احتقار نون النسوة وتاء التأنيث في العالم العربي

بقلم مالك العثامنة/
تتناقل الأخبار قصتين من السودان، تكشفان حجم الانتهاك الخرافي للمرأة باسم التقاليد التي دخلت خانة “المقدسات” فجعلتها محصنة من أدنى حد من الانتقاد بل إن “الغلاف المقدس” للتقاليد الذكورية البالية قام بدعم التواطؤ المجتمعي “الرسمي والأهلي” في السودان ليجعل الحكايتين أمرا عاديا يمكن تجاوزه بسهولة لولا أن للقصتين حظا وافرا للخروج من عزلة التعتيم إلى فضاء الأخبار.
القصة الأولى تتحدث عن سيدة سودانية تزوجت ابن عمها، بل وأنجبت منه طفلهما، إلى أن أعلن والد الزوجة عن عدم رضاه عن هذا الزواج، فتقرر محكمة الجنايات جلدها وحبسها في سبيل إبطال الزواج.
عملية جلد تصفها الأخبار الواردة بالبشعة خصوصا مع وجود طفل قضى شهوره الأولى في الحبس مع أمه!
ما يحدث في السودان هو انعكاس لكثير من الحكايات المشابهة في أغلب العالم العربي
المحكمة الشرعية، وهذا لافت، لم تأخذ بدعوى الأب ببطلان الزواج واعتبرته صحيحا لكن المحكمة الجنائية، في ظل نظام مستبد، ارتأت أن تعاقب السيدة ووجدت برفض الأب دليلا كافيا للتجريم.. طبعا إن الزوج نفسه محكوم بالحبس والجلد.
القانون السوداني يعاقب من تتزوج بدون “موافقة وليها” بالحبس والجلد ولكن القاضي هو الذي يحدد عدد الجلدات.
اقرأ للكاتب أيضا: ذهنية “الـ +18” في التعليقات وربط العلمانية والمدنية بالجنس
نحن إذن وبحكم القانون نفسه (وأي قانون!) أمام تسلط ذكوري استبدادي يرسخ دكتاتورية “الولي” على المرأة إلى حد جلدها، والجلد للنساء عقوبة قانونية تم تطبيقها والعمل بها ضمن بركات حكم الرئيس السوداني عمر حسن البشير القادم بانقلاب عسكري عام 1989.


القصة الثانية أكثر بشاعة وتعقيدا؛ تتحدث عن فتاة تم تزويجها قاصرا (بعمر 16 سنة) إلى زوجها الذي يكبرها طبعا، وهذا زواج قسري حسب معطيات الحكاية، لتهرب الفتاة إلى بيت إحدى قريباتها هربا من هذا الزواج القسري. لكن الزوج، وحسب روايات الشهود، استعادها بالحيلة والتواطؤ مع أبيها، ليسترجعها بالقوة إلى بيته فيغتصبها بمعاونة رجال ساعدوه على جريمته. ثم حين حاول الاغتصاب مرة ثانية قامت بقتله لمنع حدوث ذلك. لتصبح الشابة (بات عمرها 19 سنة) الآن محكومة بالإعدام حسب ذات القانون “البشيري” الذي يمنع المرأة من أن تكون كائنا حرا ذا إرادة مستقلة.
تلك مجتمعات ورثت مفهوم “ملكية الرجل للمرأة” ووجدت في الفقه الشرعي ضالتها في تشريع الحالة واستمرارها
ما يحدث في السودان هو انعكاس لكثير من الحكايات المشابهة في أغلب العالم العربي المحكوم بالتقاليد والمعتقدات الدينية التي تخول أي شيخ، نصف أمي ونصف جاهل، أن يكون صفوة المجتمع وحليفا بالضرورة للطاغية المستبد في السلطة. وأسهل الطرق لترسيخ سلطة ذلك الشيخ، الوارث لمعارفه من الكتب القديمة، هو تفعيل قوانين أحوال شخصية مصدرها الدين ممزوجا بالتقاليد والعادات “البدائية” التي مات علماؤها ومشرعوها منذ قرون طويلة.
تلك مجتمعات ورثت مفهوم “ملكية الرجل للمرأة”، ووجدت في الفقه الشرعي “الموضوع من قبل شيوخ دين سلف زمانهم وانقضى” ضالتها في تشريع الحالة واستمرارها، ثم جاءت سلطات المستبد (لا في السودان وحسب) لترسخ الشرعية القانونية باسم الدولة “المستبدة” وهو ما يجعل المستبد نفسه أمام مجتمع غابت إرادة نصفه بالقهر والقوة.
اقرأ للكاتب أيضا: ‘السادة غير المحترمين’ وتحكيم الشريعة في أوروبا
في العالم العربي عشرات الحكايات اليومية التي تروي اغتصابا باسم الشرع أو العادات، وتحكي زواجا لقاصرات تم بتر طفولتهن، أو تخبر عن تجهيل الأنثى باسم التقاليد والدين؛ تلك حكايات لم تنل حظ الخروج إلى الإعلام وإن وجدت طريقها فهي لا تجد أكثر من قصة إثارة لبرنامج تلفزيوني يرغب بتحقيق نسب مشاهدات عالية.
إن الحكاية لا تقف عند حملات المؤازرة لإنقاذ الشابة المغتصبة والمسكينة من الإعدام، ولا في إعادة السيدة في الحكاية الأولى إلى زوجها ورد الاعتبار لها ولأسرتها، بل يجب أن تكون هناك حملة دولية لا تردد فيها لهدم هياكل “كهان الدين” الوارثين للسلطة عبر إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية وتطويرها بما يليق بالإنسان.. والإنسان هنا يشمل الذكر والأنثى.
إن حرية الإنسان تستوجب القضاء على الاستبداد وتحطيم الديكتاتوريات.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.