إحدى الليالي التموزية الساحرة في بغداد, كان خلف الموظف الجديد في تشريفات القصر, وحده في جناح مكتب الرئيس, فالساعة الحادية عشر ليلا, غادر اغلب الموظفين المكان بعد عشاء دسم, كانت اعز أمنياته تلك الليلة أن يرى كرسي الرئيس, استغل مغادرة الكل فدخل غرفة مكتب الرئيس وأغلق الباب, كان مكتب الرئيس جميلاً, جلس خلف على كرسي الرئيس, تداخلت أحاسيسه بين الفرح والخوف, أحس انه جلس على جبل عال, أو حصان بري هائج, تخيل نفسه انه الرئيس, حاول أن يقلد نبرة صوته وحركاته, فوقف كأنه يخطب وصاح: ( أيها الشعب, سوف أجوعكم واسرق أحلامكم, وأبدد أموالكم, بل سأضحك عليكم كثيرا, وستنتخبونني مرة أخرى, هاهاهاها ), هكذا دوما هم رؤساء العراق, يتقنون بيع الوهم لشعب يصدق كل ما يقال.
اخرج موبايله من جيبه والتقط صورة “سيلفي” وهو جالس على كرسي الرئاسة, ثم بدا يتصفح موبايله, شغل أغنية كي يرقص على أنغامها, فهو يحس بالنشوة, وجد أغنية عمرو دياب ” هو الحب أيه” الراقصة, بدأ يتمايل مع انسياب كلماتها وموسيقاها الصاخبة, وقال بعلو صوته (أنا الرئيس, الرئيس يرقص هاهاهاها), امسك بتفاحة موجودة في سلة الفواكه في مكتب الرئيس, عض التفاحة لكن كان طعم التفاحة كالعلقم, فصاح خلف ( تباً للرئيس وتفاحته العفنة), فانفعل وبدا يبصق في كل مكان من المكتب, على الكرسي, على الكتب, ثم توجه للباب فامتلئ فمه بلعاب كثيف, فقرر أن يطلق بصقته الأخيرة على الباب, وأطلق بصقة كبيرة نحو الباب, ولكن, وإذا بالباب يفتح ويظهر الرئيس, وتستقر البصقة على وجه الريس.
صاح الريس:
– أيها الأحمق ماذا فعلت, سأعدمك.
ارتد خلف للوراء وتصاغر أمام الرئيس, اهتز كل كيانه فبصقته التصقت بوجه الرئيس, أي كلمة يمكن أن تمحو عار ما حصل, طأطأ رئسه كأنه احد عبيد قصور العباسيين, محاولاً استعطاف الرئيس كي يعفو عنه, وقال:
– سيدي, لم اقصد, كان طعم التفاحة مراً فبصقت, أرجوك اعذرني.
– اخرج أيها الأحمق.
خرج خلف وهو يشعر بخوف شديد, جلس في الممر المؤدي الى القاعة الكبرى, يفكر فيما حصل, ( هل سيقوم بإعدامي, هل سيسجنني, بل أن فكرة انه سمع جملتي الأخيرة تخيفني, لقد تسبب بها علو صوتي, من المؤكد انه سمعني, وألان يكتب أمر سجني المؤبد, أو يكون اتصل بقائد العمليات الأمنية ليعتقلني, علي أن اطلب عفوه, يجب أن أحاول).
بعد ساعة خرج الرئيس من غرفته, فلحقه خلف يطلب العفو والصفح عن جريمته:
– سيدي أرجوك اعف عني,
– لا عليك, قد نسيت القصة.
ارتاح خلف وتبدد بعض الخوف, لكن القلق بقي جاثياً على صدره, لم يغادر خلف للبيت, بل بقي في القصر يفكر في الاعتذار مرة أخرى, فالأكيد ألان أن السيد الرئيس سيعيد التفكير فيما حصل الليلة وبصقتي بوجه, حتما سيأمر بإعدامي في الغد, إذن الاعتذار مرة أخرى أمر واجب.
في صباح اليوم التالي كان الرئيس لديه ضيف مهم, قيل انه وزير جزر القمر وجاء لغرق توثيق العلاقات, وتزويد البلد بأسلحة متطورة, وتم الاتفاق,وغادر الضيف المهم, وكانت علامات الرضا واضحة على وجه الرئيس, وألان يتناول وحده فطوره, في غرفة الطعام, خلف وزميل له كانا في باب الغرفة, تحرك خلف ودخل الغرفة والرئيس مشغول في تقطيع الدجاجة المشوية, فاقترب خلف وهمس تأدباً:
– سيدي, أرجو أن تعفو عني عن ما حصل, لم أكن اقصد أن ابصق بوجهك, كان الأمر.
– قلت لك نسيت, هيا اخرج أيها الأحمق.
خرج خلف مسرعا وتعثر وكاد يسقط على الأرض, لولا ذراع زميله التي تلقفته, أحس بتعب وتصاغر نفسه, مع رعب كبير, تعرق جبينه من القلق والتفكير بمصيره مقابل تلك البصقة البريئة, غرق في تساؤلات عن موقف الرئيس, ( ترى هل سيقرر إعدامي, هل سيعتبرني خائن لأني تجاوزت على مقام الرئاسة, لماذا رفض توسلاتي, يا لحظي العاثر سأموت قبل إن ابلغ الثلاثين, يجب أن أحاول مرة أخرى قبول عطفه).
عند الظهيرة كان الرئيس جالسا يوقع عقود بناء مدن سكنية عملاقة للشعب, مع شركة صومالية, وقع الرئيس وتبسم بوجه نائبه, كان خلف واقف خلف كرسي الرئيس, تصافح الرئيس مع مدير الشركة الصومالية بعد الاتفاق, وغادر المسئول الصومالي, فقرر خلف أن يستغل سعادة الرئيس ويطلب عفوه, فاقترب من الرئيس وهمس في أذنه.
– سيدي أرجوك اصفح عني لم أكن أقصدك بالبصقة.
– اخرج أيها الأحمق, اخرج, لم أجد اغبي منك, سأعاقب من جلبك للقصر.
خرج خلف مرتعدا خائفا يتلفت يمين وشمال, ووقع على الأرض, كان الكل ينظر له نظرت تعجب, عاد لبيته, لم يتناول شيئاً, لم يكلم أحدا من إفراد أسرته, جلس في غرفته من دون أن يبدل ملابسه, مرت ساعات وهو يفكر.
تساؤلات عديد تكاد تخنقه, ( يا ترى هل سيضعونني غدا في حوض التيزاب, أم سيرسلونني للسجن لأعذب, أم سيرمونني للكلاب لتأكلني, كانت مجرد بصقة بريئة, إنا لم اخطط لاغتيال الرئيس ببصقة, هل سيرن جرس الباب ويدخل ملثمون يقطعوني بسكانيين عسكرية).
اقترب من النافذة وهو ذابل القوى شاحب الوجه, ينظر للبنايات المقابلة ويفكر, ( يا ترى هل ستأتي طلقة من قناص يرصدني ألان, انه الموت الذي قرره لي الرئيس, لأفتح صدري للرصاص وأموت شجاعا, كانت البصقة جريمة لا تغتفر).
.
في الصباح, مات خلف.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية