امرأة من سفر الأمثال

من لي بامرأة تنظرُ في وجهي وكأنها تنظرُ في (سفر الأمثال )من الإصحاح الواحد والثلاثين؟ تقرأني من خلال نظراتي إليها muf78 (3)دون أن أنطق ولا بأي حرفٍ على الاطلاق,.وتسكن روحي وكأنها تسكن في دنيا الأحلام وتلعبُ بي كما يلعب الأطفال بالتراب وتعاملني معاملة طيبة.

ومن لي بامرأة تحرقني وتجعلني رمادا حين أكون بحاجة لأكون رمادا في الهواء؟.

من لي بامرأة تسكرني وتجعلني أطفو على سطحها كما يطفو الخشب على سطح الماء؟

من لي بامرأة تساوي ملايين الدولارات وتساوي ما في الأرض من ذرات وما في السموات من كواكبَ أو نجمات وما في الشعر من أوزانٍ ومن كلمات.

من لي بامرأة تكون مساحة صدرها وعمقه كبركة سباحة.؟.

من لي بامرأة حين ينقطع التيار الكهربائي تحتضنني وتجعلني أشعرُ بالأمان من بعد الخوف نظرا لأني ما زلتُ مثل الطفل أخافُ من العتمة ومن الجلوس لوحدي في البيت ؟فتمسك بيدي وتقودني إلى سريرها في غرفة نومها؟.

من لي بامرأة تهز لي السرير كما ولو أنني طفلٌ رضيع, كلما أطلبُ منها أن أنام؟.

من لي بامرأةٍ ترد إليّ بصري كوني قد خسرتُ منه الكثير وأنا أنظر في تفاصيل وتقاطيع وجهها وجسمها الذي يشبه برج إيفل المائل؟.

من لي بامرأةٍ تخنقني وتأكلني وتسمم لي بدني من مجرد كلمة تقولها أو حرفا تتلفظُ به, وتأكلني أكلا كما تأكل العنكبوت الأنثى زوجها بعد أن تقضي منه حاجتها؟.

من لي بامرأة تملئ فمي خمرة وتملأ بيتي خبزا وماء وحشيشاً.

من لي بامرأة تدهن جسمي بالزيت وتتخذ من ظهري ومن خصري مطية تمتطيه كما يمتطى الفارس ظهر جواده؟.
من لي بامرأة وجودها في حياتي مثل الجحيم وعدم وجودها في حياتي أيضا مثل الجحيم.

من لي بامرأةٍ تسحرني بحديثها كلما تحدثتْ عن المساواة أو عن الاتجاهات الفكرية.
من لي بامرأة تثور ضدي وتعلمني آداب الجلوس بين الناس , وآداب الكلام معها إذا رغبتُ بالحديث معها وآداب الجلوس على مائدة الطعام والشراب, وتعيدني طفلا أتعلم من جسدها لغة الجسد ومن عينيها لغة الحوار؟.
من لي بامرأة تجري في وريدي كمجرى الدم في شراييني فأتخذُ من شفتيها حبة أسبرين ومن عينيها شربة ماء حين يضنيني العطش, وشرابا مسكراً كلما لزم الأمر؟ هكذا قال لي الطبيب:خذ من رائحة يديها معطراً للجو, أمسح بباطن كفك على ظاهر كفييها وراقب سقوط الندى , ومثل ذلك قرأتُ في سفر الأمثال عن امرأة تحب من أحبها ولا يجوع زوجها ولا أولادها تجعلهم دائما تحت إبطها تعطيهم من حرارة جسدها كلما داهمهم البرد,وتسقط عليهم بجسمها كسقوط أشعة الشمس لكي تدفع عنهم البرد القارص وفي الصيف تقف لهم مثل عامود الظل أو كخيمةٍ فوق رؤوسهم لتحميهم من أشعة الشمس الحارقة.

من لي بامرأة من بدأ التكوين, أو من قبل أن يخلق اللهُ الفيل أو (الفيل-الماموث).

من لي بامرأة تعطيني من عمرها أكثر… ومن صحتها أكثر.. ومن سواد عينيها ليلا يطول فيه السهرمن قبل أن يوجد الإنسان منذ كانت الديناصورات تحكم الأرض وما عليها؟.

من لي بامرأة من قبل أن تكون ذبابة الفاكهة في رأس النملة.. ومنذُ كنتُ أنا نطفة في رحم أمي وقطرة ندى في ظهرِ أبي ؟.

أو من لي بامرأة من القرن الواحد والعشرين لا يجوع زوجها ولا يعطش ولا يضطر لمساعدة الآخرين,ولا يئنُ صبحاً ولا يئنُ مساء ,ولا يتألم ,ولا تفوته عادة من عادات الانبساط والكيف إلا وما رستها معها سواء أكان يحتضنها وتحتضنه في غرفة العبادة أو كما يسميها الناس غرفة النوم راكعا تحت قدميها كأنها بوذا وأنا واحدٌ من البوذيين أو المنبوذين لا تفوته فريضة من فرائض الحب والجلسات العاطفية إلا ومارسها بقلبه أو بحسه أو بوعيهِ معها حين يتخذ من لون عيونها ساعة مُنبهٍ لوقت النوم أو لوقت الصحو أو لوقت الخروج من هذا العالم الضيق إلى عالم آخر في داخل عينيها تتوه فيه أحزاني وأصلح فيه عيوبي.

من لي بامرأة أمشط لها شعر رأسها بيديا,أمسح دمعتها بيديا..وإن غضبت مني تُعيدني قردا في لحظات,تمسخني إلى مخلوقٍ آخر نصفه نُصفُ إنسان ورأسه رأس قرد كما كنت أول مرة , وأما إذا رضيتْ عني تجعلني إنسانا بكل ما في الكلمة من معنى,أعبدها وأصلي لها صلاة الشكر وصلاة الجائع عندما يشبع الجائعُ من يد مولاه.؟

من لي بامرأة تخرج من قلبي عصارته الوردية وتمسح بيدها على بطني فتزيل لي (الحُمة الوردية الألمانية)؟ ومن رأسي تُطير لي عقلي نهائيا فلا يبقى عندي ذرة من عقل, وتمزقني كلما احتجتُ إلى تمزيق,وتُكسرني كلما شعرتُ أنني بحاجة إلى تكسير, وتغرقني في قلبها كلما حاولتُ أن أنجو بنفسي من أعماق البحر,أنا أحيانا أشعر بأنني بحاجة إلى تمزيق أو بحاجة لأن أموت في لحظات لتحييني من جديد وتبعثرني كلما احتجتُ إلى بعثرة,وتنفخني كلما احتجت إلى نفخ وتفرقعني مثل البالون المنفوخ إذا غضبت مني وتجرحني كلما احتجتُ إلى جراحٍ جديدة فأنا احتاجُ إلى من يجرحني حين تلتئمُ كل جراحي ذلك أنني بدون جراح لا أستطيع أن أحيا كالإنسان العادي أو أن أعيش كأي حيوان زميل في المهنة, أنا يا ولية أمري أدمنتُ على الجراح وعلى لعق دمي بلساني.

من لي بامرأة تجعلني من خلال حبها لي سيدَ هذا الكون؟.

من لي بامرأة فاضلة لا يعيبها طول ولا قصرُ لسانها مثل لساني يفيض بالحكمة حين تكون الحكمة فقط مجرد أن أرسم بيدي الابتسامة على وجهها؟

من لي بامرأة تعرف كل عيوبي ومع ذلك تعشق كل عيوبي وتقدس كل أخطائي وكل عثراتي, إذ تجعلُ من أخطائي اللغوية كتابا مقدسا؟. من لي بامرأة تملأ قلبي إحساسا وشعر ونثرا؟

من لي بامرأة تلعبُ معي دور الذكورة, وتقعدُ لي في البيت على (الفوته والطلعه)على ركبة ونصف فتعرف كل تحركاتي فتحاسبني على الخروج من البيت وتقول لي :أين أنت ذاهب ومتى ستعود؟.

من لي بامرأة تتكوم أمامي مثل الحمامة أو مثل العصفور المغرد حين تفتح فمها وتحرك بشفتيها ويكون لسانها مثل لساني أمضى من حد السيف؟.
أنا محتاج –يا عالم ويا ناس- إلى امرأة من سفر الأمثال وبالذات من الإصحاح الواحد والثلاثين امرأة ينضربُ فيها المثل وتحتار في وصفها الكلمات.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.