هل عندنا اغنية جماعية ياناس؟

 الناس وين وانت وين ياكاتب هذه السطور.

تبحث عن اغنية جماعية والناس تموت بالجملة هناك؟ أي “بطرنة” هذه؟.. نصف مليون رجل حماية لمسؤولين يتقاضون رواتب من خزينة الدولة لقاء حماية بعض المسؤولين يعيشون اما في الاردن او باريس او دبي.

مسكين ذلك النائب” النصاب” الذي حسبوه شريفا حين علموا ان حمايته رجلا واحدا فقط، فهو الحامي والسكرتير والطباخ ومنظف البيت.

وقالوا في حينه، هذا هو الاخلاص بعينه. وهذه هي الطريقة المثلى لتوفير اموال الدولة. ولكنهم اكتشفوا بعد ذلك ان صاحبنا السيد النائب يتقاضى رواتب 30 رجل حماية وباسماء وهمية.

ياسلام على الاخلاص لهذا العوراق العظيم.

وبعد كل هذا تريد تبحث عن اغنية جماعية؟.

انت تدري كلش زين بعد غياب جيل حضيري ابو عزيز وداخل حسن وجواد وادي في الخمسينات والذين رفدوا الاغنية الشعبية باحاسيس رائعة عن الحب والغرام العذري جاء جيل الستينات والسبعينات ليضع حجر الاساس لأغنية النواح واللطم على مافات.

هل تريد ان اذكر لك العشرات من المطربين الذين تولوا تنفيذ هذه المهمة بحماس منقطع النظير.. لاداعي لذلك فبعضهم انتقل الى بارئه والبعض الآخر يعاني من امراض الشيخوخة وقليل منهم عادوا الى عملهم الاصلي في مهنة “الرادود”.

وما ان جاءت سنة 2003 حتى بزغ عهد جديد اطلقوا عليه عهد “طويريج” ولم يجد المراقبون اسعد من هذا الشعب وهو يركض مرة ويبكي مرة ويناجي البشر بدلا من رب العزة مرات عديدة.

وجد هذا الشعب ،ايها البطران، ان ملاذه الوحيد هو البكاء..ذرف الدموع في الاعراس والفواتح.. اللطم في المساجد حتى بدون مناسبة،واذا لم يجد مناسبة للصراخ يبحث عن اغنية لياس خضر او سعدون جابر او جبار عكّار لينحب مع كلماتها.

هم يبكون في اليوم 25 ساعة وانت تبحث عن اغنية جماعية؟ اكرر أي “بطرنة”هذه.

لايغرنك ما قصّه عليك ابو الطيب عن بلاد الكفار ايام كان شابا مدمنا على السفر بالقطارات حول العالم ، وكان يقول لك ان هؤلاء الشعوب لديهم اغاني جماعية ولكنهم كفّار يااخ.

قال لك ذات يوم: في “كيب تاون” عاصمة جنوب افريقيا رأيت البحارة اليونانيون يرقصون في الشوارع العامة وهم يغنون اغنية جماعية، وفي نفس المدينة حضرت حفل زواج اسلاميا ووجدت جميع الحاضرين يغنون اغنية جماعية واحدة مهداة الى العروسة والعريس.

في برلين تجتمع النسوة في يوم الآحاد في الحدائق العامة او النوادي الليلية ليسهرن حتى طلوع الفجر وهن يغنين اغان جماعية وبصوت واحد.

في بودابست.. في وارسو.. في صوفيا.. في براغ وتشيكوسلوفاكيا (الله يرحمها) لاتختلف الصورة.. الكل في ساعات الصفاء يغنون اغنية جماعية واحدة .. ولكنهم كفّار يا أخي، اما نحن فقد شرع لنا الردح ودق الصدور حتى في الاعراس.

لماذا ؟ لأننا ياأخ نجد في البكاء ملاذنا فمن العيب ان يظهر الرجل سعادته او يغني على هواه فالتهمة جاهزة.. انه دريع وغير مسؤول و.. واذا ضحكت البنت او غنت بصوت مسموع فانها”فطيرة”و”سخيفة” ويكتب عليها ان تبقى عانسا مدى الحياة.

الا ترى اننا الاعلون ياهذا؟.. الا ترى اننا ندافع عن كرامتنا ونحارب اللصوص بالبكاء ودق الصدور.. الا ترى حتى هبة السماء من الامطار تريد الانتقام بينّما أجدادنا كانوا يصلون الاستسقاء الى رب العزة ليروي ارضهم الظمآنة؟.

أما قلت لك ان شعبنا لايحب الجماعة الا في صلاة الجمعة.

فاصل ديكتاتوري: اني خيرت شعبي ما بين الديكتاتورية والفوضى فليس هناك من منطقة وسطى.                                تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.