في حضرة النبيذ.

سجن صيدنايا

Bassam Yousef

في حضرة النبيذ.
في السجن كنّا نصنع نبيذنا، كنّا نهرّب “اليانسون” لنقطّر عرقنا، ، وعندما كان ما نصبّ الماء فوقه يصطبغ قليلا باللون الأبيض… كنا نشعر أن الحياة “جميلة وتستحق أن تعاش”.
في كل مهجع كان هناك أحد ما يتولى أمور “المنكر” … وفي المهجع الذي عشت فيه خلال الفترة الأولى من سجن صيدنايا كان ” ميخائيل ” هو “باخوس” مهجعنا.
“مخّول” العظيم يخمّر كل شيء … يضع البطاطا المسلوقة الزائدة، مع الرز الزائد، مع بقايا الجبس مع بقايا الشاي المحلَّى ثم يضيف لهفتنا ودهشتنا إلى مزيجه ..ويخمّر ..
عندما يقرر مخّول أن التخمّر قد تمَّ، ينصب “كلكته”، ويقطر ماخمَّره، وفي المساء يوزع حصيلة عمله بدقة عالية.
من يرى تعابير وجه مخّول وهو يتفحص المقادير الموزعة، سوف يعتقد أن مايوزعه ذهباً، وليس سائلاً لايعلم إلّا الله تركيبته وطعمه، ونحن كأطفال العيد نفرك أيدينا، ونتلهف لرؤية المستوى الذى وصل اليه السائل المقدس في عبواتنا.
عندما ينتهي مخّول من التوزيع، كنّا نستلم حصصنا ونخفيها في مكان آمن، ونرتب مواعيد وطقوس السهرة التي س”نكرع” فيها كل ما لدينا.
نحدّد يوم السهرة في الليلة التي يناوب فيها المساعد الأقلّ سوءاً، نجمع مالدينا من فاكهة – إن وجدت – أما الموالح فهي ترف قلّما عرفناه، ، و نبدأ ليلتنا بالغناء، وبالضحك عالياً، وبمحاولة الفرح، لكننا بعد قليل نجد أنفسنا أنه لافكاك من الحزن، نديمنا الذي لايغيب، ولا يرحم.
غالبا ماتنتهي سهرتنا بالدمع، وبصداع ثقيل سنحلل اسبابه عندما نصحو من مفاعيل المشروب المصنوع باشراف مخول، وسيعيد من يفهم بأنواع الكحول شرح درسه علينا للمرة العاشرة، وربما العشرين ، وسيظل يلح علينا أن ننتبه أن هناك أنواعاً سامة للكحول.
في أحد المرات شرب أحد الشباب باكراً فأنقذنا من التسمم الكحولي الذي أصابه، والذي اضطرنا إلى دقّ الأبواب والطلب من إدارة السجن اسعافه إلى المشفى، وأعقب ذلك حملة تفتيش وعقوبات.
كنا نطلب من مخّول أن يخفّف من تجاربه علينا، وأن يقتصر في تخميره على ماهو واثق من جودته، كان مخّول يهزُّ رأسه ساخراً ويقول: والله لو بخمرلكن “شحاحيط” رح تشربوها.
اليوم وأنا أتذكر مخول والسجن اكتشفت أننا نحن ال22 شخصا الذين جمعنا المهجع 5 في صيدنايا، موزعون في أكثر من عشر دول.
هل تجمعنا يامخّول في مكان واحد وأعدك أنني سأشرب ماتخمّره حتى لو كان ماهو ألعن من ” الشحاحيط”؟؟!..

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.