التضامن الخليجي مع السعودية يوجه رسالة قوية الكرة في ملعب “حزب الله” للمفاضلة بين مصالحه

rbروزانا بومنصف

يواجه لبنان الرسمي والسياسي إرباكا كبيرا تزامنا مع أزمة غير مسبوقة من حيث تدحرج مفاعيلها على الواقع اللبناني المأزوم أصلا، بحيث يبدو متعذرا على رئيس الحكومة والمسؤولين المعنيين معالجتها في الوقت الراهن على رغم الاستعدادات التي أبدوها باعتبار أن الازمة لا تزال تكبر وهي في طور التطور ولم تتوقف بعد، وقد تكون هناك إجراءات جديدة. ولم يسبق أن شهد تاريخ لبنان عزلا عربيا خليجيا على النحو الحاصل راهنا، بما يترك انعكاسات خطيرة عليه، وهو لم يقفل بعد حتى الآن، بعد مرور 25 سنة على انتهاء الحرب، ملف عزله اميركيا ابان هذه الحرب، والمستمر عبر اجراءات عقابية لا تزال تطاوله على رغم اقتناع عدد كبير من السياسيين بأن الامور مع الدول الخليجية يمكن أن تجد حلولا في وقت ليس ببعيد وعلى نحو لا يمكن مقارنته بالاجراءات الاميركية.

إذا أخذ الكلام السعودي بحذافيره فهناك مسؤولية جهة معينة هي التي تسببت بتدحرج هذه الاجراءات، بحيث لم تقتصر على المملكة، بل توسعت لتنضم اليها دول عدة في مجلس التعاون الخليجي، فتظهر بذلك تضامنا خليجيا مع المملكة بحيث تسقط الرهانات، أيا تكن، على أن هناك سياسة تتصل بالمملكة بحيث يمكن الالتفاف على هذه الاجراءات أو إضعافها، كما تصيب هذه الإجراءات لبنان في الصميم أكثر من انفراد المملكة وحدها بها، وفي رسالة واضحة وقوية ليس للبنان وحده على الارجح بل على المدى الاقليمي الاوسع أن هناك موقفا موحدا مما يجري بما يزيد الضغط على لبنان وعبره ايضا. إذ للتضامن الخليجي وقعه ليس في سياق التأثير على لبنان أو الضغط عليه فحسب بل في الحسابات الاقليمية ايضا. فخلال ما يقارب السنة على انطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية في 25 آذار 2015 لتحالف عربي في هذا الاطار، أطل الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ما لا يقل عن عشر مرات ملقيا خطابات او احاديث صحافية كانت فيها الحملات على المملكة محوره الوحيد أي بمعدل اطلالة شهريا على الاقل. وكانت ردود مسؤولي الحزب على اي موقف مدين او مستنكر تعلو اكثر في استضعاف واضح للحكومة اللبنانية او الافرقاء السياسيين الآخرين. اليوم بدا لبنان كله يحمل اوزار المعارك السياسية التي يخوضها الحزب وربما ايضا ثمن انخراطه المباشر في الحرب في اليمن عبر اجراءات لا تطاول الحزب بل لبنان بأسره بحيث يصعب عليه ادعاء ظلامة يكسب فيها تعاطف اللبنانيين في هذا الاطار تحت ذريعة مقاومة اسرائيل او حماية الحدود اللبنانية من هروب عناصر تنظيم الدولة الاسلامية اليه. والواقع أن خطابات الامين العام للحزب تشكل الدليل الذي لا يمكن دحضه والذي اسقط بيد الحكومة اللبنانية ورئيسها وغالبية الافرقاء السياسيين الذين لم ترتفع ردودهم الى المستوى نفسه خشية انفجار البلد، علما أن مؤشرات ضيق النفس الخليجي قد ظهرت مرارا وتكرارا خلال الاشهر الاخيرة. فبسبب انخراط في اليمن وفي دول اخرى لم يفهم غالبية اللبنانيين العاديين اسبابه خصوصا ما يتصل باليمن.
وتعتبر مصادر سياسية أن الكرة باتت في ملعب الحزب الذي بات على مفترق طرق، ومن ورائه ايران. فهو الذي تسبب بهذه الازمة الاخيرة في نهاية الامر من خلال ربطه الوضع اللبناني بأزمات المنطقة على رغم انه قد يكون هناك اسباب اخرى وراء التأزم الاخير من بينها ما يتجاوز الحملات السياسية والكلامية الى ما تقول الحكومة اليمنية عن كشف مدربين من “حزب الله” كانوا يستهدفون المملكة وعن مخاوف لدى الدول الخليجية من انتقامات يمكن ان تحصل ضد رعاياهم في لبنان، في حال إصدار أحكام قضائية في حق هؤلاء، ولذلك نصحت دول التعاون الخليجي رعاياها بمغادرة لبنان. انما الاشكالية اظهرت ان الدول الخليجية لن تكون على غرار الولايات المتحدة في وارد اتخاذ اجراءات ضد الحزب وحده كما في اجراءات الكونغرس اخيرا. اذ لا يمكن الدول الخليجية ان تعاقب الحزب تحت وطأة ان تظهر انحيازا مذهبيا في حين بات لبنان كله يتحمل عبء ما يقترفه احد افرقائه السياسيين والذي ترك آثاره ايضاً في السياسة الخارجية ايضاً. فيما تصيب هذه الاجراءات الحزب لدى اللبنانيين في شكل خاص الذين ينؤون تحت مصاعب كثيرة ولا يرغبون في ان يدفعوا اثمانا لسياسة لا دخل لهم بها لا من قريب او من بعيد. اذ ان شهادات اللبنانيين المقيمين في الخليج والمذعورين على ارزاقهم ومستقبلهم من شأنها ان تشكل استفتاء يدحض ما يذهب اليه الحزب من انتصارات خارج الاراضي اللبنانية. هذه الانتصارات بالذات على وقع وقف للاعمال العدائية في سوريا يعتقد انها تصب في مصلحة روسيا والنظام السوري هي ما تستهدفه الاجراءات الخليجية وفق سياسيين من 8 آذار انطلاقا من انه ليس بريئا في رأي هؤلاء ان يبدو الوضع في لبنان على تناقض شديد في ما يذهب اليه مع التهدئة المفترضة في سوريا (علما ان هذه التهدئة غير قابلة للتصديق وعرضة للتشكيك لأسباب كثيرة).
هناك حسابات جديدة يتعين على الحزب اجراؤها حين تبدو مصلحة لبنان واللبنانيين على المحك، وحين يكاد الحوار الثنائي وتالياً المهادنة الداخلية يطيران تحت وطأة الازمة التي قاد البلد اليها.

* نقلا عن “النهار”

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.