اغتصاب مع ظروف التخفيف

بقلم سناء العاجي/
انتشر في المغرب خبر مفاده أن سيدة قتلت رجلا في الفضاء العام، واعترفت أنها نفذت جريمتها لأنه اغتصبها وصدر في حقه حكم بالبراءة.. فقررت الانتقام لنفسها.
لغاية كتابة هذه السطور، لم تثبت أية تفاصيل لهذه القضية. قد يكون تبرير هذه السيدة صحيحا وقد يكون سبب القتل لا علاقة له بالاغتصاب. لكن، حتى إذا كان تبريرها حقيقيا، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نبرر قتل شخص لشخص آخر حتى يأخذ حقه بنفسه. القتل جريمة مدانة في جميع الأحوال، وإلا فنحن نعود للمجتمعات البدائية التي تعتمد القصاص والانتقام.
التحرش جريمة. الاغتصاب جريمة. ولا يجب أن تكون هناك أية ظروف تخفيف أو تفهم ممكنة
لكن هذا لا يمنعنا من مناقشة جزئية أخرى أساسية جدا: في العديد من قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال أو النساء، تصدر المحاكم أحكاما مخففة على الجناة، وهذا في حد ذاته عنف نفسي آخر، فظيع وبشع، يقع على الضحية.
في حالات أخرى، سواء في المغرب أو في غيره من دول المنطقة، لا يتم الاعتراف بالاغتصاب إلا باعتباره هتكا للعرض أو مسا بالشرف أو بالقيم الأسرية، وليس كعنف نفسي وجسدي حقيقي مورس على الطفل أو المرأة الضحية. وهذا أيضا ظلم كبير، لأن الاغتصاب، قبل الشرف وقبل القيم الأسرية، هو اعتداء رهيب على الضحايا.
كالعادة في هكذا نقاشات، سيأتي من يقول: “وماذا عن التحرش الجنسي بالرجال؟”. بالتأكيد إن كل أشكال العنف مدانة بغض النظر عن الفاعل. لكن، هل من العدل أن نقارن الظاهرتين؟ هل تعادل قضايا عنف النساء ضد الرجال، قضايا العنف الذي تتعرض له المرأة بكل أشكاله (تحرش، ضرب، اغتصاب…)؟ إنه ليس تبريرا للعنف الممكن ضد بعض الرجال، لكن المناصفة بين الظاهرتين في النقاش يترجم سوء نية واضحا. هذا مع التأكيد، مرة أخرى، أن كل أشكال العنف مدانة.
الذي يحدث أيضا أن كثيرين يجدون التبرير لمرتكبي جرائم العنف والاغتصاب، وخصوصا حين تكون الضحية امرأة: ملابسها، شكلها، سلوكها، طمعها المادي المحتمل، إلخ. علما أن هناك حالات اغتصاب تحدث ضد الأطفال، وضد نساء حوامل، وضد نساء مسنات. فكيف نجمع على وحشية المغتصب حين تكون الضحية مسنة أو طفلا، ونوجه كل اللوم للضحية لمجرد أنها تحمل جسد أنثى؟


النساء القليلات اللواتي يتجرأن على فضح التحرش أو الاغتصاب، يصبحن مدانات في أخلاقهن وشرفهن
بالمقابل، قليلون فقط يسائلون المتحرش والمغتصب. مثلا، في حالة الاغتصاب أو التحرش من طرف رب العمل، يتهم كثيرون الضحية بأنها مارست الجنس معه بمحض إرادتها للحصول على منصب أو زيادة في الراتب. على فرض أن ذلك صحيح. على فرض أنها امرأة رخيصة قبلت أن تبيع جسدها مقابل المال أو المنصب. ألا يسائل أحد ذلك المدير المسؤول، الذي يستطيع بالتأكيد أن يعيش علاقات رضائية خارج العمل، دون استغلال الموظفات في مكتبه؟ أليست له، على الأقل، مسؤولية استغلال منصبه للحصول على علاقات جنسية؟ لكننا للأسف، لا نسائل إلا نادرا مسؤولية المتحرش والمغتصب، مهما كان موقعه. نحمل المسؤولية للمرأة المغتصبة أو المتحرش بها. علما أن تعريف العلاقة الرضائية نفسها يكون محط علامات استفهام كبيرة، ما دام الأمر يتعلق بعلاقة جنسية تمت بين شخصين يملك أحدهما سلطة على الآخر. فهل طابع “الرضائية” مضمون في هذه الحالة؟
حتى النساء القليلات اللواتي يتجرأن على فضح التحرش أو الاغتصاب، يصبحن مدانات في أخلاقهن وشرفهن، بينما لا يسائل إلا القليلون الجاني الحقيقي.
مرة أخرى، هذه ليست محاولة لتبرير عنف تمارسه المرأة الضحية انتقاما من مغتصبها. لكن ثقافة التسامح مع المغتصبين والمتحرشين، وتوجيه اللوم للضحايا الفعليين، تدمر هؤلاء نفسيا. وقد توصلنا لواقع لا نشتهي بتاتا الوصول إليه.
التحرش جريمة. الاغتصاب جريمة. ولا يجب أن تكون هناك أية ظروف تخفيف أو تفهم ممكنة.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.