الاتفاق هو نجاح لإيران في المحادثات النووية

mmm

الكاتب الإيراني أمير ممبيني

تعريب عادل حبه

أمير ممبيني
إن القبول بالهزيمة هي الفضيلة بعينها. وإن إدراك الواقع والقبول به في أثناء الهزيمة الحقيقية هو ليس بعار ولا هو انعدام للحكمة ولا الاستسلام ولا الغرور وليس كل شئ سلبي آخر. وينطبق هذا الأمر سواء على الفرد أوالمؤسسة أوالدولة أوالشعب. إن الجانب السلبي في عدم إدراك واقع الهزيمة والقبول بها، هو البداية والسير على طريق لا يؤدي إلاّ إلى الهزيمة.
كما إن إدراك الهزيمة والقبول بها يمكن أن يعني الإعلان عن وضع حد لعملية تدور في مأزق والانتقال إلى عملية جديدة. إن تحديد الهزيمة في أية عملية يمكن أن يشكل جزءاً من الوعي والتوجه نحو إصلاح الطريق والأسلوب والهدف. والعكس بالعكس، فإن عدم تحديد حالة الهزيمة وإنكارها من منطلق ذاتي يشكل مانعاً أمام إصلاح الطريق والأسلوب الفاشل. كما أنه يعبر عن عدم إدراك الواقع والقبول بشروط الهزيمة ضمن ثلاثة عناصر.. الجهل والتحجر وانعدام المسؤولية. فالجهل، بأعتباره عاملاً إنسانياً، يفتقر إلى الوعي والذكاء والقدرة على التشخيص الضروري لعوامل الانكسار. أم التحجر الفكري، باعتباره عاملاً إنسانياً، فيعتقد أن القبول بالهزيمة هو ضد القيم، فليموت الجميع في معركة دون القبول بالهزيمة عملاً بالقول ” ليقتل الجميع دون أن نسلم البلاد إلى العدو”. وإن إنعدام المسؤولية هو الآخر عامل إنساني يدافع عن القيم الدوغمائية لقاء إلحاق الأذى بنفسه وبأبناء جلدته وبالمجتمع.

kirivzarif

ظريف أثناء محاداثاته مع كيري

 

إن البعض يتصور أن القبول بالهزيمة هو على الدوام ضرب من العار. ولكن يمكن أن يكون القبول بالهزيمة على العكس من ذلك. ففي العصور الماضية كان لدى قبائل الزولو في جنوب أفريقيا تقاليد جميلة ترافق حالة القبول بالهزيمة. فبعد الخوض في المعارك الطاحنة بحد كاف، وإذا ما شخص أحد الأطراف بأن الخصم أقوى منه ولا يستطيع إحراز النصر، عندها يعمد إلى تبادل المشورة بشكل جماعي. ويقوم المحاربون بعقد اجتماع في ميدان الحرب ويغرزوا السهام في دروعهم الجلدية، وتتعالى صيحاتهم مقترنة باستحسان أداء الخصم في الحرب ويعلنون أنتصاره. هذه التقاليد كانت من أبرز ما جلب انتباه المستعمرين الأوربيين في الفترة الاستعمارية.
ويشير الشاعر الملحمي فردوسي في ملحمة ” الشاهنامة” إلى الحروب المديدة التي دارت بين ايران والطوران. وفي نهاية الحرب المصيرية بين الجانبين، أجرى ” گودرزِ کشوادگان** ” أكثر القادة الإيرانيين حكمة حواراً مع ” پیران ویسه ” القائد المدبر والمحسن الطوراني، واتفق القائدان على وضع نهاية لهذه الحرب بين الطرفين حقناً للدماء وحفظاً على أرواح الجنود. كما أتفق الطرفان على اختيار أحد عشر مقاتلاً من كل طرف وضمنهما قائدا الجيشين لممارسة النزال الفردي على أن يعلن الطرف الفائز في الحرب من يحصل على أعلى النقاط في هذا النزال الفردي. وبذلك يجري الانتهاء من الحرب. وبعد أن فاز الفرسان العشر الإيرانيون، قام قائدا الجيشين بالنزال الفردي الذي انتهي بمقتل القائد الطوراني ” پیران ویسه ” للأسف. ومع ذلك احترم جميع الطورانيين بنود الاتفاق وأعلن عن انتصار إيران في الحرب، وتوقف الجيشان عن إشهار سيوفهما ضد الطرف الآخر. وعد ذلك أقام الأيرانيون مراسم دفن لم تشهده إيران إلاّ حين تم دفن اسفنديار وسهراب***. فقد بادر گودرزِ والدموع تترقرق من عينيه بلف نعش پیران بالعلم الإيراني كي لا يحترق وجه پیران بأشعة الشمس. وقام جميع جنود الجيشين الإيراني والطوراني بنحو مشترك برفع التابوت الملكي ووضعوه في قبر على حافة جبل يطل على عاصمة ايران وروي عليه التراب. ولم يُشاهد الطورانيون وقادتهم وجه پیران على هذه الدرجة من الجمال خلال كل حرب الأحد عشر. إن جوهر جمال وعظمة پیران والطورانيين في هذه المعركة يكمن في إدراكهم وقبولهم بشكل حكيم هذه الهزيمة.
وأزاء هذه الأمثلة العقلانية التي جاءت كحصيلة للمعارك والمبارزة، يقدم لنا التاريخ أمثلة معاكسة مثل سلوك نابليون بونابارت وآدولف هتلر والساموراي الياباني. لقد تميز نابليون بالذكاء الحاد والعمق في حساباته. ولكن على الرغم من ذكائه، فقد غلبت عليه المشاعر والأنانية عند اتخاذ موقف تجاه بنتائج الحرب. فهو لم يكتف بالمغامرة بأشعال معركة واترلو، بالرغم من وضوح تباشير الهزيمة الدموية للفرنسيين في الحرب، إلاَ أنه لم يبد استعداداً للتضحية وأن يشرب سم الهزيمة ليتجنب التضحية بأرواح كل الجنود الفرنسيين. لقد أغرق نابليون ميدان واترلو بدماء البشر من أجل الحفاظ على كبريائه الأجوف. وسار آدولف هتلر على نفس الدرب. فعندما دحر الجنود السوفييت والقوات الامريكية والبريطانية الفرق الألمانية وسحقت برلين واخترق آخر معاقل النازية من قبل القوات المهاجمة، لم يبد هتلر أي استعداد لوقف القتال والقبول بالسلام. ف لم تكن ألمانيا بالنسبة لهتلر هي التي يعلن الدفاع عنها، بل كان الادعاء بنصر أجوف هو ما كان يبتغيه.
عند تحليل هذه الأمثلة، يمكن الاستنتاج بأن الانسان الذي يتمتع بالانعطاف والقدرة على إدراك الواقع والقبول بالظروف المتغيرة يتصرف بشكل أفضل من الانسان غير القادر على إدراك الواقع والقبول به. لنلقي نظرة على المجاميع السياسية الإيرانية، فالتيارات التي تتمتع بإدراك أقل للواقع فإنها تنحدر جراء هذا إلى جادة الدوغمائية والانحراف. إن بعض هذه المجاميع بسبب عدم اعترافها بالفشل تتحول إلى متحجرات حقيقية. في حين أن جزءاً كبيراً من الحركة اليسارية قد عثرت على طريق جديد بسبب من اختيارها سبيل الإدراك والاعتراف بالخطأ والقبول بالهزيمة، وتحولت إلى قوة جديدة تناضل من أجل الاشتراكية والديمقراطية.
إننا نقف في إيران الآن أمام ظاهرة معقدة حول كيفية التعامل مع الواقع الدولي وتوازن القوى الجديد في العالم. لا أريد في هذه السطور أن أذكّر بموقفي من الجمهورية الاسلامية ولا بالايديولوجية التي ترشدني، بل أريد أن أركز في هذا المجال على المباحثات الجارية حول الملف النووي وحال إيران. إنني من أنصار نزع السلاح في العالم وتصفية المخزون من السلاح النووي والمحطات النووية. وباعتباري من أنصار الحفاظ على البيئة، فإنني أرى أن استخدام الطاقة النووية هو أشبه من يقف على غصن شجرة ويقوم بقطعه. ولكن عندما نلقي نظرة على الاتفاقيات الدولية وحقوق الشعوب والدول، فإننا نرى بوضوح أن هناك اجحاف بحق وحقوق شعبنا. فالمباحثات النووية تحولت إلى استعراض بيّن للعضلات على أساس توجهات أمبريالية. ولذا لا يجري الحديث هنا عن النجاح المطلق. فالكلمة الأخيرة في نهاية المطاف هي للطرف الاصلي في المباحثات الذين لديه بضاعة ووسيلة أسمها القوة والتي تحولت في العقدين أو الثلاثة الأخيرة إلى عنصر بيع وفرض هذه البضاعة. فالقوة الأقل في زمن مثل زماننا هي قوة عارية وتتقدم إلى الميدان بشكل خجول.
ومع ذلك يمكننا أن ندرك أن نجاح طرف واحد في هذه المباحثات بشرط أن يتم الاتفاق على تأمين سلامة البلاد وأمنها، ما هو إلاّ نجاح لإيران. لماذا؟…لأن الاتفاق في هذه المباحثات سيساعد على إبعاد الخطر الذي يواجه البلاد والذي يستند إلى ترسانة من التسليح الهائل والقدرة المالية وخزين النفط، وإن الإصرار على عدم الجلوس حول طاولة المباحثات هو بالنتيجة مسعى جديد لفرض الحلول العسكرية على بلادنا. وفي هذه المباحثات، فإن أي مكسب أو ربح مهما كان حجمه، وإن أي اتفاق هو ربح، بل وأهم ربح لإيران. ولا يوجد أمام إيران من سبيل لحل مشاكلها الرئيسية سوى السير على سكة تأمين جو من الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة. وإذا ما عملت إيران بشكل إيجابي على توفير هذه الصداقة والعمل المشترك، فسيحالفها التوفيق وتحقق أهدافها.
في السياسة الخارجية، يجب أن تتوجه إيران صوب حل مجموعة من المشاكل بقدر ما يتعلق الأمر بأمريكا وأوربا والسير على طريق إرساء قواعد العمل المشترك معهم. وليس هناك أية عوائق جدية أمام نجاح إيران في ذلك، إلاّ إذا جرى التمسك والاستمرار بالخيار الأيديولوجي والسياسة الثورية العمياء السابقة. وليس هناك أي شك في أن تأمين أسس الأمن للبلاد لا يتحقق إلاّ باتحاد للشعب يقوم على أساس نظام ديمقراطي. يمكننا السير على طريق العربية السعودية التي تستند إلى دعم القوى الخارجية، ولكنها تمسك بيدها قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة. ولا يمكن لإيران إلا أن تحذو حذو الديمقراطية الأوربية، فبدون الديمقراطية في هذه البلاد لا يمكن حل الكثير من المشاكل التي تواجهها.
ومما يثير الارتياح أن الحركة الديمقراطية في إيران بلغت سن النضوج بشكل عام، بحيث أنها ترى أن النضال الدؤوب لنيل الحقوق الديمقراطية للشعب يسير جنباً إلى جنب مع الالتزام بضمان الأمن للبلاد وللشعب. وعلى هذا النهج ستتمكن هذه الحركة بخصوصيتها من طي طريق الارتقاء والقدرة اللازمة على تحقيق أهدافها. وينبغي على الأصوليين المعارضين للديمقراطية ولعودة الظروف الطبيعية إلى البلاد من الذين لا يدركون بغالبيتهم أهمية الاتفاق في المباحثات الجارية ويقدمون على حبك المؤامرات، أن يستيقضوا من سباتهم وأن لا يتلاعبوا بمصير 80 مليون إيراني.
لو كانت إيران منفصلة عن العالم فسيقودها ذلك إلى الكارثة، ولو كانت جزءاً من العالم، وهي كذلك فستبقى على الدوام. إذ لا يوجد أمامها سوى طريق وحيد وهو اللحاق بقافلة الديمقراطية والتقدم والعلمانية. فقد ولى عصر سياسة الشعارات والشعائر، ولا تتحمل إيران سطوة الاستبداد.
يجب على الشعب أن يستعيد حريته من الحكم وأن يمارس شعائره الدينية بشكل مستقل عن الأجهزة الإدارية. فدمج الدين بالدولة والسياسة يشكل العامل الأساس في التخلف الاجتماعي في ايران والشرق الأوسط والسبب الأساس في الكارثة التي حلت بالمنطقة. وينبغي على القوى الديمقراطية الإيرانية أن لا تضيع أية فرصة من أجل طرح هذا المطلب الاجتماعي. نأمل أن يحل ذلك اليوم وهذا النوروز حيث يمارس الدين في المسجد والدولة في الإدارة، ويقوم الشعب بالاحتفال في مجتمعه الحر والشعبي بالنجاح الوطني والشعبي المشترك في الوصول إلى الاتحاد على أساس الديمقراطية.

*نشر المقال على موقع ايران امروز
** أحد أبطال ملحمة الشاهنامة للشاعر فردوسي، والذي تميز يالشجاعة أثناء الحرب ضد الطورانيين في زمن الشاه كيخسرو. (ع.ح.)
***من أبطال ملحمة الشاهنامة، وكان كلا البطلين مرتبطان برستم وهو من أبطال الشاهنامة. سهراب هو أبن رستم، في حين كان اسفندبار أحد من تولى رستم تربيتهم. ولكن كل من سهراب واسفنديار كانا يتسمان بالغرور والطيش وانعدام البصيرة، وأرادا الوقوف بوجه رستم والتآمر ضده. وجرت المواجهة، وتغلب رستم على الشابين الطائشين، وقام بدفنهما بمراسيم ملكية.(ع.ح.)

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.