في إحدى المرات شاءت الاقدار ان اقف امام رئيس فرع الامن بسبب حادثة بسيطة تعدى فيها رجال من عنده على ابنائي ومنزلي لخلاف على طريقة قيادتهم وسرعتهم في المرور بين الحارات المكتظة بالأولاد , كان استقباله باردا يعكس زهواً بنفسة وبمركزه المهم . في نهاية الحديث وقد علم اتني كنت اعمل في ليبيا قبلا سألني ماذا يقول عنا الليبيون ؟ قلت – وكأني أردت أن أنخزه_ يقولون أن الحكم في سوريا ليس للسنة وأنكم نصيريون ! أحنى رقبته كأنها سقطت دون ارادته واحمر وجهه كأنه لطم وقال ماذا ما ذا ؟؟ اعدت ما قلته فقام من وراء المكتب وأخذ يذرع الغرفة ويطل من الشباك وكأنه ينظر الى السور العالي والتحصينات المحيطة بفرع الامن ثم قال كأنه يقول لنفسه أن الليبيين متخلفون ولا يفهمون ؟؟ . بعد ان انتقلنا من المرحلة الثانوية الى الجامعة وجلسنا في أولى المحاضرات على المدرج الكبير كنا نشعر بارتباك وتخوف مبهمين تفرضه بدايات التجربة الجديدة فتقاربنا وتحاذينا وجلسنا نحن ابناء السويداء شبه متلاصقين . وكان حولنا الكثير من الوجوه الغريبة واللهجات المختلفة و الكثير من الزملاء يبادلوننا النظرات ويملون ابصارهم منا. وبقينا لسنوات عديدة نتحرج ان يسألنا احد : انتم من اية محافظة ؟ كان معظمهم لا يعرف السويداء و ربما سمع ان هناك دروزا ؟ وكنا ننظر بتساؤل واستهجان الى الغرفة في الطابق الارضي والتي خصصت كجامع واحد للنساء – للطالبات- واخر للطلاب الذكور وتساءلنا اكثر من مرة عن هذه الخاصية التي تجعل الكلية او الدولة تخصص مكانا للعبادة داخل مبنى المدرجات لدين معين فقط ؟ اذا كان الامر كذلك فيجب عليها كذلك ان تخصص مكاناً أيضاً لمن يريد الصلاة من المسيحين وكذلك مكانا للمتدينين من الإسماعيليين وللدروز ؟ هذا هو العدل وهذا هو المنطق في بلد يساوي بين الجميع كما كنا نعتقد ؟! وكنا نلاحظ ان الكثير ممن يدخلون ويخرجون الى الجامع لهم لحى خفيفة ويدخلون ويخرجون برؤوس مرفوعة وانزواء وتعالي وبإعلان واضح يماثل التحدي المعلن , وحين نصادفهم خارجين أو داخلين كنا نتصنع لهم الابتسام ونرسم على وجوهنا اشارات الأعجاب والتشجيع والمباركة بسذاجة وتودد ربما سببه الخوف من هذه الفئة والتي تعلن نفسها صراحة وتكثر وتنشط دون غيرها … بالنسبة لنا كان الدين اخر هم لنا في حياتنا فنحن لا ندري عن ديننا الا ما كسبناه من الحياة مع الاسرة وشذرات من الكلام من هنا وهناك وكانت والدتي ان تحدثت بالدين مع أحدهم لا تتحدث امامي وتصمت ان دخلت فجأة , كانت تقول لا يصح الحديث بالدين أمام الصغار لان عقلهم غير مهيئ للفهم , الدين لمن تخطى سن الاربعين ولمن اراد بنفسه معرفته والتففه به – لنتخيل معاً لو ان هذا المبدأ يطبق على عموم سوريا — لا حديث بالدين امام الصغار الى أن يكبروا الى سن معين — !! الصغار منقادون الى الكبار ويفعلون ما يفعله اباؤهم وينشئون عليه . نعم هناك شعور بالانتقاص والهوان وقلة الاهمية عند الأقليات والاديان الاخرى – وهو ما قالته الدكتورة المحترمة وفاء سلطان في مقالاتها الصريحة الرائعة – سببت به الدولة نفسها بمحاباتها الإسلام السني وفرضة علينا بالمدارس وترك الشارع عموما ( لطبقة العوام والغوغاء ) السنية المتأثرة بالفكر الاسلامي المتعصب الذي انتشر سريعا …يكفي ما لدينا من قانون احوال شخصية متخلف لا يختلف الا قليلاً عن القانون الصومالي , الدولة نفسها لا تسجل زواجك من – برنسيسة – سنية الا اذا حولت دينك أو ملتك الى السنة وكتبتَ إقراراً على نفسك بانك عدت الى الدين الصحيح السني ! التفرقة الدينية والتعصب كان ولا يزال موجود بسورية انما عبر عن نفسه بشكل واضح بعد ان اتاحت الميديا حرية الكلام , يعرف ذلك من ادى الخدمة العسكرية, من ينظر ببساطة الى مواقع القرار ومفاصلة الحازمة . و اختار السنة لنشاطهم الأمور الحياتية البسيطة اليومية كتعظيم الشعائر و قصص الاطفال وكتب المدارس ورنات الموبايل والاغاني الدينية ذات الشجن وشكل الملابس وبالطبع المساجد بحيث اصبح المسجد تعبيرا عن الخصوصية واعلان وجود أكثر منه حاجة دينية . وميز الدروز انفسهم بالميداليات ذات الاعلام الخمسة و العلويون بالسيف المشطور بالطبع ناهيك عن السمكة والصليب للمسيحين .. قبل عام من( الثورة ) ذهبت مع ابني الاوسط وكان في بداية مراهقته الى قرية في حوران لجلب امانه ارسلها لي احد المعارف من السعودية دخلنا درعا البلد ومشيت متمهلا في شوارعها وابني ينظر سعيدا , .. كان كل شيء جديداً بالنسبة اليه , القرية كبيرة مشمسة وبيوت جميلة واسعة متباعدة وشارع ينصفها يقف في أخرة جامع كبير يشبه من حيث البناء والديكور وعلو مآذنه جوامع الاتراك . استضافنا الرجل بكرمه وترحيبه فنحن جيران العمر واهل ومن جامعة واحدة . دخل ابنه قائلا له: بابا خالي سبقك الى الجامع ! يبدو أنه كان وقت صلاة ! , هز مضيفنا راسة وقال له ماشي روح .. نظر الولد الينا بتساؤل وغادر . سألته عن هذا الجامع الكبير ا ومن قام ببنائه قال : ان العاملين الاطباء هناك هم من تبرع لإشادته !! طيب هذه القرية هل هي بحاجة فعلا الى هذا الجامع الكبير المكلف ؟ قال يوه بعد في اكبر منه !! ونحن عائدان مررنا جانب كوكبة شابات حورانيات يرتدين ملاحف طويلة سوداء تغطي الراس والبدن على طريقة ملابس هذه البلاد وتجر خلفها وتحمل بين يديها اطفالاً. .. وهو ما يشير الى عمق التأثر والتغيير والذي قدم الينا مع الرياح الأتية من جهة الجنوب واشرطة الكاسيت والكتب وقوافل الحجيج . سألني ابني بنفاذ صبر واستهجان : يا بابا هذول سوريين ؟ .. ..
. اشعر بالحزن الشديد على اطفال يجرهم اباؤهم مشردين أو هاربين فقط لان اهلهم اختاروا هذه الطريق او تلك لا خيار لديهم الا الانقياد والطاعة واقارنهم في مخيلتي بينهم وبين غيرهم من اطفال العالم المتقدم في وعيهم وذكاءهم وطريقة حياتهم فلا اجد الا الدين الاسلامي تحديدا سبباً يقف أمامي من افغانستان الى تشاد الى ريف دمشق وصولا الى جرود عرسال , خاصة وان معظم الحركات المقاتلة في سوريا قد اعلنت صراحة – انها خرجت لنصرة هذا الدين – . لماذا يختص هذا الدين بانه بحاجة بين الفترة والأخرى لمن ينصره ؟ لماذا الاديان الأخرى لا تحتاج لمن ينصرها ؟ هل بنصرة هذا الدين ستنقلب مصر العربية الى المانيا الفيدرالية ام ستتحول السودان الى بلد يشبه هولندا ؟ هل نصرة هذا الدين تطعم وتسقي وتنشئ وتخترع ؟ هل الادغام بغنة ومن غير غنة يغير معنى الكلمة ؟ وهل لو كانت الصلاة ثلاثا بدلاً من خمسة مثلا ما الذي كان سيحدث ؟
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية