطا في عملية تطوير الجيش الصيني الهائلة. وإذا تراجعت روسيا عن بعض هذه السياسات أو كلها، ربما يكون ذلك مدمرا للمصالح الأميركية. ربما تستحق روسيا حقا الكثير من الانتقادات التي توجه إليها من نشطاء وآخرين لا يحبون الكثير من ممارساتها في الداخل أو سياستها الخارجية. ويمكن أن يفوت على النشطاء إدراك عواقب ما يطالبون به، فالتفكير في المصالح الأميركية بشكل شامل ليس مهمتهم. مع ذلك ليس هدف السياسة الخارجية الأميركية هو أن نعطي الآخرين ما نعتقد أنهم يستحقونه، بل تقديم الدفاع المشترك كما جاء في الدستور، وهو أمر ينبغي على المسؤولين الأميركيين وضعه في الاعتبار أثناء وضع السياسات. لن يساعد جعل روسيا عدوا حقيقيا الولايات المتحدة. في النهاية أهم معيار أخلاقي بالنسبة لمن يتخذون القرار، هو معيار النتائج لا النيات أو الآمال أو التصريحات. ستكون المحاولات قصيرة النظر، التي تستجيب إلى الدوافع العاطفية على حساب المصالح الأمنية الأساسية الأميركية أو الروسية أو مصالح آخرين يعيشون في ساحات قتال حول العالم، خطأ فادحا ومكلفا.

* خدمة «واشنطن بوست»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.