إجابات عن أسئلة تدعو للعجب

Khaled Nemeh
إجابات عن أسئلة تدعو للعجب
كنت أود أن أبقى ساكتاً، لكن كومة البحص في فمي صارت أكبر من إمكان إغلاقه عليها.
جاء في آخر ما كتبه الرفيق نزيه الضاهر، وهو بالمناسبة مسؤول المكتب الفكري المنطقي في منظمة الحزب الشيوعي السوري الموحـَّـد بحماة، الآتي:
(بأيِّ حق، وبأية صفة دستورية أو دولية يعتمد عليها، ويتصرّف بموجبها المدّعي العام الألماني بهذه العقلية الوصائية المخالفة لكل المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، ليتطاول شخص ما على دول مستقلة وذات سيادة، ليصدر مذكرة اعتقال بحق… الضابط الوطني السوري… في جيش وطني… وفي دولة وطنية ذات سيادة ومعترف بها عالمياً ودولياً، وهي عضو مؤسس في هيئة الأمم المتحدة وتفرّعاتها؟
وهل يصعب على المدَّعي العام السوري أن يطال رأس ميركل وغيرها بنفس الطريقة الساذجة هذه؟
ثم هل أن نتنياهو وليبرمان واردوغان وترامب وداعش والنصرة وشركاهم أكبر مجرمي حرب في التاريخ الحديث هم ضمن معسكر الديمقراطيين والإنسانيين والمظلومين؟
… يا للوقاحة والعار! وكأنَّ شعبنا ودستورنا قاصران عن محاسبة من يستحق الحساب، دون تدخُّل الغرباء المجرمين بشؤوننا الداخلية الخاصة بنا؟).
لا أعلم إن كان رفيقي المذكور، وكل من يشد على قوله المسوق أعلاه، مقتنعين بكلامه المكتوب هذا، وسأبداً من خاتمته، وهي: هل شعبنا ودستورنا قاصران؟
وجوابي عن هذا السؤال هو: أنَّ شعبنا ليس قاصراً إطلاقاً، ولو لم يتكالب عليه مجرمو الداخل والخارج، لكان قد حاسب من يستحق المحاسبة. وبالمناسبة، فإنـَّـه لا توجد شعوب قاصرة، إن رفعت عنها وصاية حكـَّـامها الطغاة وزبانيتهم.
أمـَّـا بخصوص دستورنا، فهو ولعلم رفيقنا، قاصر إلى أبعد درجة، لأنـَّـه مفصـَّـل على مقاس شخص بعينه، ولأنـَّـه لا يمثــِّـل إلا إرادة من أوحى به إلى لجنة صياغته في عام 2012، ويا لعار من شارك في وضعه! ويا لعار من دعا إلى التصويت عليه بنعم آنذاك!


وفيما يخص سؤال: بأيِّ حق وبأيِّ صفة؟ فإنـَّـني لا أستطيع أن أجد تبريراً لرفيقي في تساؤله هذا، بناءً على عدم اختصاصه في مجال القانون الدولي، فهو مسؤول مكتب فكري، وكان حرياً به أن يتحرَّى عمـَّـا يمكـَّـن من ناحية القانون مدعياً ألمانياً، فيقاضي مجرماً سورياً، في حين لا يمكن لقاضي القضاة المحلي أن يفكر حتى برفع عينيه عن الأرض في حضور أصغر مجرم بلدي متسلـِّـح بسلطته الأمنية.
وكي لا يبقى سؤال رفيقي مرمياً في الهواء دون إجابة تشفي غليله، فإنني ارتأيت أن أفيده بالمقتطف التالي، الذي يوضـِّـح الآلية التي سهـَّـلت إصدار مذكرة التوقيف المعنية، التي ستليها من كلِّ بدٍّ مذكرات توقيف كثيرة، ستتالى تباعاً وفق ما يوحي به الحال، وهذه الآلية هي بكل بساطة: (مبدأ الولاية القضائية الدولية)، المعتمدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مع إنشاء منظمة الأمم المتحدة.
(… وفقاً لفقهاء القانون الدولي، تستند الولاية القضائية العالمية إلى مفهوم أنَّ جرائم بعينها تضرُّ المصالح الدولية، وتعطي الحق للدولة بملاحقة مرتكبيها، بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية الجاني أو المجني عليه.
وبعضهم يدعوها بعالمية الحق في العقاب، الذي تنعقد بموجبه الولاية القضائية للقضاء الوطني في ملاحقة مرتكبي أنواع معينة من الجرائم، يحددها التشريع الوطني، ومعاقبتهم عليها، دون التطرق إلى مكان ارتكابها، ودون اشتراط توفر ارتباط معيَّن بين الدولة والجاني أو الضحية أو جنسية أي منهما.
ويقوم مبدأ الولاية القضائية العالمية على فكرتين أساسيتين، تكمن إحداهما في خطورة الجريمة، التي تمس مصالح المجتمع الدولي ككل، والثانية تتمثل في مكافحة إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب.
وتبنـِّـي دولة لمبدأ الولاية القضائية يعدُّ قبولاً منها للإنابة عن المجتمع الدولي في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، استناداً إلى الاتفاقيات الدولية كمصدر لالتزام الدول بمبدأ عالمية الولاية القضائية، يليه التشريع الوطني، الذي يعد مصدر الالتزام المباشر للقاضي الوطني.
ونظراً لعلاقة مبدأ الولاية القضائية العالمية بحقوق الإنسان الأساسية، فإن جانباً من الفقه القضائي يعدُّه وسيلة قانونية يلجأ إليها قضاة أو بلد ما للدفاع عن البشر المنتهكة حقوقهم الأساسية في أمكنة تغيب فيها المحاسبة على هذه الانتهاكات).
طبعاً لن أدخل في تفاصيل حشو الكلام لدى رفيقي، الذي ألصقت فيه صفة الوطنية بشخص، وكأن إلصاقها يعطي له حصانة، ويرفع عنه المسؤولية. لكننـِّـي أتساءل بيني وبين نفسي، وإن كان ذلك بصوت عالٍ مكتوب، أين كان قلم رفيقي السيـَّـال، عندما كان موقوفو رأي وسجناء سياسيون وناشطون سلميون يموتون في أقبية سجون، يديرها المذكور وغيره؟ وما الذي يدفعه ليتنطـَّـح للدفاع عنه بعد أن صار ملاحقاً دولياً، وبعد أن عجزت كل قوانين البلد وأجهزته القضائية عن محاسبته ومحاسبة غيره من مرتكبي الجرائم الموصوفة والموثـَّـقة بحق الإنسان السوري على امتداد الأرض السورية؟

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.