تمخض الخنزير فولد صرصورا

محمد الرديني

ما كاد غبار داحس والغبراء يخفت قليلا في جنوب وادي الرافدين قبل اقل من شهر حتى انشطر بقدرة قادر الى زوبعتين، وكلاهما انطلقتا من قضاء الزبير، الاولى اتجهت مسرعة الى اقليم كردستان الدولي بينما حطت الثانية في وسط بغداد التي اطلق عليها امس الاول بناء على اقتراح من الامم المتحدة عاصمة الارامل للاستيراد والتصدير.
والفارق بين هاتين الزوبعتين هو نفس الفارق بين “تسواهن” وهي اقصر عراقية بالعالم والتي لم يسعفها الحظ بتسجيل اسمها في موسوعة جينيز اذ رحلت قبل افتتاح باب الموسوعة بعشر دقائق وبين اطول رجل بالعالم وهو ، كما تعرفون، باكستاني سجل اسمه في هذه الموسوعة متعهدا بتقبيل يدي والديه”وش وكفا” يوميا على هذه النعمة الطولية التي منحها له ذات ليلة حارة”بدون توابل طبعا” والتي ادخلته الموسوعة ليرتزق منها بعد ان طرق ابواب العديد من الشركات الاهلية والاجنبية الرأسمالية منها والاشتراكية طلبا للعمل على اعتبار انه شديد التدين ويؤمن بان العمل عبادة.. فلجأ الى بلدان كثيرة من عالم الكفر والزندقة ليتفرجوا على طوله الرشيق ويمدوه ببعض ما عندهم.
الذي يهمنا ايها السادة والسيدات” السادة اولا فالسيدات كما نعلم عورة واية عورة” ان الزوبعة الاولى فحّ غبارها واشتعلت ذراتها وكثر فيها القيل والقال بعد ان استلم قائد البشمركة اوامر واضحة لاطلاق النار على كل من يمد لسانه ويلحس تربة كردستان الدولية.
فهاهي اصبحت دولة ولا كل الدول ولاداعي للاعتراف بها فذلك شأن آخر.. المهم ان يرفع العلم هناك ويصيح احد المسعولين فيها ان اعضاء الحكومة الاتحادية اغبياء في الثقافة السياسية ولايعرفون بل ولم يقرأوا بنود الدستور حين طلبوا استجواب رئيس الاقليم.. كيف لهم ان يفعلوا ذلك مع رئيس دولة ثم من هم حتى يتجرأوا على هذا الطلب؟ الايعرفون ان على الباغي تدور الدوائر وان من كان بيته من زجاج لايرمي بيوت الناس بالحجر؟.
المهم مازالت الاتربة تتناثر هناك وهناك والكل يخاف المرور منها حتى لا يتسخ جسده فقطرة الماء غالية جدا ولا ضرورة للحمام الا في كل سنة مرة كما انشدت فيروز، ومعذرة لها، ذات يوم.
وتململ بعض افراد من رتل المشاة الانضباطية الاتحادية وقدموا رسائل التماس الى ولي نعمتهم قائلين ان البطارية العسكرية تحتاج الى شحن والشحن لايوفره الا الكهرباء وهي كما تعلمون لاتطل علينا الا في المناسبات الدينية وامامنا خياران اما نأخذ اجازة وننتظر جموع طويريج ليعطفوا علينا بعد ان يركضوا طلبا للماء والكهرباء والوجه الحسن او ان نقبع في سواترنا الرملية ناظرين الى العدو بعين اليقظة والحذر.. والامر لكم سيدي.
ولكن زوبعة بغداد الجديدة وهي الثانية حسب الترقيم الهجري بدت متأنقة جدا حتى انها اختارت اغلى “ديرم” في سوق مريدي وقدمت اقتراحا الى المسعول الاعلى بتغيير اسمها من زوبعة الى “لجينة” تحببا في اسم الخد اللجين وهي الكلمة التي ادمن عليها نواطير المنطقة الخضراء هذه الايام كما يدمن بعض اولاد الملحة على الماريوانا القادم من جيراننا الصالحين.
تعرفون جيدا ان مجلس الوزراء العراقي يضم موظفين”بكد” شعر الرأس فمثلا هناك لجنة للشؤون القانونية واخرى للشؤون الفلسطينية السمتقلة واخرى لشؤون الاسرى السوريين واخرى.. وأخرى..وتراس هذه الجان لجنة تسمى “دائرة شؤون اللجان في الامانة العامة لمجلس الوزراء.
هذه اللجنة مثل ذاك البعبع اللي ياكل ما يشبع فقد شكلت امس لجنة لمتابعة موضوع حقوق السجناء والاشراف على طرق التعذيب الحديثة والحد من نكتة “المخبر السري” وجاء ذلك تنفيذا لتوجيهات رئيس الوزراء نوري المالكي وبموجب الآمر الديواني (78) لسنة 2012″.
شنو تعني كلمة ديواني دخيلكم؟.
حلو.. يعني بعد 10 سنوات الجماعة صحوا وشكلوا لجنة”وشلون لجنة عيني بس لو نعرف اسمائهم”.
ولأن هذا البعبع الذي يطلق عليه مسمى دائرة شؤون اللجان ويعمل فيه اكثر من 150 موظفا لدى كل واحد منهم سكرتير خاص وآخر عام ومكاتبهم الرسمية تم استيرادها من بلاد الكفار بعد موافقة لجنة المشتريات التي خاطبت اللجنة المختصة بوزارة المالية والتي احالت بدورها الطلب الى لجنة فرعية للنظر فيه.
هذا البعبع شكّل امس لجان للحد من ظاهرة انتشار الخنازير في العراق وهي تضم وزارات عدة والمحافظات كافة.
وقال المكتب الصحفي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء “تصوروا المكتب الصحفي يتكلم ، سبحان الله” في بيان صدر امس وتلقى كاتب السطور نسخة منه ، إن “دائرة شؤون اللجان في الأمانة العامة قررت تشكيل لجان في المحافظات لمعالجة ظاهرة ازدياد أعداد الخنازير المتنامية في العراق وهذه اللجان ستكون برئاسة وزارة الزراعة وممثلين عن وزارات الداخلية والبيئة والصحة والبلديات فضلاُ عن ممثل المحافظة وأمانة بغداد”.
وقال البيان أن “تشكيل اللجان جاء بناءً على توصيات هيئةالمستشارين “هيئة مرة وحده” في مكتب رئيس الوزراء والتي طالبت باتخاذ الإجراءات المناسبة في أقرب وقت ممكن وذلك لتنامي أعداد الخنازير حسب التقارير المحلية وما تسببه من مخاطر على الصحة العامة للمواطنين وخسائر اقتصادية كبيرة”.
نروح لكم فدوى ياهيئة المستشارين..ماتعرفون بلدنه ماكان بيه خنازير قبل..وما سمعتوا مختار قضاء السيبة من كال شفنه في ايام الطوفان خنزير واحد جاي من خرمشهر وعبر شط العرب لأن الماي كان “كياش” بس احنه تصدينا له وطردناه من ارضنة.
بعدين يابعد روحي وروح كل اولاد الملحة مالكيتو غير سالفة الخنازير حتى تلهون بيها انفسكم.. بعدين الوزراء شنو شغلهم مو لازم يراقبون الخنازير السارحة .. يعني لازم تجتمعون وتناقشون وتشكلون لجان واللجان تشكل لجان وهذه اللجان تشكل لجان .. كلها من اجل الخنازير؟.
يعني معقولة حليتوا كل مشاكل الناس والكهرباء الوطنية صارت توصل 5 ساعات باليوم والماء الصافي يغرك الشوارع والناس تأكل تين وزيتون وطور سنين في هذا البلد الامين.. لا مانعتقد انتو جادين ..يمكن اصابتكم الغيرة من اعضاء مجمع اللغة العربية التابع للجامحة العربية اللي صاروا لهم نايمين اكثر من اهل الكهف بس مع الاسف ماعدكم الكلب اياه.
بس زين سويتو من شكلتوا لجنة لتقصي الحقائق فيما يحدث في ديالى.
عافرم عليكم اخوتي.
فاصل آخر موديل: والله لم اجد اصدق من كلمات منتظر البغدادي التي نشرها امس في الفيسبوك، وهذا نصها مع النقاط:
انا اقول لكم …. شئ ما …. قد تتهمونني بالجنون …. او قد تفهموني … انا اعاني وجع خاص وعميق …. وجعي مؤلم وقبيح ….. حالة من القهر تعصف بي وتؤلمني بشده … اطمح لتغيير الكثير مما حولي … اطمح ان يكون عالمنا اكثر جمالا .. اطمح ان يكون عالم ما حولي عالم مستقر ومتوازن …. اطمح ان يحكمنا كفاءات حقيقيه بلا تدليس … احلم ان لا منابر لرجال الدين ووعاظ السلاطين …. احلم ان لا يعلو المنابر غير الشعراء والادباء والفلاسفه …. احلم ان اصحو يوما وفراشه تحط على فمي لايقاضي .!!!!!
فهل هذا كثير ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!! ام جنون ؟؟؟؟؟
والله كثير يامنتظر.. الحكومة ملتهية بالخنازير وانت تريد توقظك فراشة؟.

Posted in فكر حر | 1 Comment

بنك سني.. بنك شيعي والاختلاط ممنوع

محمد الرديني

طلعت علينا ابتهال بنت كاصد امس وهي تضم يديها قائلة:: اننا نشيد بخطوة مصرف الرشيد بتقديم قروض للأرامل بقيمة ثلاثة ملايين دينار،وهي خطوة ستساهم في تحقيق استقلالها الاقتصادي بعيداً عن سياسة المعونات والمنح التي لا تقوى في أحسن أحوالها على سد حاجة الفئات المعوزة.
ياناس اقسم لكم انا اعرف جدول الضرب والقسمة وناتج واحد زائد يساوي اثنين ولكني لا اعرف هوية القسم الجديد الذي تم استحداثه في هذه الوزارة وهو قسم” التحشيش الالكتروني” التابع الى قسم العلاقات العامة والذي يعمل فيه شخص واحد فقط اطلق عليه ذات يوم”صحفي لنكه”.
1-الوزارة تشيد بخطوة مصرف الرشيد وما درت ان من صلب عمل البنوك هو تقديم القروض بفوائدها حتى تستطيع الاستمرار.. ترى هل نالت بعض العاملين في الوزارة حصتهم من هذه الاشادة،عفوا اقصد القروض؟ وهل يمكننا ان نشيد بالوزيرة التي لم تغادر مكتبها الا الى البيت لطبخ وحش “الطاوه”؟.
2- هل تعرف بنت كاصد كم عدد الارامل في العراق العظيم؟ واذا صح ذلك وهذا نادر الحدوث كصلاة الاستسقاء فلا يسعنا الا نقول لها ان عددهن قد تجازو حاجز ال 5 مليون ارملة بشهادة الامم المتحدة وهي الهيئة الوحيدة التي اطلقت على العراق اسم بلد”الارامل”.
تعالي نقرأ انا وانت فقط هذه الفقرة”أن هناك أكثر من 2،3 مليون أرملة في العراق، يابنت كاصد، من بينهن 400 ألف أرملة في بغداد وحدها والبقية يتوزعن في مختلف المحافظات العراقية. كما أن عدد الأرامل يزداد بمعدل90- 100 أرملة يوميا جراء الاغتيالات والعمليات الارهابية. وهذا ما أيده تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية من جنيف حيث أشار أن هذه الأرقام قد تكون أقل مما هي في الواقع إذا أخذنا بنظر الاعتبار جرائم القتل الخفية التي يتعذر تسجيلها. ويشير التقرير إلى أن هناك 300 ألف أرملة في بغداد وحدها إلى جانب 8 ملايين أرملة في مختلف أنحاء العراق حسب السجلات الرسمية. وهذا يعني إن نسبة الأرامل تشكل 35% من عدد نفوس العراق، و60% من عدد نساء العراق.
شفتي شلون بنت كاصد المصيبة اللي وكعت نفسج بيها؟.
لا والمصيبة الالعن تطالبين “إدارة البنك المركزي وجميع المسؤولين عن الملف الاقتصادي بالبلد الى انشاء مصارف خاصة بالنساء، تلبي احتياجات جميع شرائحهن بما فيهن الارامل والموظفات وسيدات الاعمال، لتقديم كل التسهيلات الممكنة، ولا يستثنى من ذلك النساء غير المتعلمات والمبتدئات في سوق العمل لكونهن شريحة كبيرة يتوجب دعمهن من خلال تدريبهن وتمكنيهن من الاعتماد على أنفسهن” .
ومو غريبه بعد كم يوم تطالبين ببنك شيعي وبنك سني وبنك خاص للصائبة وآخر للقادرية ثم النقبشندية ومن الاكيد ما راح تذكرين المسيحيين لأنهم غادروا وطنهم من جمان.
ولاتنسي ان تؤكدي على ضرورة منح الارملة الشيعية ضعف ما تمنح للارملة السنية او الصابئية على اساس انها نازله من ربها بزنبيل.
ولاتنسي ايضا ان تشيري الى ان ارامل بغداد يفرقن عن ارامل بقية المحافظات،فالواحدة منهن لاتجلس في البيت الا قليلا ولا تتسوق الا قليلا ولاتعمل الا قليلا.
ثم يأتي الموظف الوحيد في قسم العلاقات العامة في وزارتك الموقرة ليقترح تصنيف هذه القروض على اساس حجم الاعاقة وتعفى الارملة ذات الكرسي المتحرك من دفع الفوائد البنكية(المصرفية يعني) لمدة 3 سنوات ونصف لأنه لايجوز ان يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون.
فاصل بنكي:يرجى من يهمه الامر ان يجمع ويطرح ويقسم هذا القرض على عدد الارامل وكم هي فوائد “ربا” هذه القروض التي سوف يجنيها البنك اياه في بلد تدعي حكومته انها جاءت بنظرية اسلام ابو سكسوكة.

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

ثورة أهل الجحيم- ج 2

جميل صدقي الزهاوي؛ نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929

مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6

خاص: موقع المُفكِّر الحُرّ

ثانيًا: حوار بين الزهاوي وبين أقسى المَلَكَين، ما يُشبهُ تحقيقًا في حادثة

 

قال من أنت وهو يَنظُرُ شَزْرًا * قلتُ شيخٌ في لحْدِهِ مقبورُ

قال ماذا أتيت إذ كنت حيًّا * قلت كلُّ الذي أتيتُ حقيرُ

ليس في أعمالي التي كنت آتيها على وجه الأرض أمْرٌ خطيرُ

قال في أيٍّ من ضروب الصناعات تخصّصْتَ إنهُنَّ كثيرُ

قلت مارست الشِّعْـر أرعى به الحقَّ وقد لا يفُوتُني التصويرُ

قال ما دِينُكَ الذي كنت في الدنيا عليه وأنت شيخٌ كبيرُ

قلت كان الإسلام دينيَ فيها * وهْو دينٌ بالاحترام جديرُ

قال من ذا الذي عبدتَ فقلت اللهَ ربِّي وهْو السَّميعُ البصيرُ

قال ما ذا كانت حياتُك قبْلًـا * يومَ أنتَ الحرُّ الطليق الغريرُ

قلت لا تسألنّني عن حياة * لمْ يكن في غضونها لي حُبور

كنت عبدًا مُسَيَّرًا غيرَ حرٍّ * لا خَيارٌ له ولا تخييرُ

ما حَبَوني شيئًا مِن الحَول والقدرة حتى أديرَ ما لا يدورُ

كان خيرًا مني الحجارة تُثوى * حيث لا آمِرٌ ولا مأمورُ

قال هلا كسَبْتَ غير المعاصي * قلت إن لم اكسب فربّي غفورُ

كان إثميْ أنِّيْ إذا سألوني * لم أقلْ ما يقوله الجمهورُ

إنّهُمْ مِن أوهامِهمْ في إسارٍ * ولقد لا يُرضيهُمُ التحريرُ

وإذا لم يكن هنالك رأي * لِيَ أفضي بهِ فلا أستعيرُ

رُبَّ أمر يقول في شأنه العقل نقِيضُ الذي يقولُ الضميرُ

ثمَرات الأحراث لا تتساوى * هذهِ حنطةٌ وهذا شعيرُ

وقشورٌ وما هناك لُبابٌ * ولبابٌ وما هناك قشورُ

يتبع الجاهل الهويُّ أخاه * مثلما يتبع الضَّريرَ الضريرُ

قال هل صدَّقتَ النبيِّين فيما * بلّغوهُ ولم يَعُقْكَ الغُرورُ؟

والكتابَ الذي من الله قد جاء فأدلى به البشيرُ النذيرُ

قلتُ في خَشْيَةٍ: بلى
وفؤادي * مِن شُعاعٍ بهِ يكاد يطيرُ

إنهُ مُنزَلٌ من الله يهدي الناس طرًّا فهْوَ السّراجُ المنيرُ

قال هل كنتَ للصلاة مُقيمًا * قلتُ عنها ما أن عَراني فتورُ

إنما في اقتناء حُورٍ حِسانٍ * بصلاةٍ تجارةٌ لا تبورُ

قال هلْ صُمتَ الشَّهْرَ مِن رَمَضانٍ * قلتُ قد صُمتُهُ وطابَ الفطورُ

قال هل كنت للزكاة بمُؤتٍ * قلت ما كان لي بها تأخيرُ

قال والحجّ ما جوابُك فيهِ؟ * قلت قد كان لي بحجّيْ سُرورُ

قال هل كُنت للجهاد خفيفًا * قلت إني لبالجهادِ فخورُ

قال هل كنت قائلًـا بنشورٍ * قلت ربّي على النشور قديرُ

فإذا شاء للعباد نُشورًا * فمِن السّهل أن يكون نشورُ

قال ماذا تقول في الحَشْر والميزان ثم الحساب وهْوَ عسيرُ؟

والسؤالِ الدقيق عن كُلِّ شيء * والصِّراطِ الذي عليه العُبورُ

والجنانِ التي بها العَسَل الماذيُّ قد صفّوهُ وفيها الحُورُ

وبها ألـبـانٌ تفيضُ ولهوٌ وأباريقُ ثرَّةٌ وخُمورُ

وبها رُمّانٌ ونخْلٌ وأعنابٌ وطَلْحٌ تشدو عليه الطيورُ

ليس فيها أذىً ولا مُوبِقاتٌ * ليس فيها شمسٌ ولا زمهريرُ

والجحيم التي بها النار تذكو * في دهور وراءهنَّ دُهورُ

إنما المُهْلُ ماؤها فهْوَ يغلي * والهواءُ الذي يهبُّ الحَرُورُ

تلك فيها للمُجرمين عَذابٌ * تلك فيها للكافرين سَعِيرُ

إنّ مَن كان كافرًا فهْوَ فيها * وإن اعتاد أن يبرَّ خسِيرُ

هو في نارها الشديدة حَرَّانُ وفي زمهريرها مقرورُ

لكنّ الزهاوي تضايق من كثرة الأسئلة وتذمّر فقال

قلتُ مَهْلًـا يا أيها المَلَكُ المُلحِف مهلًـا فإنّ هذا كثيرُ

كان إيمانيْ في شبابيَ جَمًّا * ما بهِ نُزْرة ولا تقصيرُ

غيْرَ أنّ الشُّكوك هبّتْ تُلاحيني فلمْ يستقرّ مني الشّعورُ

ثم عاد الإيمان يومًا إلى أنْ * سَلَّهُ الشيطانُ الرَّجيمُ الغَرورُ

ثمّ آمنتُ ثم ألحَدْتُ حتى * قيل هذا مُذبذَبٌ مَمْرورُ

ثم دافعتُ عنهُ بعد يقين * مثلما يَدفعُ الكميُّ الجَسورُ

وتعمَّقتُ في العقائد حتى * قيل هذا علّـامةٌ نِحْريرُ

ثُمَّ أنِّي في الوقت هذا لخَوفي * لستُ أدري ماذا اٌعتقادي الأخيرُ

¤ ¤ ¤ ¤ ¤

معاني المفردات من قواميس اللغة- بتصرّف المُراجِع

الغَرير: المَغْرور، قليل التجارب¤ حُبور: سُرور¤ حَباهُ يَحْبُوهُ: أعْطاهُ بلا جَزاءٍ ولا مَنٍّ¤ تُثوى؛ ثَوَى- عن ابن برِّي: أَقام في قبره¤ الإِسارُ: القيد¤ الهويّ؛ قال الأصمعيّ: هَوى بالفتح يَهْوي هُوِيًّا، أي سقط إلى أسفل، كذلك الهُوِيُّ في السير إذا مضى¤ عَراني الأَمْرُ يَعْرُوني عَرْوًا واعْتَراني: غَشِيَني وأصابَني¤ البَوارُ: الكَسَاد، بارَتِ السُّوقُ إِذا كَسَدَتْ تَبُورُ¤ النشور؛ أَنْشَره الله: أَحياه؛ منه يوم النُّشُور¤ الماذِيُّ: العَسَلُ الأَبْيَضُ أو الجديدُ أو خالصهُ أو جَيِّدُه¤ الزَّمْهَرِيرُ: شدة البرد؛ قال الأعشى- من المتقارب: مِن القاصِراتِ سُجُوفَ الحِجالِ لم تَرَ شَمْسًا ولا زَمْهَرِيرَا¤ ذَكَتِ النارُ تَذْكو ذُكُوًّا وذكًا واسْتَذْكَتْ: اشْتَدَّ لهَبُها واشْتَعلت، نارٌ ذكِيَّةٌ على النَّسب¤ المُهْلُ: اسمٌ يجمع مَعـدِنِيَّات الجواهر، ما ذاب من صُفْرٍ (ضرْب من النُّحاس) أو حديد¤ الحَرُورُ: حَرّ الشمس، قيل أيضًا: استيقاد الحرّ ولَفْحُه، قد يكون بالنهار والليل¤ خَسَـرَ: ضَلَّ، فهو خاسِرٌ وخَسِيرٌ وخَيْسَرَى، خَسَـرَ التاجِرُ: وُضِعَ في تِجارَتِهِ أو غُبِن¤ المُلحِف في السؤال: المُكثِر، المُرَعْدِد الذي أوعَدَ أو تَهَدَّدَ¤ النَّزْر: القليل التافِه؛ نَزُرَ الشيء يَنْزُرُ نَزْرًا ونُزْرَة، نَزَّر عطاءه: قَلَّلَهُ. تُلاحيني: لاحَى فلان فلانًا مُلاحاة إِذا استقصَى عليه؛ يُحكى عن الأَصمعي أَنه قال المُلاحاة: المُلاوَمة والمُباغَضَة¤ سَلَّه يَسُلُّه سَلًّـا: انتزعَهُ وأخرجَهُ في رِفْق¤ الغَرورُ: ما غَرّك من إِنسان وشيطان وغيرهما. المَمْرُور: الذي غلبت عليه المِرَّةُ وهي مِزاجٌ من أَمْزِجَةِ البدن. الكَمِيُّ: الشجاع المُتَكَمِّي في سِلاحه لأَنه كَمَى نفسه أَي ستَرها بالدِّرع والبَيْضة، ج الكُماة. النِّحْرير: الفطِن البصيرُ بكل شيء

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 3-3

كامل النجار

الزنى: كل الأديان، التي يقال عنها سماوية، والتي يقال عنها فلسفية، قد حرّمت الزنى. والسبب الرئيسي في تحريم الزنى هو سيطرة الرجال على الأديان. فالله مذكر، وكل الرسل والأنبياء ذكور. وقد جاء الإسلام مبالغاً في تحريم الزنى، خاصةً للمرأة. يقول القرآن: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن …) (النور 31). وكذلك: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) (النساء 15). كأنما النساء يفعلن الفاحشة بدون مشاركة الرجال.
ورغم هذ التشديد على الفاحشة، هل كان صدر الإسلام يخلو من الزنى؟ الزنى في المدينة كان مجال الترفيه الوحيد فيها، وكان هذا سبب نزول آية الملاعنة. فقد أكثر الرجال الشكوى إلى محمد من أنهم وجدوا رجالاً آخرين على بطون زوجاتهم، مثل هلال بن أمية الذي اتهم زوجته بالزنى مع شريك بن السحماء، وكذلك عويمر العجلاني اتهم زوجته مع شريك. وقال سعد بن معاذ الذي أهتز له عرش الرحمن يوم مات، والله إن وجدت مع امرأتي رجلاً لأضربنه بالسيف (تفسير القرطبي للآية 4 من سورة النور). وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، أخت زينب بنت جحش، كانا أول من رمى عائشة بالزنى مع صفوان بن المعطل، وصدقهما محمد ولم يكلم عائشة لأكثر من شهر. ولذلك جاء محمد بعدة آيات في سورة النور، وهي آخر سورة أتت في المدينة، حاول فيها إيجاد حل لهذه المشكلة العويصة. أول آية كانت (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأؤلئك هم الفاسقون ) (النور 4). ورغم التهديد بجلد الرجال الذين يتهمون النساء بالزنى، لم تختفِ ادعاءات الرجال ضد زوجاتهم، فجاء محمد بالآيات التالية: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أنّ لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين) (النور 6-9). وكالمتوقع، فإن هذه الآيات لم تفعل شيئاً بالنسبة لمنع الزنى لأن الآيات تقف على أرضية مائعة جداً. كل المطلوب من الزوج أن يحلف خمسة مرات أنه صادق وتحل لعنة الله عليه إن كان كاذباً. وتفعل المرأة نفس الشيء. وأكيد أن أحدهما كاذب، ولا عقاب لأي منهما غير لعنة الله التي هدد بها كثيراً من قبل بالنسبة للكاذبين، والمنافقين، والمتخلفين عن القتال. ولذلك حلفوا جميعاً ولم يستطع محمد أن يفعل أكثر من أن يفرّق بين الأزواج، والزوج أصلاً بإمكانه أن يطلق المرأة دون اللجو إلى الحلف خمسة مرات. فالآية أصبحت إضافة لا أثر لها في الحياة العملية.
واستمر الزنى في صدر الإسلام، رغم جلد الشهود لتثبيطهم عن الشهادة، كما فعل عمر بن الخطاب في أمر المغيرو بن شعبه، عندما رآه ثلاثة رجال يزني بأم جميل، وراءوا المرود في المكحلة، غير أن أخاهم الرابع قال إنه رآهما عريانين، وراءه يتحرك على أم جميل التي كانت ترفع رجليها فوقه، وسمع أصواتاً، غير إنه لم يرَ المرود في المكحلة، فجلد عمر الشهود الثلاثة وأبرأ ذمة المغيرة (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 229. وكذلك تاريخ الطبري، ج2، ص 493).
(وروي عن عمر أنه كان يوما يتغدى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم ووراءه قوم يعدون خلفه فجاء حتى جلس مع عمر فجاء الآخرون فقالوا يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا، فقال له عمر ما يقولون؟ فقال يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي بالسيف، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فأخذ عمر سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: إن عادوا فعد) (المغني لابن قدامة، ج8، مسألة فيه القود إذا اجتمع عليه الأولياء).
جيء إلى عمر بامرأة حامل ليقيم عليها الحد بعد أن اعترفت أمامه بالفجور، فأمر بها أن تُرجم، فجاء عليّ وأخرجها من الحفرة، وسأل عمر إن كان قد انتهرها، فأجاب بالإيجاب، فقال عليّ: سمعت رسول الله يقول لا حد على معترف بعد بلاء. فأخلى عمر سبيلاها. (صحيفة الراية القطرية، تاريخ 30/11/2003)، قسم الفتاوى). وجيء إلى الخليفة علي بامرأة مع رجل قد فجر بها، فقالت المرأة: لقد استكرهني، فأسقط عليّ عنها الحد (نفس المصدر). والأمثلة أكثر من أن أذكرها في هذه العجالة.
والأسوأ من زني الزوجات أن وطء الصبيان الصغار والبنات، كان معروفاً لدى المسلمين الأوائل. يقول القرطبي في شرحة للآية الرابعة من سورة النور (قال إسحق إذا قذف الرجل غلاماً يُطأ مثله فعليه الحد، والجارية إذا جاوزت التاسعة مثل ذلك. وقال ابن المنذر: لا يُحد من قذف من لم يبلغ. وفي حديث عليّ بن أبي طالب، أن امرأة جاءته وقالت إن زوجها يأتي جاريتها، فقال لها: إن كنتِ صادقة رجمناه، وإن كنتِ كاذبة جلدناك. فقالت: ردوني إلى أهلي). فهذا الشرح يبين أن المسلمين الأوائل كانوا يرتكبون الفاحشة مع الصبيان الذين لم يبلغوا العاشرة، وكذلك مع البنات الصغيرات، وإلا لما ذكر هذا الشيء فقهاء الإسلام.
وحديث عليّ يثبت أن الزنى كان متفشياً لكن إثباته كان من المستحيلات لعدم توفر أربعة شهداء، ولخوف المشتكي من الجلد، كما حدث للمرأة التي قالت: ردوني إلى أهلي. فالزنى كان منتشراً ولكن التبليغ عنه كان يُحد منه الجلد.
كل هذا الزنى كان يحدث رغم تزايد عدد السبايا في المدينة وغيرها، ويقال إن المغيرة بن شعبة طاف على تسعة من جواريه في ليلة واحدة، وتزوج بسبعين امرأة وطلقهن (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 208). فماذا تفعل السبعون امرأة اللاتي طلقهن المغيرة غير الزنى؟ كيف يشبعن رغباتهن الجنسية بعد أن طلقهن هذا الفحل المغوار؟
ويبدو أن محمداً لم يكن يعتبر الزنى متعارضاً مع تعاليم دينه الجديد، ففي حديث عن أبي ذر، أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، يقول أبو ذر إن محمداً قال: (ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر.)
وفي مرةٍ أتى رجلٌ اسمه ماعز إلى محمد، وقال (إنه أصاب حرةً حراما، وقالها أربع مرات ،كل ذلك يعرض عنه النبي، فأقبل في الخامسة، فقال له النبي “أنكتها”؟ قال نعم. قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال نعم. قال هل تدري ما الزنى؟ قال نعم. أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا. قال فما تريد بهذا القول؟ قال اريد أن تطهرني. قال فأمر به فرجم) (المصنف، لعبد الرزلق الصنعاني، ج7، باب هل على المملوكين نفي أو رجم، حديث 13314). هذا الرجل اعترف أربع مرات أنه زنى بامرأة حرة، مسلمة، وتغافل عنه محمد. ولما كررها في الخامسة، استعمل محمد كلمة سوقية حتى يعطي الرجل فرصة لأن يغيّر رأيه وينجو من العقاب. وبعد تأكيد الرجل أنه زنى، سأله محمد: وماذا تريد بهذا الحديث؟ فواضح أن الزنى كان متفشياً عندهم وأن محمد كان يغض الطرف عنه، حتى في حالة الاعتراف، ناهيك عن الذين يفعلون الفاحشة ويستترون، رغم قول القرآن (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة).
فمسلمو صدر الإسلام لم يختلفوا عن مسلمي اليوم في ارتكاب الزنى والتستر عليه، اتباعاً للحكمة الإسلامية “إذا بُليتم فاستتروا”. تعاليم الإسلام جعلت من المسلمين نعاما يعرف أن الفواحش ترتكب على نطاق واسع، ولكن يدفن رأسه في الرمال طلباً للستر. وما نراه في دول الخليج من الاتجار بالنساء في سوق الدعارة، ما هو إلا امتدادٌ للعصر الذهبي في صدر الإسلام.
الصدقة: عندما استقر الإسلام في المدينة وكثرت الفتوحات والأموال على المسلمين، فرض محمد عليهم الصدقة، أي الزكاة. ومن ضمن الصدقة المفروضة كانت صدقة التمر. فكان المسلمون يخرجون التمر الصيص الذي لا يصلح للبيع ويعلقونه على الحبال بين الاسطوانتين في المسجد ليأكل منه الفقراء. فأتاهم محمد بآية تقول (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تُغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد) (البقرة 267) (تفسير ابن كثير للآية، وكذلك أسباب النزول للواقدي). وكانوا كذلك يشترون الطعام الرخيص ليتصدقوا به (عن ابن عباس قال: كان اصحاب رسول الله – ص- يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون فانزل الله: ” يأيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم) (المقبول لابن عمر الأزهري، ص 147، نقلاً عن خليل عبد الكريم، النص المؤسس). فواضح أن المسلمين الأوائل الذين عاصروا محمداً لم يكونوا مقتنعين بالإسلام عن فهم وطيب خاطر، ولكن فُرض عليهم بالسيف، ولذلك كانوا يتحايلون على الأحكام بشتى الوسائل.
كان المسلمون الأوائل يتزاحمون على بيوت محمد ليحدثهم عن الدين الجديد، وفي نفس الوقت ليأكلوا ما يقدمه لهم من طعام بفضل غزواته الكثيرة التي وفرت له الخمس من كل الغنائم، وعندما كثرت أعدادهم واحتاج محمد إلى زيادة في المال لإطعامهم، أتاهم بآية تقول (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) (المجادلة،11). وبمجرد أن نزلت الآية خلت مجالس محمد من المستمعين لرفضهم تقديم الصدقة، فاضطر محمد للإتيان بآية أخرى تنسخ هذه الآية: (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) ( المجادلة،13 ). فألغى محمد الصدقة التي طلب منهم تقديمها له، فازدحمت مجالسه مرة أخرى. فالمسلمون الأوائل والصحابة لم يعيشوا في عصرٍ ذهبي، وكانوا أكثر تشككاً في الإسلام من المسلمين اللاحقين، لكن لكونهم أعراباً أشد نفاقاً من غيرهم، تظاهروا بقبول الإسلام. وأول شيء فعلوه عندما مات محمد هو ارتدادهم عن الإسلام زرافاتٍ ووحدانا، حتى أخضعهم أبو بكر بعد حروب الردة التي شملت أغلب القبائل العربية واستمرت لأكثر من عامٍ كامل. والذي ردهم إلى الإسلام بسيفه كان خالد بن الوليد الذي لم يسلم إلا قبل سنتين من موت محمد.
نفس هؤلاء المسلمين الأوائل الذين عاشوا في العصر الذهبي، كانوا يتحايلون على الزكاة بأن يشتري أحدهم بقراً أو أغناماً ويبيعها بعد عدة أشهر ولكن قبل أن يحول عليها الحول ويشتري بثمنها خرافاً يحتفظ بها تسة أو عشر أشهر ثم يبيعها ويشتري الإبل مرة أخرى، وبهذه الطريقة يتفادى دفع الزكاة. يقول الإمام مالك في المدونة (قال ابن القاسم: قلت لمالك فالغنم تباع بالابل أو البقر والبقر تباع بالغنم (قال) ليس في شئ من هذه زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم اشترى الابل والبقر والغنم التى صارت في يديه وانما شراؤه الابل بالغنم وان مضى للغنم عنده ستة أشهر بمنزلة مالو كان عنده ذهب أو ورق فأقامت عنده ستة أشهر ثم اشترى بها ابلا أو بقرا أو غنما فانه يستقبل بالماشية من يوم اشتراها حولا ولا ينظر في هذا إلى اليوم الذى أفاد فيه الدنانير والدراهم وانما ينظر في هذا إلى يوم اشترى الماشية بالدنانير والدراهم فيحسب من ذلك اليوم حولا ثم يزكى) (المدونة، ص 320).
يقول حجة الإسلام الغزالي في مهمة الفقهاء: (وأما الزكاة فالفقيه ينظر إلى ما يقطع به مطالبة السلطان حتى أنه إذا امتنع عن أدائها فأخذها السلطان قهرا حكم بأنه برئت ذمته، وحكى أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله لزوجته آخر الحول ويستوهب مالها {أي تهبه له قبل أن يتم عندها الحول}، إسقاطا للزكاة ،فحُكي ذلك لأبي حنيفة رحمه الله فقال: ذلك من فقهه، وصَدَقَ، فإن ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرته في الآخرة أعظم) (إحياء علوم الدين، ربع العبادات، ج1، ص 11). والحيل الشرعية التي أتى بها الفقهاء للتحايل على أحكام القرآن عديدة ولا يمكن ذكرها كلها في مقال بهذا الحجم. وكل هذه الحيل كانت تُمارس في العصر الذهبي للإسلام أيام الإمام مالك وبقية الأئمة الكبار.
التعذيب: أصبحت الدول الإسلامية الآن أشهر دول العالم في تعذيب المعارضين السياسيين واختفائهم قسرياً، لدرجة أن أمريكا أرسلت بعض المعتقلين في في سجن عوانتانيمو بكوبا إلى الأردن والمغرب ومصر وغيرها لاستخلاص الاعترافات منهم تحت التعذيب. فمن أين أتى الحكام العرب بهذه السادية، وهل خلا عصر الإسلام الذهبي من هذه الممارسات؟
التعذيب في الإسلام بدأ بغزوات الرسول، خاصة غزوة خيبر: ( أتى النبي بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق – وكان عنده كنز بني النضير- فسأله فجحد أن يكون له علم بالكنز، فأتى النبي برجل من يهود، فقال الرجل للنبي: إني قد رايت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال النبي لكنانة: أرايت إن وجدناه عندك، آقتلك؟ قال: نعم. فأمر النبي بالخربة فحُفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه، فأمر به رسول الله الزبير بن العوام فقال: ” عذبه حتى تستأصل ما عنده ” فكان الزبير يقدح بالزند في صدره حتى أشرف على الهلاك، ثم دفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه) (تاريخ الطبري، ج2، ص 135).
وتبع ذلك تعذيب أم قرفة (فلما أسرها زيد بن حارثة، أمره النبي أن يقتلها، فقتلها قتلاً عنيفاً، ربط برجليها حبلين ثم ربطهما إلى بعيرين حتى شقها. فأمر النبي بالطواف برأسها في دروب وأزقة المدينة) (النص المؤسس ومجتمعه، خليل عبد الكريم،ص 174. وكذلك إمتاع الأسماع للمقريزي، الطبعة الأولي 1981، ج1، ص 210). ومنذ ذلك الوقت أصبح التعذيب في الإسلام وقطع الرؤوس وسمل الأعين، شيئاً طبيعياً لا يثير لأي تقزز في نفوس المسلمين.
وعندما قتل ابن ملجم الخليفة علي بن أبي طالب (أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد بن الحنفية، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: “إقرأ بسم ربك الذي خلق” حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك. فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة، وكان أسمر حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود. ويروى أن علياً رضي الله عنه أمرهم أن يحرقوه بعد القتل.) (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 197). وهؤلاء كانوا أبناء الخليفة علي، الذين رضعوا من ثدي الإسلام الذي كان لتوه قد أنجب الخلفاء الراشدين.
وعندما عزل الخليفة يزيد بن معاوية الوليد بن عقبة عن المدينة، استعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق، فقدمها في رمضان فدخل عليه أهل المدينة، وكان عظيم الكبر واستعمل على شرطته عمر بن الزبير لِمَا كان بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء. فأرسل عمر بن الزبير إلى نفر من أهل المدينة فضربهم ضرباً شديداً لهواهم في أخيه عبد الله، منهم أخوه المنذر بن الزبير، ثم جهز عمرو بن سعيد عمر بن الزبير في جيش نحو الفى رجل إلى أخيه عبد الله بن الزبير فنزل بالأبطح وأرسل إلى أخيه يقول له بر بيمين يزيد، وكان يزيد قد حلف ألا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة، وقال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى. فأرسل إليه أخوه عبد الله جيشاً فرّق جماعته وأصحابه، ثم أقاد عمرا بكل من ضربه ومات عمر تحت السياط. (شذرات الذهب للدمشقي، ج1، ص 66). وهذا ما يحدث بين الإخوان في دين المنصور بالرعب.
فإذا كانت هذه تصرفات نبي الإسلام وأبناء خلفائه الراشدين، فأين كان العصر الذهبي للإسلام؟ هل كان في عصر الحجاج بن يوسف، أم عصر يزيد بن معاوية، أم في عصر هارون الرشيد؟ عصر الإسلام الذهبي لا يوجد إلا في مخيلة السلفيين الذين ينظرون إلى الحياة الدنيا بمنظار داكن يحجب عنهم ضوء العقل، ويزين لهم قباحات ما كان يفعله سلفهم الصالح، فيرونها بلون الزهور، ويحجب عن أنوفهم نتانة الصديد الذي يفوح من تاريخ الإسلام، خاصة العصر الذهبي المزعوم. وكل تفجيرات الإسلاميين التي نراها اليوم في العراق وأفغانستان وباكستان، لا تساوي عُشر الدماء التي أسالتها سيوف من كان قد أمره إلهه بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
خخخ

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

الزكاة قانون وشريعة رومانية وثنية

جهاد علاونه

اللغة كائن حي تتأثر بما يتأثر به الكائن الحي وتجري على كافة لغات العالم تغيرات وتطورات وتداخلات أجنبية وغريبة وتصبح مع مرور الزمن جزءا لا يتجزأ من اللغة الأصلية وتصبح بعض الكلمات الأجنبية والدخيلة على أي لغة عادة اجتماعية من عادات الناطقين بها ولا توجد لغة حية على وجه الأرض أو ميتة إلا وبها خليط من الحضارات واللغات المجاورة لها أو التي سبقتها في الحضارة ولا توجد لغة خالصة بتاتا فكل اللغات فيها من لغات الأقوام الأخرى .

واللغة العربية دخلتها كلمات غريبة وأجنبية بفعل استعلاء الحضارتان اليونانية اللاتينية والرومانية وبعض هذه الكلمات مثل :

-قنصcanis
orcherstreرقص
احب agappo
feudum فدان
قرطاسgartas

logos لغة
قلم calamus
zoograph رسم الحيوان
تاريخ-او- قديم-arch
Bourg برج

عقار ارض acare
زكاة Decat
justice عدل قسطاس
قاض judge
sif سيف

قرية Gure
castle قصر
جليد Gelid

وهذه الكلمات قليلة جدا وأردت هنا أن أختار عينة ومن الأمور والكلمات المعاصرة جاكيت كمبيوتر راديو تلفزيون تلفون,نت, : وسيأتي يوم يدافع به أنصار الفصحى عن هذه الكلمات باعتبارها عربية وذلك مع تقادم الزمان .

وسنرجع هنا للكلمات التي اخترناها لكم في بداية المقال ونتتبع كلمة القنص أي قنص ولا يوجد في اللغة العربية أي مصدر اشتقاقي لها فقد كان الرومان يخرجون للصيد وبمعيتهم كلاب الصيد وكانوا يسمون الكلب باسم canic كنص، ودخلت هذه الكلمة إلى اللغة العربية بمعنى الصيد فأصبح العرب يطلقون على خروجهم للصيد فعل قنص فأصبحوا يقولون: نريد ان نخرج للقنيص.
وكذلك نطلق اليوم على الأرضية اسم :البلاط أو البلاطة وهي من أصل روماني ولاتيني وأنكليزي

وكلمة زكاة:
Decat

وهي كلمة لاتينية ومعناها العشر أي أنهم كانوا يستعملونها للدلالة على العشر من كل شيء سواء أكان مالا أو شعيرا أو ذهبا وحين أراد العرب حسم أي شيء من ما يملكون كان يسمونه العشر استنادا إلى القواعد اللاتينية,والحكم الشرعي الاسلامي تؤخذ الزكاة بمقدار العشر من المزروعات التي تعيش لوحدها بالاعتماد على مشيئة الله وليس بالاعتماد على اليد العاملة مثل الزيتون وزيت الزيتون,وباقي المزروعات التي تعتمد على اليد العاملة يؤخذ منها 2،5% فقط لا غير .

وان اللغة العربية مرت عبر السنين الطويلة قبل الإسلام وهي بلا حضارة حتى بداية العصور الوسطى وهذا فقط في الحجاز العربي باستثناء بابل وآشور ……..الخ
وهذا لا يعني أن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة فقد تأثر الغرب أيضا باللغة العربية حين اعتلى العرب قمة الحضارة على فترات من التاريخ ودخلت كثيرٌ من الكلمات العربية في اللغات الأجنبية وخصوصا الإنكليزية .

وتفسير هذه الظاهرة هنا هو بسبب صعود بعض الحضارات إلى قمة المجد وسقوط بعض الحضارات إلى أسفل الهاوية والمنتصر دائما في حالة تقدم وتفرض لغة المنتصر من خلال قوته العلمية فبعض أو غالبية الكلمات المستخدمة اليوم ترجع أهميتها إلى قوة علم مخترعيها لذلك فأننا نستخدم بعض الكلمات الأنكليزية واصطلاحاتهم بسبب وجود قوة علمية واقتصادية عند أصحابها .
واللغة العربية اليوم هي لغة سلفية تعيدنا إلى الماضي أما اللغة الأنكليزية فأنها لغة مستقبلية بفضل ما تفرضه علينا من مخترعات ومكتشفات وبما أن العرب اليوم في حالة ركود ثقافي واقتصادي فأنهم على الأغلب غير قادرين في الوقت الحالي على فرض كلمات جديدة ومصطلحات جديدة أي أن لكل زمان دولة ورجال .

إن هذا الكلام ليس طعنا بلغتنا المقدسة بل هو تفسير للظواهر الاجتماعية ولانتقال الكلمات من لغة إلى لغة وقد ضربت مثلا من الكلمات المستعملة في الوقت الحاضر للدلالة على حسن النية وكما نستخدم اليوم كلمات غير عربية هي مقارنة للتوضيح :إن العرب استخدموا في ألماض كلمات غير عربية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية في ألماض والحاضر .

ان لغات العالم كله متداخلة في بعضها البعض وهذا ليس حكرا علينا نحن بل هي ظاهرة عمومية في كل لغات العالم وكما استخدم الذين من قبلنا كلمات غير عربية كذلك نستعمل اليوم كلمات غير عربية مثل :
الجاكيت والسويتر والتلفزيون والراديو والكمبيوتر والبلاط والباكيت والبسكويت .
وهنالك أيضا كلمات سريالية ما زالت في لغتنا العامية في الأردن وسوريا وفلسطين والعراق ما زلنا نستخدمها حيث كانت هي الأصل قبل دخول الإسلام علينا وما زالت هذه الكلمات شائعة مثل :
زوم- أي بمعنى دور فتقول النساء غسلت الزوم الأول من الغسيل -وهي تعني : الدور الأول من الغسيل
وكذلك كلمة برطع …… الخ ولا مجال هنا لذكرها وسأذكرها في مقال لاحق ,راجعوا مقالاتي التالية:

اللغة العامية السريانية
كلمات سريانية عامية, وبعض الكلمات الفارسية والتركية

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 2-3

كامل النجار 

الرشوة: في اعتقادي أن الرشوة هي أكبر آفة تنخر في جسد المجتمع، كما ينخر السوس في الخشب. فالذي يدفع الرشوة يحصل على امتيازات لا يستحقها بمؤهلاته، ولكنه يشتريها بماله ويحرم المؤهلين منها. وفي النهاية يتسنم مواقع صنع القرار أشخاص غير مؤهلين، ولصوص في نفس الوقت، همهم استرجاع ما دفعوه في الرشوة أضعافاً مضاعفةَ من قوت عامة الناس.
والقرآن يقول (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحُكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (البقرة 188). وهذا تحذير واضح للمسلمين بألا يرشوا الحكام والذين في السلطة ليسمحوا لهم بأكل أموال الناس بغير حق. ولكن هل التزم نبي الإسلام ومن بعده الأتباع المؤمنون بهذا التحذير المهم؟
في موقعة هوازن، انهزم المسلمون باديء الأمر وفروا من حول الرسول الذي صار ينادي بأعلى صوته، أيها الأنصار أنا رسول الله. فرجع إليه الأنصار وحاربوا ببسالة وانتصروا، وأخذ المسلمون كمية كبيرة من الجمال والأغنام والسبايا، ويبدو أن بعض المسلمين أخذ أسلاباً بسيطة من القتلى قبل تقسيم الغنائم، فخطب فيهم محمد، وقال ” فأدوا الخيط والمخيط ، فإنّ الغلول {السرقة من الغنائم} يكون على أهله عاراً وناراً وشَنَاراً يوم القيامة، فمن أخذ شيئاً فليرده .” فردوا الأشياء البسيطة التي كانوا قد أخذوها، مثل سرج البعير أو الرسن، ثم أعطى محمد المؤلفة قلوبهم، وكانوا من أشراف الناس، فأعطى أبا سفيان وابنه معاوية، وحكيم بن حِزَام ، والعلاء بن جارية الثقفي ، والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو؛ وحُوَيْطب بن عبد العزى، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، ومالك بن عوف النصري، كل واحد منهم مائة بعير، وأعطى دون المائة رجالاً ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب بن عمرو، وسعيد بن يربوع. (الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج2، ص 142). ولم يعط الأنصار الذين نصروه ولا بعيراً واحداً. وكانت غزوة هوازن بعد فتح مكة، وكان أبوسفيان وغيره قد أسلموا يوم الفتح ولم تكن هناك حاجة لتأليف قلولهم.
وفي نفس هذا الوقت قُتل عبدٌ لمحمد، أصابه سهم من الكفار يوم خيبر، فقال المسلمون : هنيئا له الجنة ، فقال لهم النبي: (كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها من المغانم يوم خيبر ولم تصبها القسمة، لتشتعل عليه نارا) (فتاوى بن باز، ج5، ص 226). فهذا العبد المؤمن الذي ضحى بحياته، يدخل النار من أجل شملةٍ أخذها من الغنائم، و يعطى محمد أغنياء قريش مائة بعير لكل رجل، كي يستميلهم إلى الإسلام. مع العلم أن محمد كان يجود بما ليس له. فالإبل التي وزعها على المؤلفة قلوبهم لم تكن إبله وإنما إبل قبيلة هوازن الذين غزاهم محمد ونهب إبلهم ونساءهم وأطفالهم. فلو كان محمد قد وزع هذه الإبل على الفقرء، كان من الممكن أن نقول إنه روبن هود العرب الذي يأخذ من الأغنياء ليعطي الفقراء، غير أن روبن هود العرب فعل العكس. وهذه رشوة بكل معاني الكلمة، لأن محمد أعطاهم الإبل ليحصل منهم في المقابل على دخولهم في الإسلام. واستمرت هذه الرشوة حتى ألغاها عمر بن الخطاب، وقال إن الإسلام قد قويت شوكته ولم يعد في حاجة لتأليف القلوب.
والغريب أن القرآن الذي منع الرشوة في الآية المذكوره أعلاه، أباح رشوة المتنفذين والأغنياء وجعل لهم نصيباً من أموال الزكاة مع الفقراء والعبيد (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) (التوبة 60). فالذين يرفضون الاقتناع برسالة الإسلام، يشترى المسلمون ضمائرهم بالمال إذا كانوا من الأغنياء المتنفذين، أما الفقراء فلا رشوة لهم. (الأديان عموماً جاءت لخدمة الأغنياء). فهاهم شيوخ السعودية يسكنون القصور ويملكون الحسابات المليونية بالبنوك، والإخوان المسلمون لهم شركات في جميع أنحاء العالم يقدر رأس ماله بمئات الملايين من الدولارات، وشيوخ قم وطهران أصبحوا من أغنى رجالات الأعمال، كما فعل نظراؤهم في حكومة ثورة الإنقاذ في السودان. وفي جميع هذه البلاد ازداد الفقراء فقراً.
رجلٌ واحد في تاريخ الإسلام رفض أن يرتشي بالإبل ليعتنق الإسلام، (وهو نصير بن الحارث بن علقمة القرشي، من مسلمة الفتح، ومن حكماء قريش، وقيل إن النبي أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، يتألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام) (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 99). ومحمد قتل النضر بن الحارث، شقيق نصير بن الحارث، بعد موقعة بدر لأن النضر كان رجلاً مثقفاً قد سافر في بلاد فارس والشام وعرف أصل القصص التي كان يقصها محمد على أتباعه.
قصة جُعيل بن سراقة تثبت لنا أن محمداً كان يتجاهل الفقراء الذين يقاتلون في صفوفه، ويرشي الأغنياء الذين لا يحتاجون المال: (جُعال بن سراقة الضمري ويقال‏:‏ جُعيل، وغيّر النبي إسمه فسمَاهُ عمر‏.‏ وكان دميمًا قبيح الخلق إلا أنه كان رجلًا صالحًا أسلم قديمًا وشهد أحدًا والمشاهد بعدها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرًا إلى المدينة بسلامتهم في غزاة ذات الرقاع، ولما قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمِ حنين قال سعد بن أبي وقاص‏:‏ يا رسول اللّه أعطيت الأقرع وعيينة وتركت جُعيلاَ‏!‏ فقال‏:‏ ‏”‏ والذي نفسي بيده لجُعيل خير من طلاع الأرض كلها، مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ‏) (المنتظم في التاريخ لابن الجوزي، ج4، ص 136).
وعندما فشل محمد في إقناع عمه “أبو جهل” برسالته الجديدة، عمد إلى الرشوة ليدخله في الإسلام (حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن أبان بن إسحاق عن عبدالله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال أهدى رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة) (تاريخ الطبري، ح2، ص 124).
ولأن محمداً قد استن سنة الرشوة رغم تحذير القرآن، فقد انتشرت الرشوة في جميع محافل الدولة الأموية وكذلك العباسية (وفي سنة 349 بذل القاضي الحسين بن محمد الهاشمي مائتي ألف درهم على أن يُقلد قضاء البصرة، فأخذ منه المال ولم يُقلد. قلت يرحم الله من فعل معه ذلك وخاتله ويرحم من يقتدي بفعله مع كل من يسعى في القضاء بالبذل و البرطيل‏.) (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين بن تغري بردي، ج1، ص 431). فالرشوة كانت معلومة حتى في تعيين القضاة.
والقضاة، منذ فجر الإسلام، اشتهروا بموالاة الحاكم وجمع المال بكل الطرق المتاحة لهم (غضب المتوكل على أحمد بن أبي جاود القاضي وآله وصادرهم وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم) (شذرات الذهب للدمشقي، ج2، ص 126). فمن أين لقاضي نزيه أن يجمع ستة عشر مليون درهم؟
وفي سنة 237 للهجرة عزل المتوكل يحيى بن أكثم عن القضاء وأخذ منه مائة ألف دينار وأخذ له من البصرة أربعة آلاف جريب‏.‏ (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج1، ص 305)
كتب الخليفة المأمون أيام محنة خلق القرآن، إلى إسحق بن إبراهيم الخزاعي، نائبه على بغداد (وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة ‏”‏ يعني في ولايته القضاء ) (نفس المصدر، ص 270). فالقضاة في صدر الإسلام كانوا مشهورين بأخذ الرشاوى وكنز المال بأسرع وسيلة ممكنة لأن فترة توليهم المنصب غير معروفة، وقد يُعزل القاضي بعد أشهر من توليه المنصب.‏
يقول المقريزي إن (القادر، الخليفة العباسي، جمع في بغداد مجلساً من القضاة والأشراف والفقهاء وجعلهم يكتبون محضراً يتضمن القدح في نسب الخلفاء الفاطميين ونفيهم من الانتساب لعلي بن أبي طالب. {ففعلوا وأصدروا محضراً بذلك} وكتب نًسخاً من هذا المحضر فسُيرت في الآفاق) (وعاظ السلاطين، علي الوردي، ص 216). فكل هؤلاء المرتشين من قضاة وفقهاء، استجابوا لطلب الخليفة ولم تهمهم الحقيقة بقدر ما كانت تهمهم كروشهم التي كان يملأها لهم الخليفة. وهؤلاء الفقهاء والقضاة هم الذين كان عليهم حفظ تعاليم الدين الإسلامي. ولم يتغير أي شيء في موقف الفقهاء والقضاة منذ بداية الإسلام، فهاهم فقهاء الوهابية يطوعون الدين لمتطلبات آل سعود، والذي يخالف الأوامر يُزاح من منصبه الكبير وربما يفقد قصره المنيف والعقود السخية مع الفضائيات. وفي إيران يفعل القضاة ما يريده النظام ويغلقون الصحف ويسجنون، بل يعدمون من يعارض النظام. وفي السودان هناك هيئة علماء السودان التي لا تعدو أن تكون بوقاً لحكومة الإنقاذ الإسلامية، وتصدر الفتاوى التي تشد من أزر البشير. فهل منكم من رأى أي قاضي شرعي في أي بلد، يبدو عليه الهزال وضعف الجسم، من عدم الأكل الدسم أو من مخافة الله؟
يقال إن معاوية أعطى ذات مرة جماعة من الزعماء كلاً مائة ألف، إلا رجلاً واحداً حيث أعطاه سبعين ألفاً. فاحتج الرجل على هذا التفريق وسأل عن السبب فيه، فأجابه معاوية قائلاً: ” إني اشتريت من القوم دينهم.. ووكلتك إلى دينك” فقال الرجل: ” وأنا فاشتر مني ديني”. ( وعاظ السلاطين، علي الوردي، ص 223)
ورجال الدين منذ فجر الإسلام كانوا، وما زالوا صيادين للفوائد، مثلهم مثل الأمراء والملوك والرؤساء. (في سنة 329 توفي بجكم التركي الأمير أبوالخير، كان أمير الأمراء قبل بني بويه وكان عاقلا يفهم العربية ولا يتكلم بها، بل يتكلم بترجمانه ويقول أخاف أن أتكلم فأخطىء والخطأ من الرئيس قبيح. وكان عاقلا سيوسًا عارفًا يتولى المظالم بنفسه. قال القاضي التنوخي: جاء رجل من الصوفية إلى بجكم فوعظه بالعربية والفارسية حتى أبكاه، فلما خرج قال بجكم لرجل: احمل معك ألف درهم وأدفعها إليه. فأخذها الرجل ولحقه، وأقبل بجكم يقول: ما أظنه يقبلها، فلما عاد الغلام ويده فارغة قال بجكم: أخذها؟ قال نعم. فقال بجكم بالفارسية: كلنا صيادون ولكن الشباك تختلف‏.) (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ص 414).
وبالطبع لم تمت السنة التي سنها محمد في الرشوة بموته، يقول البلاذري (قالت امرأة من بجيلة يقال لها أم كرز‏:‏ إن أبي هلك وسهمه ثابتٌ في السواد‏ {جنوب العراق}.‏ وإني لن أسلم‏.‏ فقال لها‏ {عمر}:‏ يا أم كرز‏!‏ إن قومك قد أجابوا‏.‏ فقالت له‏:‏ ما أنا بمسلمة أو تحملنى على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي ذهبًا‏.‏ ففعل عمر ذلك‏.) (فتوح البلدان للبلاذري، ص 280). فعمر لم يحاول إقناع المرأة بسماحة الإسلام أو بأنه دين السلام، وهي تعلم ما هو لأن أباها قد قتل بسببه، فلجأ عمر إلى الرشوة لإدخالها في الإسلام.
واستمرت الرشوة منذ حياة محمد إلى يومنا هذا، ونخرت قوائم الحكم في جميع الدول الإسلامية منذ دولة المدينة، مروراً بدولة بني أمية، ثم الدولة العباسية، واستفحل أمرها في الخلافة العثمانية، ثم في دول الإسلام الحديثة، الغنية منها والفقيرة، وفتح الحكام والمسؤولون حسابات سرية في بنوك سويسرا التي منعت بناء المآذن، وامتنع أصحاب الحسابات عن التعليق على قرار منع بناء بناء المآذن، خوفاً على أموالهم. ‏
الكذب: علمونا في الصغر أن الصدق منجٍ والكذب حرام، وأن محمداً قد اشتهر بكونه الصادق الأمين. والقرآن مليء بالآيات التي تحض على عدم الكذب، ولكن كالعادة فإن ما يقوله القرآن والأحاديث شيء، وما يفعله نبي الإسلام وأتباعه شيء آخر. ففي الحديث (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل فطرك وصومك سواء.) (الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي، تفسير سورة البقرة، الآية 281)، نرى أن محمد كان يعلم أن المسلمين يكذبون في في كل يوم ويؤذون الخادم ويتلفظون بالألفاظ النابية، ولذلك طلب منهم أن يكفوا عن هذه الأشياء في رمضان فقط حتى لا يكون صومهم مثل فطرهم. أما بقية العام فليكذبوا ويزنوا وليؤذوا الخادمين لهم.

والإسلام أباح للمسلم الكذب في عدة مواقع (أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الرجل يكذب لامرأته لترضى عنه، أو إصلاح بين الناس، أو يكذب في الحرب) (الدر المنثور للسيوطي، ج2، تفسير سورة النساء، الآية 114). وأضافوا كذلك أن الرجل يحل له أن يكذب إذا كان في كذبه منفعة للإسلام والمسلمين. وهذا ما ظل يفعله المسلمون على مر القرون، ومن ثم تبنته جماعة الإخوان المسلمين وبقية الجماعات الإسلامية المنشقة عنها، فأصبحوا يكذبون على المسلمين، وعلى الغربيين المسيحيين، وحتى على أنفسهم.

في سنة 9 هجرية، أراد محمد أن يغزو الروم في تبوك، وكان الفصل صيفاً شديد الحرارة، ولم يكن محمد يملك حتى الطعام لجيشه، فلما دعا للغزوة، اعتذر له أكثر من ثمانين رجلاً وسمح لهم بالتخلف. وعاتبه ربه في القرآن (الذي هو أصلاً من تأليفه) فقال له (عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) (التوبة 43). فرب محمد كان يعلم أن جزءاً كبيراً من الذين اعتذروا كانوا كاذبين. وعندما رجع محمد من الغزوة، أتاه حوالي ثمانين رجلاً من المتخلفين وذكروا له كذباً الأسباب التي دعتهم للتخلف، فسامحهم محمد واستغفر لهم. ومحمد وربه كانا يعلمان أنهم كاذبون (لو كان عرضاَ قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون) (التوبة 42).

ثلاثة رجال فقط، هم كعب بن مالك، ومررة بن ربيعة العمري وهلال بن أمية، لم يكذبوا عليه وأخبروه أنهم تخلفوا لعدم رغبتهم في الحرب، فعاقبهم محمد بأن منع المسلمين من التحدث إليهم، وأمر بفراقهم لزوجاتهم. واستمر هذا الوضع لمدة شهرين حتى كاد بعضهم أن ينتحر، ثم أتى محمد بآية قرآنية تعفو عنهم (وعلى الثلاثة الذين خُلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) (التوبة 118). (انظر تفسير القرطبي للآية). فأين حكمتهم التي تقول إن الصدق منجٍ؟ فكل الذين كذبوا عفا عنهم محمد، رغم أنه كان يعلم أنهم قد كذبوا، وإلهه أخبره أنهم كاذبون، والثلاثة الذين قالوا الصدق عاقبهم محمد ومنع عنهم حتى السلام، وفرقّهم من زوجاتهم.

والكذب بنى وعشعش في المجتمعات الإسلامية منذ أول يوم فيها. فعندما دخل محمد المدينة وأسلمت الأوس والخزرج، بنى محمد مسجده بالمدينة، فبنى مسلمون آخرون مسجداً بقريتهم ودعوا محمداً ليصلي به، فأمر محمد بإحراق ذلك المسجد الذي سماه “مسجد الضرار” وأتى بآية تقول (الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن أن أردنا إلا الحسنى والله يشهد أنهم لكاذبون) (التوبة 107).

ومساجد الضرار كثرت في الإسلام منذ أيام دولة بني أمية وحتى الآن. كم مسجد استعمله المسلمون الأوائل ليسبوا من على منبره علي بن أبي طالب أو معاوية أو يزيد أو غيره، بمساعدة أئمة الإسلام المنتفعين من موائد معاوية الدسمة. وكم من مسجد بناه المنافقون في البلاد العربية والإسلامية ليزكوا أنفسهم ويزعموا أنهم حريصون على الإسلام، وربهم يعلم أنهم لكاذبون. وكم من مسجد شيعي بناه الشيعة ليفرقوا المسلمين، وكم مسجد سني بناه السنة في البلاد الشيعية لتفريق المسلمين؟ وكم مسجد شيعي دمره مسلمون سنة، والعكس كذلك.
فطوال تاريخ الإسلام كان الكذب والرشاوى ونفاق القضاة ورجالات الدين من العلامات المميزة لذلك التاريخ الطويل. فمتى بدأ عصر الإسلام الذهبي، ومتى انتهى؟ فتحديد هذا العصر مهم للغاية لأن السلفيين والإخوان المسلمين يودون أن يرجعونا لذلك العصر الهلامي الذي يستحيل تعريفه، ولو بالتقريب.

في الحلقة القادمة سوف أتحدث عن الزنى، والحيل الشرعية، والتعذيب في الإسلام

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

أولمبياد لندن وفائض القيمة !

رعد الحافظ

جرسٌ كبير دقّ وسط الملعب الأولمبي في ستراتفورد, مُعلناً بدء الحفل .
إنّهُ حفل إفتتاح العُرس الرياضي الكبير في اُولمبياد لندن ( 30 ) لعام 2012
بدأ هذا الإحتفال كما قرّر منظموه وهاجسهم الأوّل إعلاء شعار المساواة بين الجميع .
بالطبع , هذا لا يُخالف شعار المنافسة الأولمبية / أسرع , أبعد , أعلى .
فذاك يقتصر على الإنجاز الرياضي المرغوب , ولا يطال التفريق بين البشر .
كانت البساطة في الفكرة وقيمة الإنسان في كلّ مكان حاضرة !
والموسيقى الرائعة والرقص الجميل والقُبل المتبادلة بين جميع الأجناس حتى الحيوانات , تُعبّر عن أفكار منظمي هذا الحفل البديع .الذين إهتموا أيضاً بعرضٍ مُلخص للتأريخ البريطاني في القرون الأخيرة . وكونها أوّل دولة ذات نظام ملكي برلماني ديمقراطي في العالم .
ملايين الأجراس كانت قد سُمِعَت في جميع أنحاء بريطانيا صباح نفس اليوم , في ما يشبه الإعلان عن التحدّي البريطاني الجديد .
حتى على المستوى الأمني , كانت الإستعدادات هي الأكبر على الإطلاق في زمن السلم .
بارجة حربية تموضعت في نهر التايمز , وطائرات عديدة سيطرت على سماء بريطانيا .
كل شيء كان مُميّزاً ومُبتكراً !
حتى الملكة إليزابيث قامت بدورٍ تمثيلي حسب طلب مخرج الحفل المُبدع / داني بويل .
خاطبت في قصرها في باكنغهام العميل السرّي 007 جيمس بوند / أهلاً مستر بوند , ثمّ رافقته بالطائرة الى الملعب الأولمبي .
قبل أن تُعلن (كما فعل يوماً جدّها وأباها ) عن إفتتاح الدورة الثلاثين للأولمبياد .
أرأيتم كيف بدت أرضية الملعب الأولمبي في ستراتفورد ؟
كانت , بشكل ريفٍ بديع أخضر , متكامل بإنسانهِ وحيوانهِ وزراعتهِ .
وفجأةً ظهرت أبراج المصانع كالأشباح من باطن الأرض .
فأعلنت عن الثورة الصناعيّة الأولى في هذا العالم , ثُمّ أزاحت وإحتلت بوحشية كلّ شيء .
وإمتّص الرأسماليّون دماء وعرق العمّال ليبنوا إمبراطوريتهم الصناعيّة الرهيبة .
كانت ثمّة ضريبة , لزيادة أعداد البشر وإنتشارهم على معظم سطح الأرض . لكن ما الذي حدث بعد ذلك ؟
*************
لن يصّح إلاّ الصحيح !
بعد التضحيات الكبيرة , بدأت مسيرات الإحتجاج والمطالبة بحقوق العمّال والمساواة بين الرجل والمرأة , وحقّ الجميع في العيش بكرامة .
وأخيراً بتحقيق حُلًم الوصول الى دولة الرفاهيّة .
نعم في المشهد الأخير في الملعب الأولمبي , كما على الأرض في العالم المتحضّر , إنتصرت كلمة الشعوب على الحكّام والمالكين الجشعين .
آهٍ .. لو كان ماركس حاضراً , لرقصَ طرباً وصفّق للإنسان .
ولو كانت السيّدة فيروز حاضرة , لغنّت لنا موّشح أندلسي تقول فيه / و تأنسنت .. لغةُ الرأسمالية , ولاحَ لي .. ما يُشبه الإعجاز !
**************
http://maktoob.sports.yahoo.com
روعة فكرة إخراج حفل الإفتتاح تكمن في بساطتها وإنسانيتها .
لقد أظهرت حياة البشر على طبيعتها / الجانب الصحّي والتعليمي والطفولة السعيدة وحكاياتُ جدّتي ,عن الجنيّاتِ في الغابة !
الموسيقى العالمية كانت حاضرة , والأغاني الإنكليزية إختتمت الحفل بوصلة آخر أعضاء البيتلز / بول مكارتي .
حتى (( مستر بن )) لم ينسوه , ظهر بقفشاتهِ الإنكليزية ( كما برنارد شو ) وهو المعروف بتهكمهِ المُميّز , على عادات شعبهِ المتأصلة .
لقد نجح المخرج / داني بويل ومساعدوه في عملهم فأمتعونا لأكثر من ثلاث ساعات .
****************
ملاحظات متفرقة
1 / في كلّ حفل إفتتاح هناك تتوالى وتصاعد المشاهد ومعانيها , حتى تبلغ الذروة تقريباً , في لقطة توّهج الشعلة الأولمبيّة والطريقة المُستحدثة لها يومذاك .
حتى هذهِ أذابها القائمون على الحفل وذبّوها وسط المشاهد , فخاب ظنّ المعلقين الرياضيين العرب , بإنتظار / اللحظة الحاسمة .
بينما هي كانت قد مرّت فعلاً ( في ظنّي ) دون أن ينتبهوا كثيراً لها .
إنّها لقطة ظهور الدوائر الأولمبية في سماء الملعب , وعند إلتحامها ببعض , كتعبير عن إلتحام وتعاون البشرية جمعاء , أمطرت شُهُباً ناريةً
رُبّما قصد بها القائمون على الحفل أن يقولوا لنا / هذا عطاء البشرية عندما تتحّد !
نعم , ربّما لم تكن لحظة توّهج المرجل الأولمبي , بالشعلة الأولمبية هي اللقطة الحاسمة , كما إعتدنا سابقاً .
فقد ساهم 8 أشخاص من كلا الجنسين وكلّ ألوان البشر بإشعالها .
لكن لا يمكننا سوى القول أنّ كلّ شيء كان جميلاً في هذا الحفل .
حتى العلم الأولمبي نفسه , والعلم البريطاني الجميل , ومشاهد أعلام جميع الدول تظهر على المدرجات , كان شيئاً لا يُنسى .
2 / ظهرت كلمة GOSH ولم أفهم معناها , وجائني التوضيح من الصديق / محمد عبدالله كما يلي :
GOSH هي اختصار لاسم مستشفى شهير للأطفال وتبعه هذا الاستعراض الرائع لعالمهم و ماري بوبنز وبيتر بان
Great Ormond Street Hospita
كانت الانسانية والانسان من كل لون هو اساس العرض وذلك بالتقابل مع ما رأينا في ألعاب بكين من تحويل الأعداد البشرية إلى تروس في عروض تعتمد على الالتزام بقواعد جامدة شبه عسكرية
Discipline
مع شوفينية الصينيين الذين ركزوا على بلادهم وجنسهم فقط
ظهور الملكة ومستر بين كانا تأصيلا للروح الفكهة الانجليزية الساخرة
British Humour
محمد علي كلاي تارك المرتد من المسيحية إلى الاسلام تمت اعادة تكريمة للمرة المليون…متى نرى مرتداً يُحترم في بلادنا ؟
3 / العرب والأولمبياد
حصاد العرب منذُ بدء الأولمبياد قبل 116 عام , الى يومنا هو
82 ميدالية , بواقع 21 ذهب , ومثلها من الفضة , و40 برونزية .
هذهِ كلّها لا تُعادل إنجاز دولة صغيرة مثل هنكاريا ( المجر ) , ب 465 ميدالية , منها 159 ذهبيّة .
أين يكمن الخلل في ظنّكم ؟
في البنية التحتيّة الأساسية , والمرافق الرياضية ,والتدريب , والحكومات والفساد ؟
أم العيبُ في ثقافاتنا وأدياننا وسيطرتها على حياتنا وتحريمها الإنجاز عندما يقترن بالمتعة ؟
أم هي كلّ هذا وذاك ؟
لكن أنصتوا لغالبية المسلمين المُدلين برأيهم يقولون ما يلي :
لتذهب كلّ الميداليات الى الجحيم إذا كانت سترغمنا على عرض نسائنا بالمايوهات ؟
أرأيتم أين ينحصر تفكير المسلم عموماً ؟ في البؤبؤ أو مثلث الشرف لو شئتم .
لكن ما العذر مع الرجال ؟ هل أفكارمقتدى الصدر , وفتاوي السلفيين التكفيريين , حاضرة بالمرصاد ؟
4 / الإنجازات خلال كل دورات الأولمبياد
الأفضل تتويجاً بين الأفراد هو السباح الأمريكي / مايكل فيلبس ب 16 ميدالية منها 14 ذهبية و2 برونزية .
والأكثر تتويجاً بين الدول / هي الولايات المتحدة طبعاً , ب 2514 ميداليّة منها 1008 ذهبية .
ألا تشعرون أنّ تنوّع البشر هناك والديمقراطيّة وثقافة العمل والبحث العلمي التي خلقت أعظم وأقوى دولة في العالم / هي من بين الاسباب ؟
سيقول المؤدلجون / إن أنتَ إلاّ عميل تتجاهل نظرية المؤامرة الكُبرى !
5 / حوالي 70 ألف مُتفرج حضروا حفل الإفتتاح .
وأكثر من مليار شاهدوه عبر الشاشات .
ومن بين الحاضرين ملوك ورؤساء دول مع زوجاتهم .
ميشيل أوباما حضرت لوحدها ربّما لإنشغال أوباما بسباق الرئاسة مع ميت رومني / مع أنّهُ لم يشتد بعد .
ميشيل أوباما إستغلت وجودها في لندن فأطلقت حملة ضدّ سمنة الأطفال المفرطة , وشاركت باللعب معهم ونصحتهم بالأكل المفيد والرياضة والحركة الدائمة . طبعاً ديفيد بيكهام لم يُفوّت الفرصة وشاركها الظهور اليوم , فهو غالباً الأكثر حباً للظهور امام الكاميرات .
6 / عندما إختيرت لندن عام 2005 , لتنظيم هذا الأولمبياد للمرّة الثالثة
كانت المدن المنافسة لها من النوع الثقيل / نيويورك , باريس , موسكو , مدريد . فإنظروا جيداً لمقام لندن بين مدن العالم .
7 / ترأس اللجنة المنظمة / البطل الإنكليزي الأولمبي السابق , اللورد / سيباستيان كو . وثلاث أقسام تقسمّت لندن بالنسبة للألعاب
النطاق الأولمبي / حول الملعب الأولمبي في ستراتفورد
النطاق النهري / خمس مواقع مسابقات ,على إمتداد نهر التايمز
النطاق الثالث / وسط لندن , فيه ملاعب عديدة متفرقة لجميع الألعاب
8 / بعض مشايخنا المتشددين سارعوا لكتابة آرائهم عن أولمبياد لندن بأنّه أولمبياد صهيوني إمبريالي كافر .. إزاي ؟ معرفش !
ربّما ناقشوا شعار البطولة وهو LO12 , أحدهم جعلهُ شعار صهيوني .
9 / طبعاً بهذه المناسبة عند ظهور أعلام الدول الكلّ يفرح ويصفق ورئيس الدولة وزوجته يرسلون تحاياهم لرياضي بلدانهم .
لم أرَ مسؤول عراقي مهم / ربّما منشغلين بأشياء اُخرى .
لكن لاحظتُ الرئيس التونسي المنصف المرزوقي / وهو الذي كان مؤخراً , يبّشر بقرب الثورة الثانية لكن على المشايخ البغاة هذه المرّة .
10 / أوّل ميدالية ذهبيّة في أولمبياد لندن 2012 حققتها الصينيّة / يي سلينغ في الرماية , عقبال الجميع
*************
الخلاصة
حفلٌ لا يُنسى , مهما مرّت السنين . هل يمكن لنا الإستفادة من معانيه ؟
أرأيتم كيف أنّ الرأسماليّة قامت وتوّحشت , ثمّ ما لبثت أن عادت وتأنسنت ؟
أفلا ترون أنّ البشرية تحضّرت وإرتقت وترفهّت ؟
أزماتهم موجودة دوماً , لكنّهم يعالجوها بالعمل والإبداع لتستمر مسيرة العطاء .
ألم يواجه الإنكليز الواقع ؟ ورغبة جميع شعوب العالم في العيش والمساواة ؟
فتخلوا طائعين عن إمبراطوريتهم التي لاتغيب عنها الشمس . بينما إنهارت قهراً إمبراطوريات إشتراكيّة وإسلاميّة وشرقيّة وغربية .
فبايّ حديثِ العقل والعلم والعمل تكذّبون ؟
هذا التجمّع الرياضي كلّف أكثر من 9 مليار جنيه إسترليني . لكن هذه المليارات , لن تذهب سُدىً !
بالعكس هذه لها فائض قيمة .. كبير .
ليس فقط المليارات الإضافية هي ما أقصدها هنا , وهي ستتوفر حتماً .
لكن فائض القيمة سيكون / في حياة وسلوك وأخلاق وطبائع .. وحضارة البشر !

حظاً سعيداً للجميع
تحياتي لكم

رعد الحافظ
28 يوليو 2012

Posted in الأدب والفن, فكر حر | 1 Comment

ثورة أهل الجحيم- ج 1

 جميل صدقي الزهاوي؛ نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929

مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6

خاص: موقع المُفكِّر الحُرّ

ملاحظة
وردت ملحمة الشاعر العراقي الزهاوي الواقعة أصلًـا في 435 بيتًا في عدد من المواقع الالكترونية بأخطاء منها عَروضيّة، ما دعاني إلى تعديلها وتقسيمها إلى أجزاء كي لا يملّ القرّاء الكرام من طولها. ذلك إكرامًا لشاعرنا الكبير وفيلسوفنا الخطير

* * *

أوّلًـا: في القبر

بَعْد أن مُتُّ واٌحتواني الحَفـيرُ * جاءني مُنكَرٌ وجاء نَكيرُ

مَلَكانِ اٌسطاعا الظهور ولا أدري لماذا وكيف كان الظهورُ

لهُما وجهان اٌبتنتْ فيهِما الشِّرَّةُ عُشًّا كلاهُما قمْطريرُ

ولكُلٍّ أنفٌ غليظ ٌ طويلٌ * هُوَ كالقرن بالنطاح جديرُ

وفمٌ مَهْروسٌ يضاهي فم الليث يُريني نابًا هو العنقريرُ

وبأيديهما أفاعٍ غِلاظٌ * تتلوّى مُخيفةً وتدورُ

وإليَّ العيونُ تُرسل نارًا * شرُّها من وميضها مستطيرُ

كنت في رقدةٍ بقبري إلى أنْ * أيقظاني منها وعاد الشعورُ

فبدا القبر ضيِّقا ذا وخوم * ما بهِ للهواء خَرْمٌ صغيرُ

إنّهُ تحت الأرض إلا قليلًـا * مَنزِلُ المَرْءِ ذي الطموح الأخيرُ

ألِمَنْ خابَ حفرةٌ ذاتُ ضيق * ولِمَنْ فاز روضةٌ وغديرُ

أتَيَا للسؤال فظَّينِ حيث المَيْتُ بعد استيقاظِهِ مذعورُ

عن أمور كثيرة قد أتاها * يومَ في الأرض كان حيًّا يسيرُ

نظرةٌ ثم صيحةٌ وحِوارٌ * بين أقساهما وبيني يدورُ

واقفًا لي كأنما هو نَسْرٌ * وكأنّي أمامَهُ عُصفورُ

خار عزمي ولم أكن أتظنَّى أنّ عزميْ يومًا لشيءٍ يخورُ

ولقد كنت في البداية أشحى * مثلما يشحى للخشاة الذعورُ

ثمّ أني ملكْتُ نفسيْ كأنّي * لست أخشى شيئًا وأنّي جَسورُ

مُظهِرًا أني كنتُ أحْمِلُ نفْسًا * لم يكُنْ للشكوك فيها خطورُ

غيْرَ أني صَدَعْتُ بالحق في الآخِر حتى التاثتْ عليَّ الأمورُ

في الأديب الحُرِّ النفاقُ ذميمٌ * وهْوَ ما لا يرضاهُ مِني الضَّميرُ

فألمَّتْ بيَ الرزيَّةُ حتّى * ضَجِرَتْ مِن ضجيج قبري القبورُ

¤ ¤ ¤

الحَفير: القبر. الشِّرَّة: مصدر لِشَرّ. قمطرير: شديد. أتظنّى: أظنّ. أشحى: شَحا فاهُ يَشْحوه ويَشْحاه شَحْوًا: فتَحه. خطورُ: خَطَرَ بباله وعليه يَخْطِرُ ويَخْطُرُ، بالضم؛ الأَخيرة عن ابن جني، خُطُورًا إِذا ذكَرَهُ بعد نسيان. صَدَعَ بالحق: تكلّم به جهارًا. التاثتْ؛ الإلتياث: الاختلاط والالتفاف. يقال: اٌلْتاثَتِ الخُطوبُ- لسان العرب
أمّا العنقرير فلا وجود له في القواميس العربية

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

محطات من سفر الحياة المصرية

سرسبيندار السندي

مهداة لروح الشهيد مينا دانيال ورفاقه الميامين

(١)
هـــب الشباب وقالـــو ثـــورة … ثــــورة على الظالميـــــن
وقالــــــو لحسني ياعمي إرحل … دحنـا ناس ثورييــــــن
تـروح يسرى تــروح يمنى … إحنــا أبـدا مـش ساكتيــــــن
ونســـــو في مصــــر عصابة … في الشوارع والمياديـــــن
والمـــرتـزقـة أصنــاف أصنــاف … حتى مــنهم مصــليــــن
ونـــاس في القـنـــص مختصيـــــــــــــن
تريد في القلب تريد في الراس … تريد في العين متولعين
يسقط مينا تسقط دينا … إن شاء ألله كل المصرييــــــــن
دحـــنا المجلس مــنا وفينـا … وبكل الشرطة منتشريـــــن
نقتل نذبح مفيش محاكم … وإحنا أبدا مش أسفيــــــــــن
***

(٢)
نســو في الثورات تجــار دم … وتجـــار ديــن مشهوريــــن
سلف صالح وسلف طالح … وبلطجيـــــــة مـأجوريـــــــــــن
والمصيبــة الكل يهتـــــف … مــع إخــوان الشياطيـــــــــــن
نســــو مبـــارك وطنطــاوي … وحامي حمى الحرميــــــــن
والكـــل يهتـــف ألله وأكبــر … دحنا في معــركة العلميــــن
نسو القتلى ونسو الجرحى … وحتى الناس المسجونين
ونسو ألأرامل واليتامى … وصارو بالمناصب مشغوليـــــــن
يسقط مبارك في مرسي … هي مش ثورة ملتحيـــــــــن
المهم بالساحة الشيخ صفوت … وأبو إسماعيل عاليميـن
وبينهم مرسي وية الكرسي … وعلى المنصة متربعيـــــن
وثورة ثورة حتى القصر … وطز بمصـــــــر وأبــــــو مصـــــــــر
وحتى بكل المصرييـــــــــــــــــــــن
وعلى عناد الثورييــــــن … من تونس لفلسطيــــــــــــــن

***

(٣)
نســـو الثــورات بالدم تحــلى … والأبطـــــال بالنياشيــــن
والتـــاريخ بالثــــوار يزهــــــــو … وبـالشهداء المياميــــــــن
تبــقى الثـورة ويــزول الباطـل … مدامت ثورة متنوريـــــــن
وبـكـــرة نشـــوف الشر يولي … مـــع إخــوان الشياطيـن
 صلــو معــايــا وقــولو أميــــن … ويلكم ويلكم يامنافقيــــن

****

سرسبيندار السندي
مواطن عراقي / يعيش على رحيق الحقيقة والحق والحرية

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

15 عاما على رحيل الجواهري

Posted in الأدب والفن, يوتيوب | Leave a comment