تأجيل الاحتفال الوطني بانتصار الجيش اللبناني في معركة الجرود والذي كان مقرراً أمس الخميس في ساحة الشهداء وسط العاصمة اللبنانية بيروت، هو تأجيل بطعم الإلغاء، وإهانة صافية للمؤسسة العسكرية وتضحياتها، وإهانة لدماء شهدائها وآلام جرحاها وعوائل الشهداء والجرحى وعموم اللبنانيين.
أما في السياسة، فالتأجيل (الإلغاء)، هو فصل جديد من فصول التجاذب المتنامي بين ميليشيا حزب الله والجيش الوطني.
في خطاباته كلها التي رافقت المعركة في الجرود الشرقية للبنان أكان تلك التي خاضتها ميليشيا حزب الله في جرود عرسال أو ما تلاها من معارك خاضها الجيش اللبناني في جرود بعلبك والقاع، ثابر حسن نصر الله على التذكير بمعادلة الشراكة الشاذة بين «الجيش والشعب والمقاومة»! ونسب، بإصرار لافت، كل الانتصارات لهذه المعادلة، التي من دونها لا نصر ولا من يحزنون.
بها ختم خطاب الانتصار الذي أحيته الميليشيا في بعلبك، بقوله «انتهى الزمن الذي يُعتدى على وطننا ويُستضعف فيه هذا الوطن ويُحتقر فيه هذا الشعب. هذا الزمن انتهى بفضل المعادلة الذهبية الجيش والشعب والمقاومة».
إصراره هذا يعكس ضعف الحاضنة الوطنية والسياسية للمعادلة الثلاثية، وهو ضعف ازداد في ضوء تلمس اللبنانيين لتطور قدرات جيشهم الوطني، وهو ما عبر عنه التفاعل العفوي مع الجيش في كل البلدات والمدن التي مر بها في طريق العودة من ساحة الحرب. صور الفتيات على الآليات العسكرية، وصور الأهالي العفوية مع الجنود والضباط، في عموم البيئات اللبنانية كانت إشارة تعطش كامنة للدولة ولهيبتها، فيما بقي حزب الله في ظلال المشهد، يحتفل بشكل مركزي «بانتصاره» و«شهدائه» من دون أي حاضنة تتجاوز بيئته اللصيقة أو تتعدى جمهوره الحزبي!
في مقابل إصرار حزب الله على تكرار معزوفة المعادلة الثلاثية، التي لم يكن لها مكان في ميدان المعركة لا سيما في فصلها الأخير، والمؤسس، أي في معركة جرود بعلبك والقاع، غابت هذه المعادلة عن خطاب الدولة تماماً. في خطاب النصر الرسمي قال رئيس الجمهورية ميشال عون «أعلن انتصار لبنان على الإرهاب وأهدي هذا النصر إلى جميع اللبنانيين الذين من حقهم أن يفاخروا بجيشهم وقواهم الأمنية» من دون أي ذكر للمقاومة، في حين أكد قائد الجيش في خطاب تكريم الشهداء المستعادة جثامينهم من يد «داعش»، في حفل مهيب في وزارة الدفاع، «أن وحدة أراضي لبنان يصونها الجيش وشهداؤه». والأهم، قوله «إن رد الجيش مستقبلاً سيكون هو نفسه على كل من يحاول العبث بالأمن والتطاول على السيادة الوطنية أو التعرض للسلم الأهلي وإرادة العيش المشترك».
لم يسبق في خطاب الدولة اللبنانية أن برزت مثل هذه النبرة الاستقلالية، أكان فيما يتعلق بمواجهة المخاطر الخارجية، أو حيال التطاول على السلم الأهلي، كما حصل حين استعمل حزب الله سلاحه في الداخل في السابع من مايو (أيار) 2008.
التعارض الساطع بين خطاب حزب الله وإصراره على معادلة تنتمي إلى زمن مضى، وبين خطاب الدولة والجيش الذي يعلن بداية حقبة جديدة منذ العام 1990، كان سيبدو أكثر وضوحاً لو قيض للاحتفال الشعبي في ساحة الشهداء أن يتم. اللافت أن رئيس الجمهورية ومقربين منه كانوا أعلنوا عن احتفالات شعبية ولمحوا إلى جنازة شعبية لشهداء الجيش، قبل أن تتسرب أنباء عن اعتراض ميليشيا حزب الله على هذه المشهدية، فكان الاحتفال الرسمي في وزارة الدفاع. تلا ذلك تحضيرات سياسية وعملية لاحتفال شعبي، يلي الجنازة الشعبية، ثم ما لبث أن سحب الموضوع من التداول وفككت المنصات والمجسمات التي شُرع في بنائها في المكان المفترض للاحتفال، تحت عنوان التأجيل لأسباب لوجيستية، لا يبدو أنها أقنعت أحداً.
الأهم أن حزب الله الذي حشد في احتفال بعلبك، روج لاحتفاله ذاك بأنه استفتاء على المقاومة، فجاء احتفاله عاديا لم يفارق على أي نحو، ما درج الحزب على تنظيمه في مناسبات سابقة أقل أهمية بكثير! أما احتفال ساحة الشهداء، لو تم، فكان سيكون استفتاءً جدياً على ميل الناس إلى الدولة والجيش وتطلعهم للسلطة الواحدة التي لا شريك لها!
بعد أحداث مايو 2008 المشؤومة قال النائب في حزب الله نواف الموسوي، ما أظن أنه لا يزال التفكير العميق لحزب الله بعيداً عن كذبة الشراكة مع الجيش:
«لن يكون هناك على رأس أي جهاز أمني في لبنان أو أي موقع عسكري من لا تطمئن المقاومة إلى صدق ولائه للوطن وهذا وعد، نتحدث منذ الآن دون أن نخدع أحداً، وبكل صراحة، فإننا لن نسمح ببناء جسم أمني أو عسكري في لبنان سيطعننا في الظهر».
ما تريده ميليشيا حزب الله أن يكون في لبنان جيش ضعيف، وقوى أمنية واستخباراتية ضعيفة لا أكثر ولا أقل.
ثمة في لبنان من لا يريد أن ينمو في مؤسساتنا العسكرية والأمنية وسام الحسن جديد أو فرونسوا الحاج جديد، وسيظل يصارع الدولة على مشروعها ومشروعيتها وسيظل يمنع عنها كفاءة أن تكون البديل. هنا تدور المعركة الأساس.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية